التصنيفات: الصحة الجيدة

فوائد تعدد اللغات

تشير الأبحاث الحديثة بأن الأشخاص الذين يتحدثون لغتين قد تكون عقولهم أكثر كفاءة في معالجة اللغة، وأكثر كفاءة في معالجة المهام الأخرى، حيث أكدت الدراسات الافتراض العلمي السابق الذي يقول أن ميزة ثنائية اللغة التي يمتلكها بعض الأشخاص والتي تشمل القدرة على تصفية المعلومات الهامة من بين المعلومات الغير هامة، تنبع من الكيفية التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص بمعالجة اللغة، وأكدت الدراسة الجديدة أن الأشخاص الذين يتحدثون لغتين هم أكثر كفاءة في وظائف الدماغ العالية المستوى، مثل القدرة على تجاهل المعلومات الغير مهمة والاهتمام بالمعلومات ذات الصلة، وقد تم نشر هذا البحث بتاريخ 12 نوفمبر في مجلة الدماغ واللغة.

تقول قائدة الدراسة (فيوريكا ماريان)، وهي طبيبة في تقنيات اللغة في جامعة (نورث وسترن)، بأن دراسة مسح الدماغ التي تمت ضمن البحث، أظهرت أن الأشخاص الذين يتحدثون لغة واحدة فقط، لاقوا صعوبات في التركيز على كلمة واحدة فقط، حيث كان عليهم العمل بجدية أكبر للتركيز عليها، أما الأشخاص الذين يتكلمون لغتين فكانوا يقومون باستمرار بتفعيل اللغتين في دماغهم، ويختارون استخدام لغة وتجاهل الأخرى، بمعنى آخر فإن ثنائيي اللغة هم أفضل بكثير في تجاهل الكلمات غير المهمة، مقارنة بالأشخاص الذين يتحدثون لغة واحدة فقط.

في دراسات سابقة قامت (ماريان) وزملاؤها بدراسة حركات عين الأشخاص ثنائيي اللغة، حيث لوحظ أن هؤلاء الأشخاص عندما سمعوا كلمة في لغة معينة لا يعرفونها، نظروا في كثير من الأحيان إلى الأشياء التي بدا لفظها مشابهاً لهذه الكلمة في لغتهم الثانية، أما في الدراسة الجديدة قام الباحثون بفحص الكيفية التي يقوم بها دماغ ثنائيي اللغة بتصفية المعلومات في الدماغ، وقام الباحثون بهدف معرفة ذلك، بإجراء مسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لأدمغة 35 شخصاً من جامعة هيوستن، 17 شخصاً منهم يجيدون اللغتين الإسبانية والإنجليزية، و18 شخصاً يتحدثون فقط اللغة الإنجليزية، التجربة كانت تتضمن اسماع المتطوعين اسم شيء معين، وفي ذات الوقت عرض صورة لهذا الشيء، إلى جانب صورة لشيء آخر يشبه لفظه الطريقة التي تلفظ بها الكلمة الاساسية، بالإضافة إلى عرض صورتين لا علاقة لهما بالموضوع، فمثلاً يتم اسماع المشتركين كلمة سحابة (Cloud)، وبذات الوقت يتم عرض صورة سحابة، وصورة مهرج (Clown) والتي يشبه لفظها طريقة لفظ الكلمة الأساسية (Cloud)، ويتم أيضاً عرض صورتين لشيئين لا علاقة لهما بالموضوع، ويجب على المشتركين بأسرع وقت ممكن، أن يختاروا الصورة التي تعبر علن الكلمة التي سمعوها.

بالنتيجة تبين أن المشتركين الذين يمتلكون لغتين لم يكونوا أسرع في تنفيذ المهمة من الأشخاص الذين يمتلكون لغة واحدة، ولكن الفرق بأن النشاط الدماغي لدى ثنائيي اللغة كان مختلفاً عن نشاط أحاديي اللغة بشكل ملحوظ، حيث تبين أن المناطق الدماغية المسؤولة عن الوظائف ذات المستوى العالي في أدمغة أحاديي اللغة عملت أكثر بكثير من أدمغة نظرائهم الذين يتقنون لغتين، كما تبين أن المناطق الدماغية المسؤولة عن قمع المنافسة بين معاني الكلمات المتشابهة كانت أكثر نشاطاً لدى احاديي اللغة منها لدى ثنائيي اللغة، وبعبارة أخرى، فإن أدمغة أحاديي اللغة كانت تعمل بصعوبة أكبر وجد أكبر لأداء هذه المهمة.

شبه الباحثون المهمة التي تم تكليف المشاركين بها برفع الاثقال في صالة الألعاب الرياضية، حيث كان يتوجب على الأشخاص ثنائيي اللغة رفع وزن أكبر من الوزن الذي يرفعه أحاديي اللغة، لأنهم يقومون بمعالجة الكلمات التي يسمعونها من خلال اللغات التي يتقنونها، ولكن بذات الوقت فإن ثنائيي اللغة يقومون بهذه المهمة بشكل أسهل من أحاديي اللغة لأنهم أقوى، كون عقولهم مدربة على أداء هذا العمل طوال حياتهم.

إن معظم الأبحاث السابقة التي تناولت فوائد ثنائية اللغة أثارت انتقادات من بعض العلماء، كونها كانت تعنى فقط بالناحية السلوكية، أما هذه الدراسة فقد حصلت على اهتمام العلماء كونها أول دراسة تبحث في نشاط الدماغ لدى الأشخاص ثنائيي اللغة، فهي تدرس الكيفية التي تقوم بها ثنائية اللغة بتقديم فوائد معرفية، خاصة في ظل النزاع الكبير القائم ما بين العلماء والمتعلق بوجود ميزات لازدواجية اللغة من عدمه، حيث قامت هذه الدراسة بتبيان أن مهمة تصفية المعلومات لدى ثنائيي اللغة تقوم بتنشيط مناطق دماغية مختلفة عن المناطق الدماغية التي تنشط لدى أحاديي اللغة.

أخيراً، فإن تعدد اللغات له فوائد أخرى غير التي ذكرت، فقد أشارت دراسة سابقة بأن الأطفال الذين يتكلمون لغتين كانوا قادرين على تجاهل الضوضاء والتركيز على الدروس في الفصول الدراسية بسهولة أكثر من الأطفال أحاديي اللغة، وتشير بعض الأبحاث الأخرى بأن ثنائية اللغة قد تساعد أيضاً على تأخير مرض الزهايمر والخرف، عن طريق زيادة كمية المادة الرمادية في الدماغ، على الرغم من أن دراسات أخرى أتت بنتائج متضاربة حول هذا الموضوع، مما يبرز الحاجة للمزيد من الأبحاث لإثبات صحة هذه الدراسات.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير
الوسوم: علوملغات