التصنيفات: الصحة الجيدة

كيف يحصل المخ على مرونته

حين تتعلم خطوة من رقصة جديدة مثلاً، فإن وصلات عصبية جديدة تنمو في دماغك أشبه بأسلاك من منطقة لأخرى كي تستطيع تنفيذ هذه الحركة مرة ثانية، وكذلك العكس، حين تنسى اسماً مثلاً أو معلومة فإن هذا يعني أن وصلة أو سلكاً عصبياً ما انقطع داخل دماغك، وهذا ما نعنيه بـ”مرونة المخ”، فحين يكون لدينا احتياج ما، فإن المخ يشكّل نفسه تبع هذا الاحتياج.

صحيح هذه “المرونة” أو القدرة على التعلم تعتمد بشكل رئيسي على الأسلاك التي تمثلها الخلايا العصبية، لكنها كذلك تعتمد على سرعة هذا التيار، وبالتالي فإنها لا تعتمد على الخلايا العصبية وحدها وإنما تعتمد أيضاً على مادة “الميالين” التي تشبه البلاستيك العازل حول الأسلاك، كلما ازداد سمكه كلما ازدادت سرعة التيار، أي أنه في المجمل، “مرونة المخ” تعتمد على مادة “الميالين” العازلة،لذلك فحين نتعلم شيئاً جديداً فإن سماكة “الميالين” في هذه المنطقة من المخ تزداد.

كان الباحثون في البداية يعتقدون أن هذه المرونة تحدث بطريقة تبين فيما بعد أنها لم تكن صحيحة.

فقد جاء الباحثون في معهد كارولينسكا في السويد بدراسة جديدة للمخ البشري لا تعتمد هذه المرة على حيوانات التجارب التي تبين أنها تختلف في نتائجها عن الإنسان، أظهرت نتائجها أن الخلايا “قليلة التغصن” oligodendrocyte الموجودة في المخ، وهي إحدى الخلايا الداعمة والتي تقوم بتخليق مادة “الميالين” ، هي أكثر تعقيداً واختلافاً في الإنسان عن فئران التجارب.

حين تحتاج الخلايا العصبية في الحيوانات إلى زيادة الميالين فإن الخلايا “قليلة التغصن” في المخ تزداد وتتجدد، وهذا ما كان الباحثون يعتقدون أنه يحدث مع الإنسان أيضاً، لكن الباحثين في معهد كارولينسكا قالوا أن الإنسان مختلف فصحيح أن مخه أيضاً يزيد الميالين حين يريد أن يتعلم شيئاً، لكن خلاياه قليلة التغصن منخفضة جداً في معدل التجدد، وليس كالحيوانات، إذن كيف يستطيع زيادة الميالين خاصته إن كان لا يستطيع زيادة الخلايا المنتجة له؟

لأجل إيجاد إجابة على هذا السؤال، قام الباحثون بدراسة أمخاخ 55 شخصاً ميتاً تتراوح أعمارهم من ما هو أقل من سنة وتصل حتى 92 سنة، ووجدوا أن هذه الخلايا تكون غير ناضجة حين يولد الإنسان، وأنها تنضج بعد ذلك بمعدل سريع حتى يصل الإنسان إلى سن الخامسة،بعد ذلك يصبح معدل زيادتها بطيئاً جداً، حيث تستبدل خلية واحدة من كل 300 خلية كل سنة كاملة، مما يعني أننا نبقى بذات خلايانا تقريباً العمر كله.

يمكننا تشبيه الأمر  بمصنع ينتج البلاستيك العازل مثلاً، المصنع في الحيوان  يحتاج إلى مزيد من العمال الجدد كي يستطيع زيادة إنتاجه، بينما المصنع في الإنسان يزيد قوة عماله وقدرتهم على الإنتاج لتواكب الإحتياج دون أن يضطر لجلب عمال جدد، وربما هذا ما يجعل الإنسان أسرع وأقدر على التعلم والتكيف، ما يفيدنا فيه هذا الكشف، هو إدراكنا لكيفية تصنيع الميالين في الإنسان ودحض النظرية القديمة، وبالتالي يمكن لنا أن نفكر في حلول للأمراض التي تسببها مشاكل الميالين، مثل مرض التصلب اللويحي multiple sclerosis وهو مرض مناعة ذاتي، يهاجم الجسم فيه ميالين خلاياه العصبية بنفسه لسبب مجهول، ويسبب تآكله، الآن أصبحت لدينا معلومات صحيحة عن كيفية تكونه نستطيع أن نبني عليها خطوات مستقبلية تجاه علاجات لأمراض لم نجد لها علاجاً بعد.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير