علم الحيوان

كيف تعالج الحيوانات نفسها بدون تدخل دوائي؟

هل سبق وأن لاحظت أن بعض الكلاب أثناء تجولها بجوار أصحابها تتوقف قليلاً لتأكل بعض العشب، أورأيت من قبل بالصدفة بأحد أعشاش العصافير ووجدت أعقاب سجائر مجمعة بداخلها، أو سمعت صوت الخرخرة المألوف الذي يصدر من القطط في حالاتها المختلفة؟ قد تظن أنها تصرفات عادية عشوائية وليس لها مغزى لكنها عكس ذلك تماماً، فهي أحد أسرار الطبيعة التي أدهشت العلماء عندما حاولوا تفسيرها.

ما نتحدث عنه هنا هو ما تم تأسيس فرع كامل من العلوم مخصوص لدراسته وهو علم “Zoopharmacognosy” والذي يهتم بدراسة طرق التطبيب الذاتي للحيوان. حيث لاحظ العلماء أن الكثير من الحيوانات تستخدم بعض الأشياء التي تجعلها تعالج نفسها بنفسها من الأمراض أو تستخدمها كوقاية بأن تبعد عنها الطفيليات أو الحشرات الضارة وما إلى ذلك.


لنعود  إلى الأمثلة السابقة، وجد العلماء تفسير لكل منها، فعندما يأكل الكلب العشب أثناء المشي اتضح أنه يكون في ذلك الوقت يعاني من ألم بمعدته قد يكون سببه إحدى الطفيليات وأكل العشب يجعله أما يتقيأ أو يتخلص منهم عن طريق البراز وينتهي من المشكلة تماماً ويعود بصحة جيدة.

  أعشاش العصافير التي تحمل بداخلها أعقاب السجائر، وجد العلماء أن النيكوتين الموجود بالسجائر له خصائص مضادة للآفات وخاصة للعث الطفيلي  كما أن السليلوز وهو أيضاً أحد مكونات السجائر يعمل كعازل ولذلك تستخدم العصافير الأعقاب لحماية وعزل الأعشاش.

صوت الخرخرة الذي يصدر من القطط ليس مجرد صوت عادي كالمواء مثلاً، بل إن إحدى النظريات ترجح أن الخرخرة لها أثر استشفائي قوي للقطط حيث أن الاهتزازات الدقيقة المُحدثة لهذا الصوت والتي تتراوح من 20 إلى 150 هرتز تُحفز نمو العظام والأنسجة وتساعد القطط لتشفي نفسها بنفسها بعد تعرضها لأي إجهاد وضغط عصبي.

وفي البرية ما هو أعظم!

لاحظ العلماء أن سلوكيات الحيوانات في البرية لشفاء نفسها بنفسها هي واسعة الانتشار بين فصائل الحيوانات المختلفة. فمثلاً وجدوا أن الدب الأسود الأمريكي عندما يعاني من آلام بالمفاصل يستخدم جذور الأوشا والتي بالفعل أثبت أنها تعالج الالتهابات فيما بعد.

في كينيا حيث الفيلة الضخمة وجد العلماء أن أنثى الفيل الحامل عندما يقترب موعد ولادتها تخرج عن أماكن تواجدها الطبيعية لتبحث عن النباتات من فصيلة “الحمحمية أو boraginaceae” على الأشجار لتأكل منه ثم بعدها بفترة قصيرة تدخل بالفعل في عملية الولادة. عندما لاحظت سيدات كينيا مثل هذا التصرف أصبحن هن أيضاً يستخدمن هذا العشب في تحفيز عملية الولادة للحوامل منهن.

كيف ومتى تعلمت الحيوانات هذا السلوك الاستشفائي؟

يقول دكتور مارك هانتر الأستاذ في علم البيئة والأحياء البيئية في جامعة ميشيجان أن تعلُم تلك الممارسات قد يكون فطري أو سلوكي أو كلاهما. فقد يكون الأمر حدث أول مرة في يوم منذ ملايين السنين بأن شعر حيوان ما بألم في معدته ولسبب غير معروف جلب ورقة من إحدى النباتات ليمضغها وعندما خففت عنه ألمه تذكر هذا الفعل وكرره كلما شعر بهذا الألم مرة أخرى، وبلغته الخاصة نقل تلك المعرفة للمحيطين به من فصيلته الذين استخدموها هم أيضاً عند الحاجة وتم توارثها عبر الأجيال.

قد يكون أيضاً هناك أسباب وراثية تجعل الحيوان يختار عشبة ما هو لا يتناولها عادةً ولكن تناوُلها في تلك الحالة سيجعله أكثر صحة، ويُعتقد أن هذا هو ما يجعل بعض الحيوانات تتفوق على مثيلاتها في البقاء. ولكن كيف تعلمت الطيور تجميع أعقاب السجائر وتوراثتها عبر الأجيال ولم يمر على صناعة السجائر أكثر من 100 عام!

هذا دليل على أن الكائنات الحية ما زالت تحاول التطور والتكيف مع البيئة المحيطة بها باستخدام ما لديها من موارد، فالطيور لطالما كانت تستخدم حاسة الشم لديها في تمييز النباتات التي ينبعث منها رائحة قوية بسبب ما بها من مواد كيميائية  وتضعها في الأعشاش لتطرد بها الحشرات والآفات، ولذلك فهي طورت من تلك الصفة عن طريق الاستعانة بأعقاب السجائر ذات الرائحة المميزة في نفس الوظيفة وتناقلتها عبر الأجيال المتتالية حتى الآن.

وتبقى الطبيعة هي مدرستنا الأولى.

يعتقد العلماء أن ما زال لدى الإنسان الكثير ليتعلمه من الحيوان وخاصة فيما يخص صناعة الأدوية الجديدة، فحتى أن الطب القديم لدى القبائل الغير متطورة يعتمد كثيراً على ملاحظة سلوك الحيوانات في علاج أمراضها واستخدام نفس المواد في صنع أدوية بدائية الصنع لعلاج أمراض البشر.  وهذا هو ما يحاول العلماء فعله حالياً لكن باستخدام التكنولوجيا الحديثة والمتطورة لكي نصل لأفضل نتيجة في النهاية.

 

المصادر:   1,2,3,4,5

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك
نشر المقال:
ضحى نبيل