علم النفس

هل تنعكس العواطف بشكل متماثل على وجوه جميع البشر؟

تقدم لنا العواطف أدلة حول الكيفية التي يجب علينا الرد فيها على الأشياء التي تحدث في بيئتنا، وتجيبنا على أسئلة مثل؛ هل هو خطير؟ هل تحبني؟ هل يمكنني أن أثق به؟ ولكن هل يمكننا الوثوق بتصوراتنا أينما كنا وحيثما حللنا؟ وهل يمكن للسياح اليابانيين تحديد ما إذا كان شخص كندي يشكل خطراً عليهم أم لا؟ أو يمكن لرجل من المملكة العربية السعودية معرفة الفرق بين الغضب والاشمئزاز في الأرجنتين؟

تشير الدراسات المطولة في هذا المجال أن الإجابة هي في الأساس “نعم”، حيث يبدو بأن البشر يعبرون عن عواطف أساسية معينة من خلال تعابير وجه عالمية عادة ما يكون متعارفاً عليها من قبل الأشخاص من الثقافات أخرى، ويبدو أن هذا ينطبق حتى على الثقافات التي لم تحظ سوى بالقليل من الاختلاط مع الثقافات الأخرى.

ولكن، وفقاً لدراسة حديثة نشرت في مجلة (Experimental Psychology)، فإن نظرية “عالمية” المشاعر قد تفتقد شيئاً مهماً، حيث تشير النتائج التي توصل إليها العلماء بأن الثقافة يمكن أن تلعب دوراً أكبر مما كان يُعتقد سابقاً في كيفية التعبير عن العواطف والتعرف عليها، وقد أثارت الدراسة نقاشاً علمياً حول تفاعل البيولوجيا والثقافة في تشكيل التعبير عن المشاعر الإنسانية، وأثارت الأسئلة حول ما هو الشيء المشترك بيننا جميعاً.

العثور على المشاعر في الوجوه

قام (كارلوس كريفيلي) وزملاؤه في جامعة مدريد المستقلة بدراسة أطفال ينتمون لثقافتين معزولتين عن المجتمعات الغربية، وهما الكيريوينا من بابوا غينيا الجديدة والمواني من موزامبيق، وقارنوا ردود أفعالهم بمجموعة ضابطة مؤلفة من أطفال اسبانين لمعرفة ما إذا كان يمكنهم تحديد بعض العواطف من صور لوجوه غربية.

عُرضت على الأطفال مجموعة من الصور التي تُظهر تعبيرات وجه مختلفة تعبر عن السعادة (الابتسام) والحزن (العبوس) والغضب (تقطيب الجبين)، والخوف (الانبهار السلبي)، والاشمئزاز (تجعيد الأنف)، وكذلك مجموعة من الوجه المحايدة، وطُلب منهم الإشارة إلى الصورة التي تتوافق مع العواطف المعينة التي كان الباحثون يقولونها للأطفال، وفي الجزء الثاني من الدراسة نفسها، تم عرض لقطات فيديو قصيرة على الأطفال الموانين فقط لأشخاص كانوا يظهرون مشاعر مختلفة، وبعد ذلك طلب منهم تحديد أي من تلك الوجوه ترتبط مع العواطف المعينة التي كان الباحثون يخبرون الأطفال بها.

أظهرت النتائج أن متوسط قدرة الأطفال الكيريوينين والموانيين على إجراء التطابق بين العواطف والوجوه الصحيحة كان 32% و 38% على التوالي مقارنة مع الإسبانين، الذين تمكنوا من مطابقتها بنسبة 93%، وأن السعادة كانت هي العاطفة الوحيدة التي تمت مطابقتها بشكل صحيح على الوجه من قبل الغالبية العظمى من الأطفال الكيريوينين، في حين استطاع الأطفال الموانيين مطابقة كل من السعادة والخوف بشكل صحيح معظم الوقت، أما العواطف الأخرى كالحزن والغضب والاشمئزاز، فلم يستطع الأطفال من كلا الثقافتين على ما يبدو تمييزها بأي طريقة متناسقة، وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين التعرف على الوجه في الفيديو والتعرف على الوجه في الصور لدى الأطفال الموانيين.

يقترح المؤلفون بأن النتائج التي توصلوا إليها تدعم فكرة أن العواطف يمكن التعرف عليها عالمياً، ولكن الأمر يعتمد على  ثقافة بحد ذاتها، ويقولون أيضاً بأن منهجيتهم أكثر صلابة مما كانت عليه التجارب السابقة، وذلك لأنهم قضوا وقتاً طويلاً في المجتمعات التي درسوها لتحديد الترجمة بطريقة أكثر دقة للكلمات التي تحدد العواطف المختلفة فضلاً عن توفير راحة أكبر للمشاركين في الدراسة فيما يتعلق بتصميم التجريبة.

لماذا يمكن لدراسة العواطف أن تكون صعبة للغاية

أشادت الباحثة في مجال العواطف (ديسا سوتر) من جامعة أمستردام بالدراسة لتركيزها على الثقافات الأكثر عزلة، لكنها تساءلت ما إذا كانت المنهجية هي في الواقع تحسناً على الأعمال السابقة، أو ما إذا كانت ستغير أي شيء بالنظرية العالمية.

تشير (سوتر) بأن منهجية هذه الدراسة جيدة، ولكنها لا تبدو مختلفة بشكل كبير عن الأعمال الأخرى في هذا المجال، كما أنه سيكون من النادر جداً أن تستطيع دراسة واحدة دحض نظرية كاملة، فهناك تاريخ طويل من الدراسات العلمية التي استطاعت إيجاد تعبيرات عاطفة مشتركة في مختلف الثقافات، بما في ذلك عملها الخاص مع الألفاظ العاطفية، فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي تم إجراؤها بين الثقافات، وجدت (سوتر) بأن إشارات الأصوات العاطفية، كالصراخ عند الخوف، والضحك عند السعادة، التي أطلقها أشخاص ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين تماماً، كانت معروفة بين وداخل الثقافتين بمعدلات مرتفعة جداً، وقد أثبتت هذه النتائج صحتها حتى بعد أن تم إعادة تحليلها من قبل دراسة منفصلة شديدة الحذر.

تشكك (سوتر) أيضاً باستخدام (كريفيلي) وزملائه للأطفال كنماذج للدراسة، إذ أن الأطفال عادة ما يكونون أقل دقة في تأدية العديد من المهام مقارنة بالبالغين، بما في ذلك التعرف على العواطف.

توافق (جيسيكا تريسي)، وهي باحثة تدرس العواطف في جامعة كولومبيا البريطانية، على أن مشاركة الأطفال في الدراسات التي تتضمن مهام التعرف على العواطف يمكن أن يكون خادعاً إلى حد ما، وخاصة عندما يكون هؤلاء الأطفال ينتمون إلى مجتمعات صغيرة غير ملمة بالقراءة والكتابة، حيث تشير إلى أننا لا نعلم بعد في أي عمر يتعلم الأطفال كيفية إقران الكلمات التي تدل على العواطف بمعانيها،  ففكرة عالمية العواطف لا تقول بأن كل طفل يولد وهو يعلم أن هذه الكلمة بالذات تتوافق مع التعبير العاطفي المعين، بل تشير إلى أن الأشخاص قد تطوروا لفهم المشاعر التي تكمن وراء تعابير الوجه.

هذا هو السبب الذي عادة ما يجبر الباحثين الذين يعملون مع الأطفال – وحتى مع الكبار في هذا النوع من المجتمعات- على ابتكار طرق أكثر براعة لدراسة مفهومهم عن التعبير العاطفي، فعلى سبيل المثال، في البحوث السابقة استخدم العديد من العلماء قصصاً لإيصال السياق للعاطفة، وذلك عن طريق الطلب من أحد المشاركين تحديد الوجه الذي يعبّر عن الشخص الذي يتعرض لهجوم من قبل خنازير برية بين مجموعة من الصور.

باستخدام وسائل مثل تلك، عادة ما يحصل الباحثون على مستويات عالية من التعرف العاطفي، وبالنظر إلى أطنان الدراسات التي تم إجراؤها على جميع أنواع الجماعات الثقافية بعد أن أظهرت الدراسة الأولى التي بحثت في هذا الموضوع نتائج تشير إلى أن هناك نوع من الإتفاق فما يخص التعرف العاطفي على نطاق عالمي، فيمكننا القول بأن هناك شيء من العالمية في هذا المجال.

كيف يمكن للثقافة وعلم الأحياء أن يتفاعلا؟

هناك أمر آخر يقلق (سوتر) حول بحوث (كريفيلي)، وهو أنها قد لا تكون متسقة للغاية، فعلى سبيل المثال، خلص (كريفيلي) في مقال آخر نشر مؤخراً في مجلة (PNAS) بأن الكيريوينين أشاروا إلى الوجوه التي تعبر عن الخوف بأنها تعبر عن “الغضب” و”التهديد” أكثر من “الخوف”؛ ولكن في الدراسة السابقة أعلاه والتي نشرت في مجلة (Experimental Psychology) كان (كريفيلي) قد أشار بأن الكيريوينيين استطاعوا التعرف على الوجوه الخائفة بأنها تعبر عن “الخوف” أكثر من أي عاطفة أخرى.

من جهة ثانية، ترى (تريسي) بأن النتائج المختلطة قد تكون نتيجة خطأ تم اقترافه أثناء البحث، أو ربما كان هناك بعض سوء الفهم من قبل الأطفال، وهو أمر كثيراً ما يحدث في البحوث التي يتم إجراؤها بين ثقافات مختلفة، ولكن إذا ما تبين بأن النتيجة حقيقية وبأن الأطفال قد أشاروا بالفعل بأن الوجوه التي تعبر عن الخوف في ثقافتنا هي في الواقع تهديد في تلك الثقافة، فإن هذا سيكون اكتشافاً رائعاً.

لكن في الوقت الذي تتمسك فيه كل من (سوتر) و(تريسي) بنظرية عالمية العاطفة، فلا تعتقد أي منهما بأن الثقافة لا تلعب أي دور على الإطلاق في التعبير العاطفي، حيث تشير (تريسي) إلى عمل (هيلاري إلفينبين) من جامعة واشنطن، الذي وجد بأن الطريقة التي يتم فيها التعبير عن العواطف بشكل عالمي يمكن أن يكون لها نوع من اللهجة الثقافية التي تنطوي على اختلافات صغيرة، وهذا ما قد يفسر السبب وراء قدرة الأشخاص داخل المجموعة الثقافية الواحدة أن يكونوا أفضل قليلاً في التعرف على التعابير العاطفية الصادرة عن شخص من داخل جماعتهم الثقافية أكثر من قدرة شخص من خارج جماعتهم الثقافية على التعرف عليها.

تشير دراسة (إلفينبين) أيضاً إلى أن الثقافات المختلفة يمكن أن يكون لها قواعد عن المكان والزمان المناسب الذي يمكن فيه التعبير عن العواطف المعينة، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يمكن أن يكون التعبير عن العار من المحرمات، ولهذا نرى أنه من الصعب على الأمريكيين التعبير عن هذا الشعور مقارنة مع الأشخاص من الثقافات الأخرى، وبهذا يمكن القول بأنه يوجد أنواع مختلفة من القواعد الثقافية التي تحكم التعبير عن المشاعر، ولكن هذا لا ينفي نظرية عالمية العواطف.

قد يكون للعواطف أساس تطوري بيولوجي متأثر بالثقافة، ومع ذلك، فإن العديد من البحوث تشير إلى أن بعض العواطف الأساسية تمتلك علامات عالمية، مما يعني أن المشاعر قد تكون اللغة الإنسانية المشتركة، وهي ما يساعدنا على البقاء على قيد الحياة وتوصيل المعلومات الهامة عبر الثقافات المختلفة وداخلها.

على كل حال، ليس لنا سوى أن ننتظر ظهور المزيد من البحوث لتخبرنا بالمزيد عن التعبير العاطفي ودوره في حياتنا.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير