تشتمل أعراض الباراسومنيا بعض أكثر اضطرابات النوم إثارة للاهتمام، وربما حتى أكثر الإضطرابات المعروفة رعباً لدى مجمع طب النوم، كالمشي أثناء النوم، الرعب الليلي، شلل النوم، وصرير الأسنان، ويعتبر مصطلح الباراسومنيا مصطلحاً عاماً يشمل السلوكيات الفيزيائية غير اللائقة وغير المرغوب فيها التي تتدخل في عملية النوم.
على الرغم من أن الباراسومنيا تؤثر على عدد كبير من كل من البالغين والأطفال بشكل منتظم، بل ويمكن القول بأن هذه الحالة قد أثرت على كل واحد منا تقريباً في مرحلة ما في حياتنا، إلّا أن الدرسات الرسمية حول الأعراض والخصائص المميزة للباراسومنيات المختلفة لا تزال غير كافية، وربما تفسر انبهار العالم حول هذا الفرع من اضطرابات النوم.
في هذا المقال، سنقوم بتسليط الضوء على الباراسومنيا العادية وآثارها، وذلك كي نتمكن من الحصول على فهم أفضل للعمليات التي قد تسيطرة على السلوكيات الغريبة التي تحدث ليلاً.
يمكن للباراسومنيا أن تحدث خلال كل من مرحلة النوم الذي يتميز بالحركة السريعة للعين ((REM وخارجه، وهي تتميز بخصائص تظهر في حالتي اليقظة والنوم، ولا يكون معظم الأشخاص واعين للسلوكيات التي تظهر لديهم أثناء النوم، وعندما يستيقظون يكونون غير قادرين على تذكر ما حدث معهم تماماً، أو حتى غير قادرين على تذكر أي شيء أبداً.
على اعتبار أن الإشارات الصادرة من الدماغ أثناء النوم تنتقل من خلال العضلات الهيكلية أو من خلال مسارات الجهاز العصبي اللاإرادية، فإن السلوكيات التي عادة ما يتم منعها أثناء النوم الطبيعي تظهر في الأشخاص الذين يعانون من باراسومنيا، وفي كثير من الأحيان تأخد هذه السلوكيات أشكالاً غير مناسبة أو حتى عنيفة، ويمكن أن تكون ضارة على الفرد والآخرين.
يتم تقسيم الباراسومنيا إلى أربع فئات فرعية: اضطرابات الإثارة، اضطرابات الانتقال من حالة النوم إلى حالة اليقظة، الباراسومنيا المصاحبة لمرحلة النوم ذات حركة النوم السريعة، والباراسومنيا المتنوعة.
اضطرابات إثارة النوم
تشمل اضطرابات إثارة النوم على السير أثناء النوم، والإثارات المحيرة، والذعر الليلي.
السير أثناء النوم:
هل سبق وأن أخبرك شريكك أو أحد أفراد أسرتك بأنك تقوم بجز العشب وأنت عار في الساعة الثانية صباحاً؟ هل يبدو هذا غير قابل للتصديق؟ في عام 2005، قبضت امرأة على زوجها يجز العشب وهو عارٍ تماماً، ولكنها بعد أن قامت بفصل الجزازة عن الكهرباء عاد الزوج إلى الفراش بهدوء ولم يذكر أي شيء في الصباح.
يتميز السير أثناء النوم، بحالة يقوم فيها الفرد بالنهوض من نومه العميق، والذي عادة ما يكون في الثلث الأول من الليل، والبدء بالسير بعيداً عن السرير دون أن يستيقظ، كما يمكن أن يترافق ذلك مع بعض الغمغمة والكلام الغير مترابط، وذلك فضلاً عن السلوكيات التي تحدث عادة خلال النهار، مثل التنظيف والطبخ، أو حتى القيادة وممارسة الجنس.
على الرغم من أن ما سبق عادة ما يكون نادراً، إلّا أن السير أثناء النوم يمكن أيضاً أن يكون مصاحباً لاضطرابات النوم الأخرى مثل متلازمة الأكل الليلي، حيث يقوم الفرد خلال ذلك بتناول
الأطعمة والمشروبات بشكل متكرر أثناء النوم – ويكون ذلك في كثير من الأحيان عبارة عن مزيج غريب من المواد الغذائية – دون أي يتذكر سلوكه في الصباح.
يمكن للسير النومي العنيف أن يحدث أيضاً، وخلاله يقوم الفرد بالهجوم بشكل عنيف أو ممارسة سلوك عنيف تجاه الآخرين أثناء النوم، كما يمكن للسير النومي العنيف أن يؤدي للتسبب بإصابة الفرد والآخرين على حد سواء، وحتى أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى حالات من القتل غير المتعمد، وقد كان هذا هو الحال مع قضية (كينيث باركس)، الذي شرع لتسليم نفسه إلى الشرطة بعد أن شعر بأنه قد قتل حماته وأصاب حموه بجروح خطيرة أثناء نومه.
الإثارات المحيرة
تحدث الإثارات المحيرة، أو الثمل الليلي النومي، عندما يصحو الفرد جزئياً من مرحلة النوم العميق ذي الموجة البطيئة الغير مترافق مع حركة العين السريعة، وخلالها عادة ما يكون الشخص مشوشاً ويعاني من أخطاء في النطق، ويكون غير قادر على تذكر أي نشاط عقلي خلال مروره في الحالة بمجرد أن يستيقظ.
عادة ما تكون حالة الإثارات المحيرة أكثر انتشاراً بين الأطفال، ولكن يمكن أن تحدث أيضاً لدى ما حوالب 4% من البالغين.
الذعر الليلي
خلال نوبة الذعر الليلي، يقوم الفرد بالجلوس فجأة أثناء النوم والبدأ بالصراخ المترافق مع إحساسه بالرعب الشديد، وفي هذه الحالة، عادة ما تكون العينين مفتوحتين بالكامل وتكون حدقة العين متسعة جداً، ويكون تنفس الشخص ومعدل ضربات قلبه سريعان أيضاً، وبالإضافة إلى ذلك، يكون الشخص غير قادر على استعادة وعيه بالكامل بشكل مؤقت، وغالباً ما يعود الى النوم دون أن يستيقظ تماماً.
ما يميز الذعر الليلي عن الكوابيس، هو أن الشخص لا يكون عادة قادر على تذكر ما حدث، وإن هذه الحالة لا تترافق مع رؤية أحلام أو أحداث مخيفة كما هو الحال مع الكوابيس.
اضطرابات الإنتقال بين النوم واليقظة
تشمل الدرجة الثانية من الباراسومنيا اضطرابات الانتقال بين النوم واليقظة، والتي تشمل اضطراب الحركة الإيقاعية، بدء النوم، التكلم أثناء النوم، وتشنجات الساق الليلية.
تحدث اضطرابات الانتقال بين النوم واليقظة خلال الإثارات الانتقالية من النوم غير المترافق مع حركة العين السريعة NREM))، عندما لا يستطيع الجسم الانتقال بسلاسة من مرحلة من النوم (NREM) إلى آخرى.
اضطراب الحركة الإيقاعية
خلال اضطراب الحركة الإيقاعية (RMD)، تؤدي الحركات الإيقاعية للرأس، والرقبة، أو كامل الجسم لجعل الشخص يهتز ذهاباً وإياباً أو من جانب إلى آخر، أو في بعض الأحيان حتى ضرب رأسه مراراً وتكراراً في السرير، وكما يمكنك أن تتصور، فإن الضرب المكثف للرأس يمكن أن يؤدي إلى حدوث إصابات خطيرة لفروة الرأس وأجزاء أخرى من الجسم، ولكن وضع الحشوات على حواف السرير بالنسبة للأطفال الصغار يمكن أن يكون كافياً لمنع حدوث أي إصابات خطيرة، ولكن ينبغي إجراء تقييم عصبي لحالة الـ(RMD) بالنسة للبالغين.
اضطرابات بدء النوم
يمكن القول بأن كل واحد منا قد عانى في مرحلة ما من اضطرابات بدأ النوم، أو ما يعرف أيضاً
باسم اهتزازات بدأ النوم، فإذا كنت قد شعرت في أي وقت وكأنك تهوي نحو الأسفل وأنت على وشك النوم مما دفعك فجأة للارتعاش والاستيقاظ، فأنت قد شهدت حالة من اضطرابات بداية النوم، وعلى الرغم من أن هذه الهزات تحدث عادة في الساقين، ولكنها يمكن أن تؤثر أيضاً على الذراعين والرأس.
على الرغم من أنه يمكن اعتبار هزات النوم بأنها أمر طبيعي، وذلك على اعتبار بأنها تحدث لدى الجميع تقريباً بين الحين والآخر، فإن هزات النوم الشديدة أو المتكررة يمكن أن تؤثر على نوعية النوم، وهذا يؤدي إلى الإصابة بالأرق أو الحرمان من النوم.
التحدث أثناء النوم
يعتبر التحدث أثناء النوم من حالات الباراسومنيا الشائعة أيضاً، هذه الحالة التي تعرف أيضاً باسم التكلم النومي، والتي تحدث أثناء النوم الغير مترافق مع الحركة السريعة للعين (NREM) في المرحلة الأولى والثانية منه، وعادة ما تكون غير ضارة ولا تعتبر من اضطرابات النوم الخطيرة، وخلال هذه الحالة يمكن للأشخاص أن يجروا محادثات كاملة أثناء نومهم، أو يمكن أن يقتصر الأمر على تمتمة بضع كلمات غير مترابطة.
تشنجات الساق الليلية
تشنجات الساق الليلية هي تقلصات عضلية مؤلمة تحدث في إحدى أو كلا الساقين أثناء النوم، ويمكن أن تتسبب بإيقاظ الشخص من النوم، وعلى الرغم من أن هذه الحالة لا تعتبر خطيرة، إلّا أن النوبات المتكررة من تشنجات الساق الليلية يمكن أن تتسبب في النعاس خلال النهار وإصابة الشخص بالتعب.
الباراسومنيا المترافقة مع حركة العين السريعة ((REM
على الرغم من أن كافة الاضطرابات المذكورة أعلاه تحدث عادة أثناء النوم الغير مترافق مع حركة العين السريعة (NREM)، فإن هناك فئة كاملة من الباراسومنيا ترتبط مع مرحلة النوم الذي يتميز بحركة العين السريعة (REM)، فالكوابيس، الشلل النومي، الانتصاب المؤلم المرتبط بالنوم، التوقف الجيبي المنشأ المترافق مع الحركة العينية السريعة (REM)، واضطرابات النوم (REM) السلوكية، تندرج جميعاً تحت هذه الفئة من الباراسومنيا.
الكوابيس
تصيب الكوابيس جميع الأشخاص، فمن منا لا يذكر على الأقل حلماً مرعباً واحداً تركه في حالة من الخوف والذعر لبقية الليلة، أو ربما بقيت آثاره معه حتى اليوم أو الأيام التالية؟ ولكن على الرغم من أن الكوابيس تتركنا في حالة من الخوف، إلّا أنها تختلف عن الذعر الليلي.
تحدث الكوابيس عادة خلال النصف الثاني من مرحلة النوم (REM)، وعادة ما يكون بإمكان الشخص تذكرها بالتفاصيل بعد أن يستيقظ، في حين أن الأشخاص الذين يصابون بالذعر الليلي، لا يمتلكون الإدراك التام لحالتهم، وغالباً ما لا يعود بإمكانهم تذكر الرعب الذي أصابهم خلال الليلة في صباح اليوم التالي.
عادة ما تكون الكوابيس أكثر انتشاراً بشكل خاص بين لأطفال، ولكنها تصيب أحياناً 70-80% من البالغين، ويمكن للإجهاد، اضطرابات الشخصية، الميول الفنية القوية، الصدمات العاطفية أو النفسية، المخدرات، أو الحرمان من النوم أن يزيدوا من وتيرة الكوابيس.
الشلل النومي
يعرف الشلل النومي بأنه عدم القدرة المؤقتة على التحرك الذي يحدث إما قبل النوم مباشرة، أو
فور الاستيقاظ، وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين يصابون به يكونون واعيين ومدركين لمحيطهم، إلّا أنهم يكونون غير قادرين على تحريك أطرافهم طوعياً لحوالي 1-3 دقائق خلال الإصابة بالحالة.
يعتبر الشلل النومي شائعاً إلى حد ما، وهو يحدث مرة واحدة على الأقل خلال حياة أكثر من نصف سكان العام، ولكن يمكن أن يسبب قلقاً شديداً بسبب الشعور بالضعف وفقدان السيطرة الذي يصيب الشخص خلال الشلل.
الانتصاب المؤلم المرتبط بالنوم
تعتبر حالة الانتصاب المؤلم المرتبط بالنوم من أنواع الباراسومنيا النادرة، وخلالها يعاني الرجال من انتصاب مؤلم بشكل مكثف أثناء مرحلة النوم REM))، وهذا غالباً ما يتسبب في إيقاظهم، ويمكن لهذه الحالة أن تحدث بعد التعافي من الضغوط أو تناول أنواع معينة من الأدوية التي تتسبب بالحرمان من النوم من مرحلة REM)).
التوقف جيبي المنشأ المرتبط بالنوم
يعتبر التوقف جيبي المنشأ المرتبط بالنوم من الاضطرابات المرعبة حقاً، حيث يتعرض خلالها الشباب الأصحاء لفترات طويلة من توقف الانقباض، حيث تتوقف قلوبهم تماماً عن النبض لفترات طويلة مخيفة من الزمن (9 ثواني مثلاً!).
اضطرابات النوم (REM) السلوكية (RBD)
تحدث اضطرابات النوم (REM) السلوكية عادة عندما يصاب الجزء الذي يجعلك تصاب بالشلل الطبيعي أثناء مرحلة النوم (REM) في كل ليلة بالعطب أو يتم تغييبه تماماً، وهذا يتسبب بقيام الأشخاص خلال أحلامهم بأفعال ليلية غريبة حقاً تتراوح ما بين الضحك بصوت عال، أو مد اليد بهدفة محاولة الوصول إلى شيء ما، أو اللكم، والركل، أو الركض، أو الصراخ الغاضب.
إن الممارسات العنيفة النابعة من الأحلام يمكن أن تكون خطيرة للغاية، وتؤدي إلى إيذاء الشخص لنفسه أو إصابة شريكه في السرير، فتخيل أن يتم لكمك أو خنقك في منتصف الليل من قبل شريكك في السرير لأنه حلم بأنك قاتل مأجور.
الباراسومنيا المتنوعة
الفئة الأخيرة من الباراسومنيا هي فئة متنوعة تجمع جميع أنواع الباراسومنيا الأخرى التي لا تتفق تماماً مع التصنيفات أعلاه، فعلى الرغم من أن هذه الفئة تضم عدداً من أنواع الباراسومنيا المثيرة للاهتمام والفريدة من نوعها، ولكننا سوف نغطي فقط بعضاً من أكثر أنواعها شيوعاً.
صرير الأسنان، أو طحن الأسنان
صرير الأسنان هو حركة متكررة من طحن الأسنان أثناء النوم، وهذه الحالة يمكن أن تكون مزعجة للغاية بالنسبة للشخص الذي ينام بجانب الشخص المصاب بهذه الحالة في الفراش، ويرتبط ذلك مع الإجهاد أو عادة طحن الأسنان أثناء الاستيقاظ، ويمكن أن تسبب هذه الحالة وجع أو ألم في الفك أو الأسنان، علماً أنه يمكن للأفراد الذين يعانون مراراً من صرير الأسنان ارتداء حامٍ مطاطي للفم يوضع على أسنانهم لمنع تلف الأسنان أو الفك.
التبول في الفراش أثناء النوم
سلس البول النومي، أو التبول في الفراش، هو تبول لا إرادي أثناء النوم بعد السن الذي يصبح فيه الشخص قادراً على السيطرة على مثانته، وعلى الرغم من أن سلس البول النومي يكون أكثر انتشاراً بين الأطفال، إلّا أنه في بعض الأحيان يؤثر على البالغين أيضاً، وغالباً ما يسبب الكثير
من الحرج الاجتماعي والتوتر.
يمكن لتجنب السوائل قبل النوم، والقيام بتدريبات المثانة، أو أخذ الأدوية أن يساعد في علاج سلس البول النومي.
خلل التوتر الانتيابي الليلي (NPD)
تتميز نوبات خلل التوتر الليلي الانتيابي (NPD) بنوبات متكررة من تقلصات العضلات التي تسبب الإلتواء، والاهتزاز، وغيرها من الحركات غير الطبيعية المتكررة أثناء النوم، ويمكن للحركات التي تحدث خلال الـ(NPD) أن تكون قوية جداً لدرجة أنها يمكن أن تؤدي حتى لحدوث كدمات وكسور أو جروح، وعادة ما تحدث بشكل متكرر في كل ليلة، ويمكن أن تستمر على مدى سنوات، وفي هذه الحالة عادة ما يكون العلاج مطلوباً، ويمكن أن يكون على شكل عقاقير مضادة للصرع.