معلومة طبية

أسرار قد لاتعرفها عن جسم الإنسان (الجزء الأول)

لأكثر من عقدين من الزمان، كان قراء مجلة (New Scientist) يطرحون أسئلة عن مواضيع كانت تسبب لهم الإرباك، وكل أسبوع كانت المجلة تنشر أفضل الإجابات المقدمة من قرائها، وها نحن هنا نقدم لكم بعضاً من تلك الإجابات عن أسرار الجسم البشري.

لماذا لا نعطس أثناء النوم؟

العطس هو منعكس لا إرداي، واستجابة لا إرادية لمحفّز داخلي أو خارجي، إلّا أنه يتم تثبيط ردات الفعل الإنعكاسية أثناء النوم بفعل حركة العين السريعة (REM)، وبسبب الحالة الفيزيولوجية التي تكون سائدة خلال تلك الحركة لا يعود بإمكان الرسائل الدماغية أن تصل إلى العضلات، مما يتسبب بحدوث شلل جزئي، وهذا يمنع الأشخاص الذين ينامون من التصرف بدافع من أحلامهم وإيذاء أنفسهم أو شركائهم في السرير، والنتيجة هي أن الإشارات المنعكسية لا تعود فعالة، لذلك ليس لا يستطيع الشخص العطس أثناء النوم، أما إذا كان العطس ضرورياً للغاية، فعندها تتوقف السيطرة التي تفرضها حركة العين السريعة على المنعكسات ليستطيع الشخص الاستيقاظ قبل العطس، والجدير بالذكر أنه تم تسجيل حالات من الاضطرابات السلوكية أثناء حركة العين السريعة (REM)، وخلالها كان الأشخاص يتصرفون بدافع من أحلامهم وانتهى بهم المطاف في المحكمة بعد إصابة أو قتل أحد ما، ومن المفترض أن بإمكان هؤلاء الأشخاص العطس أثناء نومهم.

لماذا يبدو بأن سماع الأصوات المرتفعة بأنه يسبب الأذى، وخاصة طرطقة الزجاجات الفارغة، رغم أنه لا يسبب الألم الجسدي؟

هناك عاملان يساهمان في هذا الإزعاج الذي تسببه الضوضاء الصادرة عن طرطقة الزجاجات الفارغة، وهما حجم وتنافر الترددات، فالأذن البشرية تكشف عن الأصوات باستخدام خلايا شعرية صغيرة موجودة في القوقعة، والموجات الصوتية تسبب تشوهاً ميكانيكياً لهذه الخلايا، مما يؤدي إلى إرسال إشارة كهربائية إلى الدماغ عبر العصب السمعي، كما أن هناك العديد من المجموعات المختلفة من الخلايا الشعرية التي تستجيب لمختلف الترددات، حيث توجد الشعيرات التي تكشف عن الأصوات المنخفضة في إحدى نهايتي القوقعة الحلزونية، وتوجد الشعيرات التي تكشف عن الأصوات المرتفعة في الطرف الآخر منها، ولكن الأصوات العالية يمكن أن تتلف الجهاز السمعي الحساس نتيجة للإنهاك الكيميائي الناتج عن عملية بث الخلايا للإشارات والتشوهات الميكانيكية التي تصيبها.

كي نتمكن من تجنب المؤثرات الضارة، تكيف الجنس البشري ليجد بأن هذه المؤثرات غير سارة ومؤلمة، كما يجد البشر بأن النوتات الصوتية القريبة جداً من بعضها غير سارة أيضاً، وقد يكون هذا راجعاً لأن القرب في الترددات يعني بأنه سيكون هناك تداخل في المجموعات الشعرية التي يتم تفعيلها من خلال كل نوتة، ويزيد من تحفيز تلك التي يمكنها الشعور بكلا النوتتين على حد سواء، واصطدام الزجاج ببعضه يخلق الكثير من الخلافات في آن واحد، أما بالنسة للنوتات المرتفعة مثل تحطم الزجاج، فهي تشكل مشكلة أسوأ، لأنه كلما كانت النوتات مرتفعة كلما أصبح الفرق بين تردد النوتات المتجاورة أصغر، وهذا سيؤدي إلى تحفيز المزيد من الشعيرات، لذا عادة ما نعتبر الترددات المرتفعة بأنها نوع من النشاز.

تبدو الأفكار وكأنها توجد في الرأس، ولكن هل هناك أساس الفيزيائي لهذا؟

رأسك هو مركز تلقي المعلومات القادمة من البيئة التي تحيط بك، وذلك أساساً عن طريق الإشارات البصرية والسمعية التي تأتي إليه، أما الأفكار فهي نتاج ثانوي للإدراك الحسي، ولكن عندما تتعرض لتهديد ما، فإن على الإثنين العمل معاً بسرعة، وقد تطورنا بطريقة تكون فيها أجهزة استشعار المعلومات ومعالجتها متواجدة في أماكن قريبة من بعضها البعض لضمان الاستجابة السريعة تجاه المخاطر مثل النمور أو قاطعي الطرقات.

قام الباحثون في معهد كارولينسكا في ستوكهولم، السويد، بإجراء دراسة عن وهم الخروج من الجسم باستخدام ماسح ضوئي للدماغ، ووجدوا بأن القشرة الحزامية الخلفية للدماغ تجمع بين الشعور بالمكان الذي يتواجد فيه الشخص مع الشعور بملكيته لجسمه، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نشعر كما لو أن أفكارنا توجد داخل رؤوسنا، والجدير بالذكر أن الحرمان الحسي يمكن أن يسبب الشعور بالضياع، فعندما يفقد الأشخاص الوعي الحسي في الوقت الذي يكونون فيه ما يزالون واعين، فإنهم يصبحون مشوشين وقد يختبرون أحاسيس الخروج من الجسد، ويشعرون كما لو أن أفكارهم لم تعد داخل رؤوسهم، ويمكن لهذا أن يحدث من خلال أنواع معينة من التعذيب أو يمكن توليد هذا الشعور ذاتياً من خلال التأمل أو تعاطي المخدرات.

كثيراً ما نسمع بأن البق والذباب والفطريات تكتسب مقاومة تجاه المبيدات الحشرية وغيرها من العلاجات الكيميائية، ولكن ألا ينبغي للبشر أن يكتسبوا مقاومة تجاه تهديدات المواد الكيميائية والبكتيريا الضارة؟

يقوم البشر بتجميع التغيرات الجينية في كل وقت، وقد أصبح ذلك واضحاً من خلال دراسات تسلسل الجينوم، وهذه التغيرات يمكن أن تتراوح بين استبدال صغير لجينيوم واحد فقط – تغيير في “حرف” واحد من أزواج الأحرف التي يصل عددها إلى أكثر من 3 مليارات جينوم – أو تعديلات على أجزاء كاملة من الحمض النووي، ولكن لأن الجينوم البشري كبير جداً ومعقد، فإن غالبية هذه التغيرات لا يكون لها أي تأثير بيولوجي واضح.

تشمل التعديلات الجينية المعروفة التي حدثت لدرء خطر التهديدات، احتفاظ بعض السكان بجينات أمراض تصيب الدم مثل الثلاسيميا، لأنها تمنحهم بعض المقاومة للملاريا، وهو تهديد أكثر خطورة، ومع ذلك، ففي حال حدوث طفرة مفيدة، فإنها قد تستغرق وقتاً طويلاً لتنتشر عبر السكان، لأن البشر يعيشون لسنوات عديدة، وينتجون ذرية قليلة العدد نسبياً، والوقت الذي يتطلبه ظهور جيل جديد يلعب دوراً أساسياً في تحديد المعدل الذي سيتم فيه إنشاء تغيرات جينية في عدد السكان، ولكن حجم الجينوم هو أيضاً من العوامل المهمة للغاية.

على اعتبار أن الكائنات الحية تصبح أقل تعقيداً في قاع الشجرة التطورية، فإن الجينوم الذي تمتلكه يصبح أصغر أيضاً، فموادنا الوراثية ترمز ما يقرب من 30,000 جيناً معروفاً حتى الآن، أما الحشرات مثل البعوض الذي ينقل الملاريا أو الحمى الصفراء، فتمتلك أكثر بقليل من 12,000 جيناً فقط، والطفيليات، مثل الملاريا، والكائنات الحية وحيدة الخلية تمتلك قرابة الـ5,300 جيناً، والبكتيريا تمتلك عدداً أصغر من الجينوم أيضاً.

أهمية هذا تكمن في أنه كلما كان الجينيوم أصغر وأبسط، كلما زاد احتمال حدوث تغييرات جينية لها عواقب بيولوجية، وهذا يعني أن التغيرات العشوائية يمكن أن تكون أكثر أهمية وتحدث فرقاً في فرص الكائنات للبقاء على قيد الحياة، ولكن ليكون للتغيير تأثير في عدد السكان، فإنه لا بد من أن ينتشر عبر الأجيال اللاحقة.

إن انتشار التغيرات الجينية عبر السكان يعتمد إلى حد كبير على العمر الافتراضي للأفراد وعلى عدد الذرية الذي يمكن نقل هذه التغيّرات إليه، وفي حين أن البشر عادة لا ينتجون سوى عدد قليل من الذرية في حياتهم، بالمقارنة مع البعوض الذي يمكن أن يضع مئات البيوض في كل مرة، والطفيليات وحيدة الخلية، مثل الملاريا التي يمكنها أن تتكاثر بشكل كبير، فإن أي تغيير جيني يمكن أن يعطي ميزة البقاء على قيد الحياة يمكن أن ينتشر بسرعة شديدة بين تلك الأحياء ولكن ليس بين البشر.

هذا هو السبب الذي يجعل الطفيليات مثل الملاريا، تطور مقاومة للعقاقير والذي يجعل البعوض أقل حساسية للمبيدات الحشرية، ويجعل البشر بطيئين في التكيف مع التهديدات البيولوجية.