غير مصنف

لماذا يبدو الفضاء مظلماً؟

إذا كان الكون لا نهائي ومليء بالنجوم والمجرات، فلماذا لا نرى شيئاً في كل مكان ننظر إليه؟

بحسب (ستيفن فراي)، فعندما تشعر بأنك تنظر إلى حيز من السواد أو الفراغ أمامك، وبأن المستقبل هو مكان يستحيل وجوده، وبأن الاتجاه الذي تسير به يبدو غير مفيد، فإنك ستصاب باليأس، وهو شعور فظيع جداً.

في بعض الأحيان، تكون أبسط الأسئلة هي ما يقوم بتوليد أعمق الأفكار من إجاباتها.

هل تبدو سماء الليل مجرد مساحة سوداء لأن الجنس البشري لا يمكنه أن يرى سوى لمسافة محدودة؟ وبعبارة أخرى، لماذا تبدو سماء الليلة مظلمة وخالية من الضوء؟

إذا فكرت في الأمر، فقد يبدو لك في الحقيقة بأنه سؤال ليس له أي معنى، بالتأكيد، نحن نمتلك غلافاً جوياً شفاف يسمح لنا بالرؤية في أعماق الفضاء الشاسع عندما تنتقل الشمس إلى الجانب الآخر من عالمنا، كما أن موقعنا في مجرتنا يعني أنه لا يوجد سوى جزء من الكون محجوب نتيجة غازات المجرة وغبارها التي تمنع الضوء من المناطق الوسطى من مجرة درب التبانة من الوصول إلينا، ولكن إذا كنا نعيش في كون لانهائي حقاً، فإذا نظرنا في فراغ الفضاء السحيق لفترة طويلة بما فيه الكفاية، فسنجد في نهاية المطاف نقطة مضيئة من الضوء في أي اتجاه ننظر إليه.

بالتأكيد، يمكننا أن ننظر إلى أعمق أعماق الفضاء الخالي، حيث لا يمكن رؤية النجوم أو المجرات سواءً بالعين المجردة أو من خلال التلسكوبات التقليدية، ولكن يمكننا ضبط تلسكوب الفضاء هابل للتحديق في ذلك المكان لساعات أو حتى أيام في كل مرة، وعندما نفعل ذلك، سنجد بأن الكون في الواقع مليء بالنجوم والمجرات، فمنذ ملايين ومليارات أو حتى عشرات مليارات السنين الضوئية، كانت أضواء النجوم تسافر في جميع أنحاء الكون، وتصل إلينا لنلتقطها باستخدام أفضل معدات الرصد لدينا، وعلى الرغم من أن التقاط ما يكفي من الفوتونات من هذه المسافة الكبيرة قد يستغرق الكثير من الوقت، ولكن مع وجود 170 مليار مجرة مكتشفة على الأقل في جزء من الكون حتى الآن، قد نتساءل إذا كان هذا العدد غير نهائي حقاً.

كان من المسلم به في عام 1800 من خلال النظرية التي وضعها (هاينريش أولبيرز) بأنه إذا كان الكون لا نهاية له حقاً – مع عدد لا حصر له من النجم الساطعة – ففي نهاية المطاف، وبغض النظر عن الاتجاه الذي ننظر فيه، فإن عينيك تستطيع رؤية نجمة ما، وذلك على الرغم من أنك لن ترى المجرات كما يفعل العلماء، أي كمساحة فارغة بمعظمها، فما ستراه هو كل تلك النجوم فيها، بالإضافة إلى كل النجوم في المجرات التي توجد وراءها، وكذلك كل النجوم التي تقع بعيداً عنها حتى، وبغض النظر عن المسافة التي سيكون عليك السفر خلالها، سواء لمليارات، أو لتريليونات، أو لكاديليونات السنوات الضوئية أو حتى أكثر، ففي نهاية المطاف ستجد نجمة لا محال.

هذه معادلة رياضية بسيط واقعة، فإذا أخذت مساحة غير محدودة تحتوي على كثافة محدودة غير صفرية من “الأشياء”، ومن ثم إذا نظرت إلى أي مكان وفي أي (وكل) اتجاه، فستصل في النهاية إلى تلك “الأشياء” تحديداً بعد مسافة معينة، لذلك فإذا كنا نقول بأن الفضاء هو مكان مليء بالنجوم – حتى لو كان كمية قليلة منها – ولكنه لا نهائي وذو كثافة محددة ومنتظمة، فسنجد إحداها في نهاية المطاف بغض النظر عن المكان الذي ننظر إليه، وذلك حتى وإن حاولت المراوغة من خلال الزعم بأن هناك غبار خفيف يمتص الضوء ويمنعك من رؤيتها.

ذات النظرية الرياضية التي تخبرك بأن ضوء النجوم في النهاية سيلتقي في مكانك من جميع الاتجاهات، تنطبق على جميع المواقع في الفضاء، بما في ذلك أماكن تواجد الغبار، فمع مرور الوقت، ستقوم النجوم بتسخين الغبار بحيث يتوهج هو الآخر، وإذا كان هذا هو كوننا – ثابتاً، ولا حصر له ويحتوي على نجوم تتألق إلى الأبد – فإن سماء الليل ستكون مشرقة إلى الأبد.

ولكن ما الذي يمنع حدوث هذا إذن؟ صدقوا أو لا تصدقوا، إنه الانفجار الكبير! أو بمعنى آخر، حقيقة أن الكون لم يكن موجوداً منذ الأزل، وأنه لا يمكننا أن نرى سوى النجوم والمجرات التي تقع على بعد مسافة محدودة فقط – وبالتالي، وصول كمية محدودة من الضوء والحرارة والطاقة منها إلينا – هذا ما يفسر السبب الذي يمنع وجود كمية اعتباطية من الضوء في سماء ليلنا، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من نقاط الضوء هناك، التي تنتشر في جميع أنحاء الكون، إلّا أن المقدار الذي يمكننا أن نراه، والذي يحده سرعة الضوء وفيزياء توسع الكون، هو محدود بعد كل شيء، وبالرغم من وجود احتمالية لأن يكون هناك أكوان أخرى، تحتوي على المزيد من النجوم والمزيد من المجرات في مكان أبعد مما يمكننا رؤيته، إلّا أنها لن تضيء سمائنا، وذلك لعدم وجود ما يكفي من الوقت منذ الانفجار الكبير ليصل هذا الضوء إلينا.

قد يعترض البعض بالقول بأن “الانفجار الكبير يخبرنا بأن الكون كان أكثر سخونة وأكثر كثافة في الماضي، ولذلك يجب أن يكون هناك إشعاع ناتج عن تلك الكثافة الحارة في كل مكان، وفي كل الاتجاهات، حتى يومنا هذا!” وهذا صحيح، فقد كان هناك وقت قبل حوالي 13,8 مليار سنة عندما كان الكون حار جداً لدرجة أنه لم يكن بمقدور الذرات المحايدة أن تتشكل، وذلك قبل أن تنشأ أي نجمة أو أي مجرة، ولكن عندما تشكلت تلك الذرات المحايدة أخيراً، أصبح هذا الضوء حر في السفر في خط مستقيم، وقادراً على الوصول إلى أعيننا من كل الاتجاهات في كل وقت، بغض النظر عن ما نقوم به.

حقيقة الأمر هي أننا نرى ونستقبل هذا الضوء، في كل مرة تقوم فيها بتشغيل التلفزيون القديم لدينا لتظهر تلك الشاشة المشوشة، ذاك “الثلج” الذي تراه على التلفزيون يأتي من جميع أنواع المصادر، سواء من إسال الإشارات الراديوية البشرية، أو الشمس، أو الثقوب السوداء، وجميع أنواع الظواهر الفيزيائية الفلكية الأخرى، ولكن حوالي 1% منه يأتي من توهج بقايا الانفجار الكبير والخلفية الكونية الميكروويفية، وإذا استطعنا أن ننظر في جزء من موجة الميكروويف / الراديو من الطيف الكهرومغناطيسي – بدلاً من الضوء المرئي – سنرى بأن سماء الليل كانت عملياً ذات سطوع موحد، مع بعض البقع الداكنة في كل مكان.

الجمع بين كلا الحقيقتين (أولًا الكون موجود منذ فترة محدودة من الزمن، وثانيًا لا يمكننا أن نرى الضوء سوى في الجزء المرئي من الطيف) يجعل سماء الليل تبدو مظلمة، بل في الواقع، يبدو بأن السبب الوحيد الذي جعلنا نتكيف مع رؤية الضوء الذي نراه في السماء هو أن أشعة شمسنا تبلغ آلاف الدرجات من الكلفن، وبالتالي فإن ما نراه من النجوم والمجرات، هي الكائنات التي تعكس ضوء شمسنا، وإذا ما كنا قادرين على رؤية جميع درجات الكلفن، لكانت سماؤنا كلها مشرقة، أي بمعنى آخر، فإن حواسنا البشرية المحدودة هي ما يجبرنا على استكشاف الكون في المقام الأول!

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير