الصحة الجيدة

هل تسبّب القهوة مرض السرطان؟

القهوة ، كوب جو، جافا… كلها أسماءٌ أطلقت على المشروب الساخن، الذي يستفتح ملايين الناس حول العالم صباحهم به.

ورغم بعض التوتر الذي خلقته المعركة القضائية الأخيرة في كاليفورنيا بشأن تحذيرات السرطان، يؤكد الخبراء بأن معظم الأبحاث تشير إلى الفوائد الصحية المحتملة للقهوة.

حيث يؤكد الدكتور فرانك هو، رئيس قسم التغذية بجامعة هارفارد، بأن الصورة باتت واضحةً تمامًا، إذ لا تشكّل القهوة أيّ خطرٍ -على المدى الطويل- للإصابة بالأمراض المزمنة الرئيسية، بما في ذلك السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية أو حتى السرطان.

ويعود الارتباك المتعلق بالقهوة إلى دعوى قضائيةٍ عمرها 8 أعوام في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، بتّ القاضي في أمرها الشهر الماضي، وأصدر قرارًا أوليًّا يلزم مصنعي القهوة بوضع ملصقات تحذيرٍ من السرطان على منتجاتهم، بسبب مخاوفٍ من مادة الأكريلاميد الداخلة في تركيبها، وقد أمهل القاضي منتجي القهوة بضعة أسابيع لتقديم الاستئنافات، قبل صدور الحكم النهائي في غضون شهر.

والأكريلاميد Acrylamide، مادةٌ كيميائيةٌ يتم إنتاجها أثناء عملية التحميص، وهي موجودةٌ أيضًا في بعض الأطعمة النشوية المقلية أو المحمصة، كالبطاطا المقلية ورقائق الشيبس وحبوب الإفطار والخبز المحمص، كما وجدت في دخان السجائر.

وتعتبر الأدلة التي أشارت إلى أن مستوى الأكريلاميد في هذه الأغذية، يمكن أن يسبب السرطان لدى البشر، قليلةً جدًا وغير كافية، فوفقًا للمعهد القومي الأمريكي للسرطان، لم تعثر الدراسات على أي دليلٍ دامغٍ يثبت أن التعرض للأكريلاميد في الغذاء مرتبطٌ بمخاطر الإصابة بالسرطان.

كما قامت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، باستعراض أكثر من ألف دراسةٍ أجريت على البشر والحيوانات، وأصدرت بيانًا عام 2016 يفيد بعدم العثور على أي دليلٍ قاطعٍ يثبت وجود تأثيرٍ مسرطنٍ لشرب القهوة.

وينتقد د.هو قرار قاضي كاليفورنيا باعتبار القهوة خطرًا مسببًا للسرطان، إذ يراه مضللًا للغاية وغير منسجمٍ مع الأدبيات العلمية، لأنه يتعارض تمامًا مع نتائج الأبحاث المتناسقة، ممّا سبّب الكثير من الارتباك لدى عامة الناس، علمًا بأن د.هو ذاته نشر بحثًا عام 2015 في مجلة Circulation، يفيد بأن الأشخاص الذين يشربون كمياتٍ معتدلةٍ من القهوة يوميًا -أقل من 5 فناجين، يواجهون مخاطر أقل للوفاة بأمراض القلب والأعصاب.

الحكومة الأمريكية من جهتها أنصفت القهوة، ففي آخر الإرشادات الغذائية الصادرة عن وزارة الزراعة منذ نحو 4 أعوام، أوصت النشرة قراءها باتباع نظامٍ غذائيٍّ يتضمن استهلاك نحو 400 ميليغرام يوميًا من الكافيين، أي ما يعادل شرب 3 إلى 5 فناجين من القهوة يوميًا، كما أوصت جمعية القلب الأمريكية الأشخاص الذين يعانون من حالة Arrhythmia، أي عدم انتظام ضربات القلب، باللجوء إلى الكافيين.

وجاء في دليل التوجيهات الغذائية الفيدرالي للولايات المتحدة، بأن استهلاك القهوة باعتدالٍ لدى الأشخاص الأصحاء، لا يرفع من خطر الوفاة المبكرة، أو الإصابة بالأمراض المزمنة الرئيسية كالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومع ذلك، فإنها لا تشجع الأشخاص الذين لا يتناولون القهوة أو منتجات الكافيين، على إدراجها ضمن نظامهم الغذائي.

ووفق مراجعةٍ أجريت مؤخرًا، شملت أكثر من 200 بحثٍ نشر الخريف الماضي في المجلة الطبية البريطانية BMJ، فإن شرب 3 إلى 4 فناجين من القهوة يوميًا، يحمل من الفوائد الصحية أكثر من الأضرار، فهو يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض الكبد وبعض أنواع السرطان، كما يخفض من خطر الوفاة نتيجة سكتةٍ دماغية.

دراساتٌ أخرى بحثت في تأثيرات القهوة وخصائصها المضادة للأكسدة ولم تجد أي تأثير، بعض تلك الدراسات كان تحت رعاية شركات تصنيع القهوة، كتلك التي أجرتها مجلة European of Nutrition، وموّلتها شركة Kraft Foods التي تنتج قهوة Maxwell House، وتضمّنت سحب عيناتٍ من دم 160 متطوّعًا، شربوا ما بين 3 إلى 5 فناجين من القهوة يوميًّا، لمدة ثمانية أسابيع، حيث لم تجد الدراسة أيّ أثرٍ لذلك على صحة المتطوعين، سواء بالنفع أو بالضرر.

وحول ذلك يتحدث د.هو، مؤكدًا أنه لا يدّعي بأن القهوة مشروبٌ سحري، بل هي مجرّد جزءٍ من صورة النظام الغذائي المتكامل، الذي يجب التركيز فيه على الاعتدال.

كما تقول الباحثة في علم التغذية أليس ليشتنشتاين، مديرة مركز التغذية القلبي الوعائي في جامعة توفتس ببوسطن:

“لا يمكن تعليق أي شيءٍ بجزءٍ واحدٍ فقط من النظام الغذائي، بل ينبغي الحديث عن النظام بأكمله، وحاليًا، تشير معظم الدلائل إلى أن هناك فوائد صحية لشرب القهوة، دون وجود أي أضرارٍ تُذكر، مع تحذيرٍ بعدم مزجها بالكثير من الكريما والسكر، أو استخدامها كذريعةٍ للحصول على الكعك أو المعجنات، وإلا عادت بالكثير من الضرر”

وأضافت الباحثة التي كانت مستشارةً في دليل التوجيهات الغذائية الفيدرالي:

“إننا نركز فقط على نوعٍ أو اثنين من الأطعمة أو المشروبات، بينما نتجاهل ما يمكن أن يوقعنا في أخطار أكبر”.

ورغم جميع تلك الدراسات والأبحاث حول فوائد القهوة، والتي سيسعد بقراءتها ملايين عشاقها، الذين يستهلكون أكثر من 1,1 مليار فنجانٍ من القهوة يوميًا، مازال بحثٌ سريعٌ في الانترنيت حول القهوة والصحة، كفيلٌ بإثارة الكثير من التناقض والجدل!

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير