التصنيفات: فضاء

موسيقى الفضاء: ما هو تفسير الموسيقى الغريبة التي سُمعت قرب القمر؟

في شهر أيار/ مايو من عام 1969، كان ثلاثة من رواد فضاء ناسا يدورون حول القمر ضمن ما كان يجب أن يكون المهمة الأخيرة قبل أن يقوم كل من (نيل ارمسترونغ) و(باز الدرين) بأخذ أول خطوة على سطحه بعد بضعة أشهر، وعندما توقف رواد الفضاء على الجانب البعيد من القمر، سمعوا أصواتاً غريبة وغير مبررة وصفوها بأنها “نوع من موسيقى الفضاء الخارجي”.

الآن، قامت ناسا بنشر التسجيلات الصوتية لهذا الحدث من جديد، وأصبح بإمكاننا جميعاً الاستماع لها بالكامل عبر الإنترنت.

“أتسمعون ذلك؟ صوت ذلك الصفير؟” هذا ما قاله رائد فضاء أبولو 10 (يوجين سيرنان) لأصدقائه في فريق البعثة، “إنها بالتأكيد موسيقى غريبة”.

على الرغم من أن النص الكامل لهذا الحدث كان متاحة للجمهور منذ عام 1973، إلّا أنه تم تغييب التسجيل الصوتي إلى حد كبير حتى نهاية هذا الأسبوع، وذلك عندما تم عرضه في سلسلة قناة (ديسكفري) الجديدة، “ملفات ناسا غير المشروحة” (NASA’s Unexplained Files).

الأمر الذي قد يكون أكثر إثارة من سماع “موسيقى الفضاء” للمرة الأولى، هو رؤية مدى اندهاش طاقم أبولو 10 –(توماس ستافورد)، (جون يونغ)، و(يوجين سيرنان)، لسماعها:

(سيرنان): “هذا أمر لا يصدقه عقل، يبدو كشيء من الفضاء الخارجي”

(يونغ): “هل يجب علينا أن نبلغ عن ذلك؟”

(سيرنان): ” لا أعلم، يجب علينا أن نفكر في الأمر”

إذا ما قرأت النص كاملاً، ستلاحظ بأن كل من (سيرنان) و(يونغ) قد أشارا في مناسبات مختلفة من المحادثة بأنه لن يصدقهما أحد، ولكن لماذا تردد رواد الفضاء في مشاركة ما سمعوه مع قسم مراقبة البعثة؟ في الحقيقة، يعود السبب إلى أن ناسا تضع سلامة روادها قبل كل شيء، وبالعودة إلى ذلك الوقت، كان يمكن لأصغر العلامات التي تدل على وجود مشاكل نفسية لدى رواد الفضاء أن تلغي المهمة على الفور، والعديد من رواد الفضاء والطيارين كان يعتمدون سياسة “الكذب للتحليق”، وذلك لكونهم يعلمون تماماً بأن ظهور أقل شرخ في سلوكهم النفسي الفولاذي قد يكون كافياً لتمنعهم ناسا من الطيران إلى الأبد.

بغض النظر عن مدى استعدادك للقيام برحلة إلى الفضاء الخارجي، فإن أصغر الأشياء يمكن أن تسبب عبئاً يثقل عقلك، وعندما تفكر في أن أعضاء فريق أبولو 10 كانوا، في ذلك الوقت، في أبعد نقطة عن الأرض (حوالي 220,820 ميل بحري، وهو الرقم القياسي الذي وصل إليه رواد الفضاء حتى يومنا هذا)، فإنه ليس من الصعب أن نتخيل السبب الذي جعلهم يفعلون ما قاموا به.

لحسن الحظ، لم يكن رواد أبولو 10 يعانون من الجنون، وسبب سماعهم لهذه الأصوات لم يكن بالتأكيد بسبب تحليقهم بعيداً عن الأرض، ولكن حقيقة أن هذه “الموسيقى” قد وقعت بالفعل على الجانب البعيد من القمر لا يسهل من عملية تفسيرها.

إحدى التفسيرات التي قدمتها قناة ديسكافري الوثائقية هي أن الجسيمات المشحونة هي ما قد يكون قد سبب حدوث تداخل في الاتصالات اللاسلكية – وهو شيء كانت ناسا قد سجلته مؤخراً من خلال مركبة الفضائية كاسيني التي تدور في مدار زحل-، ولكن المشكلة بهذه الفرضية بسيطة جداً، وهي أنه على عكس زحل فإن القمر لا يمتلك لغلاف جوي أو مجال مغناطيسي، لذلك فإن الجسيمات المشحونة لا يمكن أن تؤدي لحدوث إرسالات يمكن التقاطها عبر الراديو.

الآن، يمكننا القول بأن أفضل تفسير لدينا هو أنه ولكون الصوت كان مسموعاً لمدة ساعة تقريباً أثناء عمليات الانفصال وإعادة الالتحام بين وحدة القيادة والمركبة القمرية في إطار التحضير لهبوط مركبة يوليو 21 على سطح القمر، فإن هذه “الموسيقى” هي في الواقع مجرد تداخل بين أجهزة الراديو للوحدتين.

تبعاً لمؤرخ الفضاء (أندرو تشايكين) فإن جهازي الراديو في المركبتين الفضائيتين -المركبة القمرية ووحدة القيادة- تداخلا مع بعضهما، وسببا هذا الصوت، لكن رائد أبولو 15 (آل ردين)، يختلف بالرأي مع التفسير السابق، حيث يشير إلى أن طاقم أبولو 10 كان معتاداً جداً على هذا النوع من الضوضاء التي ينبغي لهم أن يسمعوها، وتبعاً للمنطق، فإذا كانت السجلات تشير إلى أن هناك أصوات غريبة، فإن هذه الأصوات موجودة على الأغلب.

بعد أشهر، تم سماع شيء آخر من هذا القبيل من قبل رواد فضاء البعثة التي هبطت بالفعل على سطح القمر، وعلى عكس (ردين)، كان طيار أبولو 11 (مايكل كولينز)، راض عن تفسير التداخل اللاسلكي، حيث أشار في كتابه “حمل النار: رحلات رائد الفضاء”، لو لم أكن منتبهاً حيال ذلك، لكان الأمر قد أصابني بالذعر، ولحسن الحظ، كان فنيو الراديو (وليس عشاق المخلوقات الفضائية) يمتلكون شرحاً معداً لذلك، حيث أشاروا إلى أن التداخل بين أجهزة الراديو ذات الترددات العالية جداً التي تمتلكها المركبة القمرية ووحدة القيادة هو ما سبب هذه الأصوات.

أخيراً تجدر الإشارة إلى أنه من المعروف أن الصوت لا ينتشر في الفضاء بسبب انعدام الهواء، ولذلك تحصل كافة الأحداث الكبرى، بما في ذلك الصدامات بين أجسام فضائية، وولادة الثقوب السوداء، وموت النجوم، في سكون مطلق، لكن أجهزة التلسكوب الراديوي الحديثة تسمح بتسجيل الموجات الكهرومغناطيسية التي تمر في الفضاء، ولقد سجلت وكالتا “ناسا” و”روس كوسموس” (وكالة الفضاء الروسية) تلك الموجات وحولتها إلى صيغة يمكن للأذن البشرية سماعها، مفسحة بذلك فرصة للجميع ليستمعوا إلى الأصوات المختلفة للأجسام والظواهر الفضائية، وهي جزء من سيمفونية الفضاء الكبرى.