التصنيفات: علم النفس

هل تعتبر السعادة من الأشياء المهمة في الحياة ؟

بعض الأشخاص يعتقدون أن هناك أموراً أخرى أهم من السعادة بجب على المرء الإهتمام بها، أما البعض الآخر فيرى أن السعادة هي من أهم أمور الحياة ويجب على كل إنسان أن يسعى إليها في حياته، ولكن لمعرفة أياً من الرأيين هو الصائب، يتعين علينا أن نبدأ أولاً بتعريف معنى السعادة.

السعادة هي شعور، ولكنها أكثر من مجرد حالة مزاجية عابرة، فالبشر عامة هم كائنات عاطفية، فهم يختبرون مجموعة واسعة من المشاعر كل يوم، فالمشاعر السلبية – مثل الخوف والغضب – تساعد على الابتعاد عن الخطر أو الدفاع عن النفس، أما العواطف الإيجابية – مثل المتعة والأمل – فهي تساعد على التواصل مع الآخرين وتعطي الإنسان القدرة على الاستمرار عندما تسوء الأمور، ولكن السعي وراء حياة سعيدة لا يكون عن طريق إنكار المشاعر السلبية أو التظاهر بالشعور بالبهجة طوال الوقت، فمن الطبيعي تماماً أن يشعر أي شخص بالغضب والحزن والإحباط وغيرها من المشاعر السلبية، فالجميع يواجه المحن في حياته، وإن أي محاولة لإخفاء هذه المشاعر سيكون بمثابة إنكار لجزء من الطبيعة الإنسانية.

السعادة هي في أن يكون الشخص قادراً على الحصول على الاستفادة القصوى من أوقاته الجيدة، وقادراً على أن يتعامل بطريقة مناسبة مع الظروف العصيبة التي لا يمكن تفاديها، وذلك من أجل الحصول على أفضل حياة ممكنة بشكل عام، أو بمعنى آخر وبحسب الكيميائي الحيوي التي تحول ليصبح راهباً بوذياً (ماتيو ريكارد)، فإن السعادة هي شعور الشخص بالإزدهار العميق، وليست مجرد الشعور باللذة أو بالعاطفة العابرة، فالسعادة هي حالة مثلى من الوجود.

أحد الاعتقادات الخاطئة عن السعادة، هو أن الأشخاص السعداء هم غالباً أشخاص كسولين أو غير فعّالين، ولكن في الواقع أظهرت الأبحاث أن العكس هو الصحيح، فالسعادة لا تؤدي فقط إلى الشعور بالرضى، بل أيضاً إلى مجموعة واسعة من الفوائد على المستوى الأدائي والصحي والاجتماعي وإلى ما هنالك من أمور حياتية أخرى، فعلى سبيل المثال، وجد الباحثون في كلية وارتون للأعمال أن الشركات التي يكون موظفيها سعداء تكون أكثر تفوقاً في سوق الأسهم العام، كما اكتشف فريق من جامعة لندن أن الأشخاص الذين يكونون سعداء في مرحلة الشباب عادةً ما يحققون ثروات أكثر من غيرهم في وقت لاحق من حياتهم.

إضافةً إلى ذلك فقد تبين أنه في مجال الرعاية الصحية، يميل الأطباء الذين يكونون سعداء لإعطاء تشخيصات أسرع وأكثر دقة للحالات المرضية التي يواجهونها، حتى وإن كانت هذه السعادة على مستوى صغير جداً كحصولهم على هدية صغيرة من السكاكر، أما في مجال التعليم، فقد تبين أن المدارس التي تركز على تحسين الحالة الاجتماعية والعاطفية للأطفال كان تلاميذها يحصلون على نتائج مبهرة على مستوى التحصيل الدراسي إلى جانب تحسن ملحوظ في سلوكهم، كما وترتبط السعادة أيضاً باتخاذ القرارات الصحيحة وتحسين الأداء الإبداعي، لذلك فعوضاً عن أن يكون النجاح هو السبيل للحصول على السعادة، فقد بينت الدراسات أن السعادة يمكن أن تكون في الحقيقة هي مفتاح النجاح.

السعادة لها بعد اجتماعي مهم، فهي تجلب فوائد كبيرة للمجتمع ككل، فعلى سبيل المثال، أظهرت مراجعة شملت 160 دراسة مختصة بمجال السعادة، أن الأشخاص الذين كانوا أكثر سعادة، كانت صحتهم أفضل بشكل عام وعاشوا حياة أطول من أقرانهم الأقل سعادة، كما أنهم كانوا أقل عرضة للانخراط في السلوك المحفوف بالمخاطر، فهم مثلاً أكثر ارتداءً لأحزمة الأمان وأقل تعرضاً لحوادث الطرقات، كما أن الأشخاص الأكثر سعادة، يكونون عادةً أكثر مسؤولية من الناحية المالية، حيث أنهم يميلون لتوفير أموالهم والسيطرة على نفقاتهم أكثر من غيرهم، والأمر الأكثر أهمية من كل ما سبق، هو أن الأشخاص الذين يكونون أكثر سعادة من غيرهم، يكونون أيضاً أكثر مساهمة بطريقة إيجابية في المجتمع، فهم يشاركون بالانتخابات ويقومون بالأعمال التطوعية ويشاركون بالأنشطة العامة أكثر من غيرهم، كما أنهم يحترمون الأنظمة والقوانين ويقدمون المزيد من المساعدة للآخرين، حتى أن هناك أدلة تشير إلى أن السعادة يمكن أن تكون مُعْدِية، فالأشخاص السعداء كانوا قادرين على مساعدة الآخرين من حولهم ليصبحوا بدورهم أكثر سعادة أيضاً، حيث وجدت دراسة موسّعة منشورة بمجلة (British Medical) قامت بتتبع بعض الأشخاص السعداء على مدى 20 عاماً، أن سعادتهم أثرت على الأشخاص الآخرين من حولهم وجعلت من أصدقائهم ومعارفهم أشخاصاً سعداء أيضاً ولكن بمستويات مختلفة.

عندما يتعلق الأمر بسعادة المجتمع ككل، فإن الحقيقة المحزنة تشير إلى أنه في العقود الأخيرة أصبح المجتمع أكثر ثراءً ولكنه ليس أكثر سعادة، حيث تم تقويض الفوائد الإيجابية للدخل العالي نتيجة لارتفاع نسبة عدم المساواة وانخفاض مستويات الثقة والتلاحم الاجتماعي، كما وصلت مجتمعاتنا لنقطة أصبح فيها اعتلال الصحة النفسية أحد أكثر الأمراض انتشاراً، حيث أنها أصبحت تسبب معاناة أكبر على المستوى الاجتماعي من البطالة أو الفقر، لهذا يدعو العديد من صناع القرار والقادة لأن يصبح مقياس التقدم مبنياً على رفاهية الإنسان وسعادته، وليس فقط على العوامل الاقتصادية مثل معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، كما في المملكة المتحدة مثلاً.

يتبين مما سبق أن السعادة هي أمر مهم للغاية، وذلك تبعاً لأدلة علمية مقنعة، كما أن السعي للحصول على السعادة ليس من الكماليات، والسعادة ليست حكراً على أفراد الطبقات المتوسطة أو المترفة، بل هي عبارة عن وسيلة لتساعد الأشخاص في الحصول على حياة أفضل وخلق مجتمعات أكثر إنتاجية وصحة وتماسكاً.

أخيراً، يجب علينا أن ندرك أن السعادة ليست عبارة عن علاج سحري يشفي جميع المشاكل، فالأشخاص السعداء يصابون بالمرض ويعانون من فقدان أحبائهم، كما أن ليس جميع السعداء يتصفون بالكفاءة، أو الابداع أو السخاء، ولكن السعادة تجلب العديد من المزايا الجيدة، وإن أكثر ما نتمناه لأحبائنا هو أن يحصلوا على المزيد من السعادة، وهذا كفيل بجعل السعادة من الأمور الأكثر أهمية في حياتنا.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير