التصنيفات: طاقة نظيفة

كم تبقى من النفط في العالم؟

الجواب الأقصر على هذا السؤال المطروح هو : هناك الكثير، أو على الأقل أكثر بكثير مما يرغب العديد من الجماعات والأشخاص أن تعتقده، فحتى يومنا هذا، ما يزال العالم يسبح في النفط، بل وقد انخفضت أسعاره إلى النصف خلال العام الماضي.

تعتمد نظرية “ذروة النفط” للإنتاج على عمل الجيولوجي المخضرم (م. كنغ هوبرت)، الذي عمل في عام 1956 من خلال نظريته المشهورة “منحنى هوبرت” على التنبؤ بأن الولايات المتحدة ستصل إلى ذروة إنتاجها النفطي في عام 1970، ولكن على الرغم من أن نظرة (هوبرت) كانت تبدو وعلى مدى سنوات عديدة بأنها صحيحة، ولكن “ثورة النفط الصخري”، على وشك أن تثبت بأن هذه النظرية ما تزال سابقة لأوانها.

تعود التوقعات المتشائمة الخاطئة بشأن الإنتاج المستقبلي للنفط، إلى بداية عصر النفط الحديث في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر، وفي كل مرة كانت هذه التوقعات تخدع أفضل الخبراء حول كمية الموارد المتاحة، ولتوضيح ذلك، فقد أشار تقرير بيئة العمل  المشترك لعام 2010 (أو ما يعرف بتقرير “JOE”) الصادر عن قيادة القوات الأمريكية المشتركة، أنه سيحدث عجز في العرض العالمي للنفط بمقدار 10 مليون برميل يومياً في عام 2015، ولكن الآن، وبعد مرور خمس سنوات فقط من صدور التقرير، لدينا فائض نفط يقدر بـ2 إلى 3 مليون برميل يومياً.

إن السبب الرئيسي الذي جعل جميع التوقعات حول وفرة النفط في المستقبل خاطئة للغاية، هو الاعتماد المفرط على التقنيات التحليلية، التي تفشل بأن تنظر إلى النفط كسلعة اقتصادية مدعومة بالتقدم المستمر للتكنولوجيا، كما وقد فشلت الكثير من التوقعات بعد فترة وجيزة من طرحها، لأنها ركزت بشكل مبسط جداً على سنوات الاحتياط، وهي العملية الحسابية التي تعتمد على قسمة الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاستخراج على معدل الاستهلاك السنوي، ولكن الخطأ الكامن هنا هو أن الاحتياطيات المؤكدة تنمو باطراد مع مرور الوقت، حيث أن تقديرات الموارد القابلة للاستخراج تتغير بناء على المعلومات الجديدة التي يتم الحصول عليها من خلال الحفر والإنتاج والتنمية التكنولوجية والإدارية.

وثمة عامل آخر يؤثر على التوقعات وهو أن شركات النفط تعتمد خطط قصيرة إلى متوسطة الأجل، وعلى اعتبار أن التنقيب عن النفط أمر مكلف، فلذلك ليس هناك حافز اقتصادي لدى هذه الشركات للبحث عن موارد لن يكون هناك حاجة لاستخدامها إلا بعد عقود من اليوم، أما على الصعيد العالمي، فقد وصلت نسبة احتياطيات النفط الخام المجهزة للإنتاج لتكفي لحوالي 40-55 عاماً، والتقدير الذي يتم وسمه باسم (1P) هو تقدير للاحتياطيات المؤكدة، أي أن احتمالية استخراجه من موقعه هي 90%، أما إذا كانت احتمالية استخراج الاحتياطي هي 50% فيتم وسمه باسم (2P)، أما الاحتياطيات التي تكون قابلية استخراجها 10% فتسمى بـ(3P).

لا يقتصر الأمر على عدم تلاشي إمدادات النفط في العالم، بل إن إنتاج النفط توسع وازداد إلى حد كبير، وسيواصل قيامه بذلك، فمنذ عام 1995، ازداد الإنتاج بنسبة 33% ليصل إلى أكثر من 93.2 مليون برميل يومياً، كما أن كلاً من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية قدرا بأن انتاج النفط سيزيد بنحو 1 مليون برميل يومياً في السنة في السنوات القادمة، وفي الواقع، سوق عرض النفط آخذ بالارتفاع بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، فخلال عامي 2010 و 2014، ازداد الإنتاج العالمي بمقدار  1.215 مليون برميل يومياً سنوياً، رغم أن العالم حينها عانى من أزمة الكساد، وذلك مقارنة مع 988.000 برميل يومياً ما بين عامي 2000-2009، وبعيداً عن سوق النفط الخام، الذي يشكل 83% من إجمالي عرض سوق الطاقة، فإن هناك زيادة هائلة في انتاج الوقود الحيوي، والغاز الطبيعي المسال، والوقود الاصطناعي، وغيرها من المصادر التي سوف تستمر في توسيع نطاق توافر الوقود السائل، بالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 66% من النفط الكامن في الأرض، لا يتم استخراجه أو أخذه بعين الاعتبار، تبعاً لكون تكلفة استخراجه عالية جداً، أو لصعوبة استخراجه، ولكن في حال تم استعمال طريقة استخراج النفط المحسنة عن طريق غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، فإن هذا سيرفد العالم بجائزة عالمية عملاقة تتمثل بـ2 إلى 5 تريليون برميل نفط، بالإضافة إلى إيجاد وسيلة آمنة لحبس غاز ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض لمدة 1000 سنة.

باختصار، فإن التأكيد على أن النفط لا يتوافق مع هدفنا بإقامة وتطبيق نظام طاقة عالمي أكثر استدامة، تتحول لتصبح مزاعم كاذبة على نحو متزايد، فعلى سبيل المثال، يشير مختبر تكنولوجيا الطاقة الوطنية الأمريكي أن تكنولوجيات الجيل القادم المتمثلة باستخراج النفط المحسن عن طريق غاز CO2 سيمكننا من استخراج 100% من النفط من مخازنه، بالإضافة إلى كون هذه العملية ستكون خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية، علماً أن أعلى نسبة مسجلة اليوم لاستخراج النفط من مكامنه هي 75%.

الحقيقة تكمن بأن جميع أنظمة الطاقة تتطور، لذلك يجب أن نسمح لجميع التقنيات بالتنافس ضمن سوق الطاقة، بغية تحقيق أهدافنا المتمثلة: بتنمية اقتصادنا أولاً، وزيادة أمن الطاقة لدينا ثانياً، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة ثالثاً، وفي حال لم نسمح بحصول هذه المنافسة لتحقيق هذه الأهداف، فإننا نخاطر بفرصة إهمال وعدم استغلال مصادر الطاقة الأكثر اقتصادية ونظافة.

بالنظر إلى ثورة النفط الصخري، فإن قاعدة الموارد غير التقليدية في أمريكا الشمالية هي التي تحمل أكبر احتمال لتصبح مصدر الطاقة الأكثر اقتصادية ونظافة في العالم، وإن تقدم التقنيات، وارتفاع الأسعار، سوف يتيح استخدام المزيد والمزيد من هذه الطاقة، بحيث يصبح هذا المصدر الغير تقليدي، هو المصدر التقليدي، ووفقاً لهذا يمكننا أن نحكم بالفشل على إعلان مصرف جولدمان ساكس في عام 1999 حول كون الشركات النفطية هي شركات تعمل بـ”صناعة آيلة إلى الموت”، لأن أكثر من 90% من النفط العالمي التقليدي قد تم اكتشافه فعلاً، فالعكس هو ما حصل تماماً، ويكفي لندرك ذلك أن نلقي نظرة فقط على سوق الاندماجات والاستحواذات العالمية لشركات النفط والغاز في عام 2014 فقط، والذي بلغت قيمته حوالي 3.2 تريليون دولار، كما أنه حتى في ظل انخفاض أسعار النفط الخام اليوم إلى حدود الـ63 دولاراً للبرميل الواحد، فإن الـ1.7 تريليون من الاحتياطيات المؤكدة وحدها ينجم عنها قيمة سوقية تصل إلى 107 ترليون دولار، بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي البالغ 72 تريليون دولار.

وأما الزعم بأن احتياطيات وموراد النفط سوف تصبح “أصولاً متروكة” تبعاً لقوانين مكافحة الانبعاثات الكربونية، فهو زعم بعيد بشكل صارخ عن الحقيقة، وهذا الجهد القميء الذي يستهدف ترويع وإخافة المستثمرين لن يسود ببساطة، كون تطوير أصول النفط سيكون عاملاً حاسماً وضرورياً لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في جميع أنحاء العالم، وذلك بالنظر إلى أن النفط هو الوقود الأكثر أهمية في العالم، والأساس الذي لا غنى للنظام العالمي عنه، والمادة التي لا بديل حقيقي لها، وفي الواقع، إن الحقيقة التي يجب علينا أن نشغل نفسنا بها ونقلق منها، هي “الأصول المتروكة” المتمثلة بالـ6 مليارات كائن بشري، الذين يعيشون في الدول المتخلفة اليوم، ويفتقرون إلى النفط والأشكال الأخرى الحديثة من الطاقة.

يظهر موقع جوجل بأن استخدام كلمة “ذروة النفط” هو في اتجاه تنازلي وانخفاضي، حيث ساعد على هذا الأمر ربما انخفاض أسعار النفط، ولكن حتى في السنوات الأخيرة من ارتفاع الأسعار، لم تكن ذروة النفط مصدراً للقلق، ومن المحتمل أن زوال ذروة النفط هو الأمر الذي ساعد على إغلاق موقع (Oildrum)، وهي مدونة غنية بالمعلومات حول ذروة النفط، وعلى الرغم من أننا لا نتفق مع يكتب بها لدرجة كبيرة، إلا أنها كانت تستحق القراءة من قبل جميع محللي الطاقة.

يبقى لنا أن نقول، أنه خلال عقد من تنبؤ أحد أبرز الخبراء النفطيين، الراحل ماثيو سيمونز، في عام 2005 بأن انتاج المملكة العربية السعودية للنفط سيصل إلى ذروته قريباً، تصدرت العبارة التالية في عناوين الصحف “انتاج النفط السعودي في مارس يسجل رقماً قياسياً”.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير