تقنية

مسبار باركر الفضائي: رحلة البشرية لملامسة الشمس

ما الذي يجعل نظامنا الشمسي قائمًا، أو الكواكب تسير في مداراتها في الفضاء بانتظام ودون تخبّط، أو النباتات تزهر في تربة الأرض، وينعم الناس في هذا الكوكب -إلى حدٍ ما- بصحة جيدة؟

إنها الشمس، نجمنا الأعظم الذي تدق قلوبنا بمشاعر رهبة مختلطة بالخوف والقلق إذا حُجب ضوؤها خلال النهار في كسوف كليّ. سيناريوهات كثيرة نعرفها إن غابت، أسهلها فقدان درجة الحرارة، تجمّد الأرض وموت من عليها جميعًا. نعم إنها قدس الأقداس، ونجم العوالم الحيّة، سر الحياة على الأرض، تمنحنا الحياة كاملة، لكنها مقدّسة في مركزها في المجرة، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، ولهذا، لطالما أراد الجميع معرفة أي شيء عنها. إنه فضول البشرية كما تعلمون.

أبحاث متعددة حاولت تفسير وقراءة الصور الواردة منها، وعملت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا والمؤسسات البحثية طويلًا من أجل إرسال أي وسيلة تتحمل لهيبها، وطاقتها المهولة إلى جوّها وغلافها! كانت هذه المهمة مستحيلة طوال عقود مضت، فإذا اقتربنا من الشمس، فسنجد منطقة الإكليل – corona التي تحيط بها، تتراقص فيها الرياح الشمسية المليئة بالبلازما بدرجات حرارة تصل إلى  أكثر من 1666649 درجة مئوية!

من سيقترب من هذه المنطقة يجب أن يكون محصنًا جيدًا وبشكل غير مسبوق ضد الانصهار. لذلك أعدّت ناسا العدة، وها هي تستعد لإطلاق أول مسبار فضائي نحو الشمس في الحادي عشر من الشهر الجاري (غدًا)، في سابقة تاريخية للبشرية لم يعرف لها مثيل. مرحبًا بكم على متن الرحلة الأولى نحو  الشمس!

الفدائي الأول نحو الشمس

على متن صاروخ فضائي عملاق، سيُحمل المسبار «Parker Solar Probe» إلى الشمس. هو أول مسبار يطلق في مهمة كهذه. سمّي المسبار تيمنًا بعالم الفيزياء الفلكي المعاصر «يوجين باركر»، مواليد 10 يونيو/حزيران 1927، في ميشيغان. أحب مجال التخصص -الفيزياء الفلكية- خلال المرحلة الثانوية، فحصل على درجة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة الولاية، ودرجة الدكتوراه من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1951. قام بالتدريس في جامعة يوتا، وشغل مناصب متعددة في هيئة التدريس في جامعة شيكاغو ومعهد فيرمي منذ العام 1955.

اقترح باركر في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين عددًا من المفاهيم والفرضيات حول كيف تبعث النجوم طاقة خارجية، وفي ذلك شمسنا. كانت هذه المفاهيم تصف درجات الحرارة الخارجة من الشمس، ووجود تيارات أسرع بكثير من الجسيمات المشحونة، أصبحت تعرف بما نطلق عليها الآن مصطلح «الرياح الشمسية – solar winds».

كما وصف نظامًا معقدًا كاملًا من وجود البلازما، المجالات المغناطيسية والجسيمية النشطة التي تشكل هذه الظاهرة. وضع باركر أيضًا تفسيرًا لمنطقة الإكليل الشمسي -التي ذكرناها في الأعلى- شديد الحرارة. تقترح نظريته أن الانفجارات الشمسية منتظمة لكن صغيرة تسمى «nanoflares»، حيث تسبب كمية وافرة منها إنتاج درجات حرارة هائلة.

كيف سيصل المسبار للشمس؟

ينطلق الصاروخ حاملًا المسبار بسرعة تصل إلى 40233.6 كم/ساعة إلى مداره، ثم يبدأ المسبار رحلته بالدوران حول الشمس.

خلال عملية التحليق والدوران حول الشمس سيصنع المسبار 24 مدارًا حولها، باستخدام جاذبية كوكب الزهرة من أجل عمل سبع معاينات للجاذبية. يبدأ المسبار بالاقتراب تدريجيًا حتى يصبح على بعد 6.2 مليون كم من الشمس، وبهذا يكون اللقاء الأول بينهما قد تم بعد مرور 3 أشهر من انطلاقه. الجدير بالذكر أن المسافة بين الأرض والشمس تقدّر بـ 149.6 مليون كم. لك أن تتخيل الظروف التي سيقبع فيها المسبار هناك. ستطول مدة بقائه إلى 7 أعوام لدراسة نجمنا الأعظم، وجمع كل المعلومات المطلوبة.

سيواجه المسبار حرارة وإشعاعًا قاسيًا ليقوم بمهمته في تزويد البشرية بملاحظات جديدة عن نجمهم لأول مرة. فعندما يقترب من منطقة الإكليل، سيقوم بالقياس والتصوير من أجل توفير معلومات عن شمسنا، وبهذا سيحدث ثورة في فهمنا لها ولمنطقة الإكليل الخارجية، وتوسيع معرفتنا بأصل وتطور الرياح الشمسية.

سيقوم بمهام مثل تتبع حركة الطاقة والحرارة عبر الغلاف الجوي للشمس، واستكشاف الظروف المتغيرة في النظام الشمسي،كما سيساهم في تطوير قدرتنا على التنبؤ بالتغيرات في بيئة الفضاء الأرضية، والتي تؤثر بدورها على الحياة والتكنولوجيا على الأرض.

وحتى يقوم المسبار بأداء وظيفته بشكلٍ جيد، تمت حمايته بدرعٍ واقٍ مصنوع من الكربون، تصل سماكته إلى 11.4 سم، حيث يستطيع تحمل درجة حرارة تصل إلى 1377 درجة مئوية. يصل ارتفاع المسبار إلى نحو 3 أمتار، وبشكل منشور سداسي يصل قطره إلى 2.3 متر.

هذا المقال مأخوذ من موقع إضاءات

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير