فيروس كورونا

لماذا تخلف المسلمون علميًا وتقدم غيرهم؟ خواطر من وحي وباء كورونا

مع ظهور الوباء العالمي الجديد، فيروس كورونا وهذا الفزع منه، تؤكد بعض المختبرات الإسرائيلية أنها قد تكون قاب قوسين من إيجاد العلاج المناسب، الذي سينقذ البشرية ويصنع المعجزة، وعلى الرغم مما يعنيه هذا من سعادة بالغة لنا جميعاً، إلا انه يطرح سؤالا جوهريا عما نقدمه نحن المسلمون اليوم لهذا العالم الذي نعيش فيه وعن دورنا الحضاري المتمثل في إني جاعل في الأرض خليفة.

الخطاب الديني في مواجهة العلم

لا تكاد تخلوا جلسة يُتحدث فيها عن العلم والعلماء حتى يبرز في تلك الجلسة من يتحدث عن ابن الهيثم أو ابن سينا أو خلافهم من العلماء المسلمين الذين كان لهم فضل كبير على العالم في اختراعات سابقة حددت ملامح البشرية.

ولا يكاد الأمر يتوقف في الجلسات الخاصة أو العامة، فيكفي أن تبحث في قوقل أو غيره من المواقع عن ( علماء مسلمين غيروا العالم ) حتى تظهر لك عشرات النتائج كلها تمجد العلماء الأفاضل في العصور السابقة. وهذا أمر جيد ولكن ينبغي أن يبنى عليه.

اهتمام المسلمين في العلم قديم لكنه لم يستمر على النحو الذي يجب، فتطور العلم الحديث في مختلف دول العالم قابله في العالم الإسلامي وقوف عند سفاسف الأمور، وبقي علماء المسلمين ومفكريهم مشغولين بأمور (هامشية) بين التحريم والإباحة، مستغرقين في بحوث طويلة أرهقت الأمة ولم تسمح بنهضة علمية حقيقية.

ففي العصر الذي كانت تنهض فيه أوروبا محدثة نهضة علمية كبيرة، كانت النقاشات مستمرة في البلاط السلطاني في اسطنبول حول جواز او حرمة الطباعة واستخدام المطابع. وفيما كانت أوروبا تنطلق بعصر التنوير الخاص بها، كان علماء ومفكرين من المسلمين يبطئون حركة العجلة بنقاشات علمية ثانوية في الحلال والحرام.

امتدت هذه النقاشات حتى وصلت لأبناء جيلنا الذين يذكر كثير منهم اليوم ما استهلكناه في قابل أيامنا من معارك حول تحريم الراديو والتلفاز والجوال، وكأن الأصل في أي تطور علمي هو محاربته في البداية وعدم السماح له بالمرور، ثم الاستسلام في وقت لاحق.

إن فكرة العلم الحديث تقوم بوضوح على فكرة لبرلة العلوم (جعلها متحررة من أي عامل خارجي) وهو ما يقدمه الغرب اليوم، فالعلوم لديهم مفصولة عن أي قواعد أخلاقية او دينية، وهذا جيد في حالات وسيئ في اخرى. ويجب على العالم الإسلامي بمؤسساته ان ينتبه للأمر ويتعامل معه من منظور مختلف.

لا يستطيع العالم أن يبدع في مجالات يعتقد أنه من غير الجائز الخوض فيها، فالكثير من عمليات نقل الأعضاء من شخص الى اخر كانت قد حرمت في السابق، ثم سمح بها وأجازها الفقهاء بعد كثير من التفكير، وهنا أتحدث عن حالة شخصية عايشتها، حيث لم يجز بعض العلماء لوالدي الحصول على كبد من متبرعة وأجازه أخرون، وكانت حياته تتوقف على هذه العملية. بل ان هذه النقاشات تستهلك أوقاتا وطاقات نحن في أمس الحاجة إليها اليوم.

وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي يكثر من الحث على العلم والتفكر والتأمل فيه، وتتحدث الآيات القرآنية عن دفع العلم والعلماء نحو العلم بشكل كبير، فإن هذا لا ينعكس في كثير من خطاباتنا الدينية اليومية.

وليس غريبا اليوم أن نجد عالما مصريا له عشرات الالاف من الأتباع يتحدث في التلفاز والساحات العامة عن منعه أولاده من دراسة الطب لما فيها من كشف لعورات المسلمات وخدش للحياء حسب زعمه. تاركا المجال على مصراعيه للغرب الذي يكفره للاختراع والإنتاج.

انقلاب في الموازين

كثيرا ما نسمع أن علماء من المسلمين في الأندلس كانوا قد ذهبوا إلى أوروبا لمعالجة البابا في لحظة تاريخية معينة، وكثيرا ما نسمع عن التقدم الطبي والهندسي وشبكات الري عند المسلمين في دمشق وبغداد. ولسنا نفشي سرا حين نقول ان المدافع التي دكت القسطنطينية لم يكن لها مثيل في أوروبا أبدا.

لكن هذه الحالة انقلبت تماما نهاية الدولة العثمانية، فبتنا نرى المهندسين والصناع من الدولة العثمانية يزورون فرنسا وألمانيا ومدنا اوروبية اخرى ويعودوا مبهورين بما شاهدوه هناك، حتى أن بعض مساجد عاصمة الخلافة استوحت من نبط البناء الأوروبي لتظهر مختلفة تماما عن مساجد الطراز التقليدي العثماني. ( مسجد أورتاكوي مثالا ).

وهكذا نلحظ انقلابا للآية، كانت دول أوروبا تستثمر كل ما لديها من مال وقوة بدنية لصناعة نهضة كبيرة قائمة على العلم، متحررة من كثير من القيود المفروضة عليها من قبل الكهنة ورجال الدين الذين كانوا يعرقلون مسيرة المعرفة. فبتنا نرى كثيرا من فقهاء المسلمين متمسكين بسفاسف الأمور مبتعدين فيه عن عمق القضية وأصلها.

الحال العلمي الإسلامي

اتجهت الكثير من الأنظار باتجاه العلم، وعلم البعض من رواد هذه الساحة أهمية أن تكون هناك مؤسسات علمية تخرج الطلاب المسلمين بعد تأهيلهم معرفيا بشكل متميز، وهو ما عملت عليه مؤسسات اسلامية كثيرة، فأنشئت الجامعات الإسلامية في مختلف دول العالم. منها الجامعة الإسلامية في ماليزيا والتي مولت انشاؤها دول إسلامية منها ماليزيا والمملكة العربية السعودية وجزر المالديف وتركيا وباكستان وبنغلاديش. وتتبناها منظمة مؤتمر العالم الإسلامي.

لكن هذه الجامعات وغيرها من المراكز والمدارس لم تؤد دورا حقيقيا في مجال الابتكار العلمي، فكانت على شاكلة معظم الجامعات العربية الأخرى تعمل بشكل محدود على تخريج دفعات من الطلاب لسوق العمل. وهو دور جيد (على المنظور القريب) ولكنه ليس الدور الريادي الذي نرجوه لأمة بحجم الأمة الإسلامية اليوم.

إن بناء المعاهد العلمية والجامعات وإلصاق كلمة إسلامية عليها لن يجد نفعا، والأصل هو إطلاق مبادرات جديدة تحمل روح المنافسة العلمية المنسجمة مع العالم الذي نعيش فيه، بل وخلق المناخ العام الذي يستطيع من خلاله أن ينتج ويبدع علماء مسلمون شباب، يحملوا رسالة حضارية تستقيم مع منهج الاستخلاف الرباني لنا في أرضه.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير