التصنيفات: علم الحيوان

طريقة جديدة للكشف عن تواجد الحيوانات في البيئة

قد يكون العثور على حيوان الهلبندر من الأمور الصعبة حقاً، فعلى الرغم من أن هذا السمندل الضخم، الذي يعتبر الأكبر بين فصيلة البرمائيات في أمريكا الشمالية، يمكن أن ينمو ليصل طوله إلى 30 بوصة (76.2سم)، إلّا أنه مع ذلك يمتلك مهارة كبيرة في الاختباء، حيث أنه يعيش في قاع الأنهار الجبلية، كامناً تحت الصخور الضخمة، لذلك فإن تحديد مكانه قد يتطلب فريقاً كاملاً من العلماء، حيث يجب عليهم أولاً أن يغرسوا وتداً طويلاً تحت الصخرة التي يختبئ تحتها الهلبندر لرفعها عنه، ومن ثم يقوم زملاؤهم بالدخول في الماء البارد للإمساك بتلك الصخرة المنتزعة.

قبل بضعة سنوات، سمع (ستيفن سبير)، وهو عالم في مجال المحافظة على الأنواع في جمعية (Orianne) في أثينا- جورجيا، أن هناك بديل ممكن لتقفي أثر الحيوانات النادرة، فبدلاً من البحث عنها حتى العثور عليها، استطاع بعض الخبراء إيجاد طريقة لجمع الحمض النووي لها من أماكن تواجدها، وبهذه الطريقة، لم يعد عليهم تتبع أثر الأنواع الحيوانية للتأكد من أنها كانت هناك.

قرر الدكتور (سبير) محاولة القيام بهذه التجربة، ولذلك سافر إلى نهر (كلينش) في ولاية تينيسي، حيث سبق الكشف عن وجود الهلبندر سابقاً، وقام بأخذ عينات من المياه لتحليلها أملاً بإيجاد آثار الحمض النووي للهلبندر، وكانت النتائج تشير إلى وجود هذه الحمض النووي بالفعل، وقد تم نشر نتائج هذا البحث في مجلة (Biological Conservation).

أشار الدكتور (سبير) إلى أن المسوحات المأخوذة من الأماكن التي كان العلماء يعلمون بوجود الهلبندر فيها نتيجة لمسوحات سابقة، أظهر وجود حمض نووي للهلبندر فيها، أما خارج نطاق تواجد الهلبندر، فقد فشل العلماء في العثور على أي حمض نووي يرجع له، وهذا يجعل من التلوث تفسيراً غير محتمل لهذه لنتائج.

لم يكن الدكتور (سبير) هو العالم الوحيد الذي تحول لاتباع هذه الطريقة الجديدة، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، استطاع العديد من العلماء إيجاد أحماض نووية تابعة للعديد من الحيوانات في محيطها، والجدير بالذكر بأن هذه التوقيعات الوراثية توفر أدلة قيّمة يمكن أن تساعد الباحثين في تتبع الأنواع الغازية في انتقالها إلى مناطق جديدة أو في تتبع الحيوانات المهددة بالانقراض ومعرفة مدى تضيّق رقعة تواجدها، وهذا سيساعد العلماء -في نهاية المطاف- على تقدير عدد أفراد أنواع معينة من الحيوانات في موائلها ببساطة عن طريق معرفة مقدار الحمض النووي الذي تتركه ورائها، وبذلك قد يكون العلماء قادرين على إيجاد وتصنيف وجود الكثير من الأنواع الحيوانية والنباتية في نظام بيئي معين ببساطة عن طريق جمع الحمض النووي.

كان أول من قام بجمع عينات من الحمض النووي للكائنات في بيئتها هم علماء الأحياء المجهرية، حيث أنهم استفادوا من وفرة الميكروبات وانتشارها عالمياً، فملعقة واحدة من التربة قد تحتوي على مليارات البكتيريا التي تمتلئ بالحمض النووي، بعد ذلك بدأ علماء الحيوان بعزل الحمض النووي الحيواني من شعر الحيوانات وفضلاتها الطازجة، ولكنهم مع ذلك، اعتبروا أنه من النادر جداً للـ (DNA) الحيواني أن يبقى لفترة طويلة في البيئة لوحده، ولكن أثبت هذا الافتراض خطأه في السنوات الأخيرة، حيث قام (إسك ويليرسليف)، وهو من العلماء الرائدين في مجال الحمض النووي البيئي من جامعة كوبنهاغن، بإجراء سلسلة من التجارب التي أظهرت أن الحمض النووي البيئي يمكن أن يوفر لعلماء الحيوان دلائل موثوقة عن تواجد الحيوانات في مكان معين، فعلى سيبل المثال، قام الباحثون بالحفر عميقاً في التراب الذي يوجد في حدائق الحيوان، ووجدوا حمضاً نووياً مطابقاً لـ (DNA) الفيلة والأسود وغيرها من الحيوانات التي كانت تعيش عليها.

قام الدكتور (ويليرسليف) وزملاؤه بالتحقق أيضاً من البحيرات وغيرها من المسطحات المائية، واكتشفوا أن الحمض النووي للحيوانات يمكنه أن يبقى لأسابيع في تلك المناطق بمستويات يمكن للباحثين الكشف عنها، حيث تمكن الباحثون من اكتشاف وجود حمض نووي يرجع لبعض الغزلان التي كانت قد شربت من تلك المياه على حواف البرك.

اُعتبر هذا الاكتشاف بالنسبة لعلماء الحيوانات بمثابة انجاز علمي كبير، وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من الانجازات العلمية الكبيرة في هذا المجال في السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث أن الطريقة التقليدية لمعرفة عدد الحيوانات كانت تستهلك الكثير من الوقت والمال بالإضافة  لكونها محدودة الإمكانيات، فلمسح أعداد سمك السلمون مثلاً، اعتاد العلماء على بناء أفخاخ تُعرف باسم “السدود” لصيد الأسماك أثناء سباحتها عكس مجرى النهر لتضع بيوضها، ولكن في المياه الهائجة الربيعية، يمكن للعديد من أسماك السلمون أن تفلت، وتسبح في تيارات تمتد عبر مساقط المياه الشاسعة.

يمكن للحمض النووي البيئي أن يساعد العلماء في الكشف عن أماكن تواجد الأحياء الغير مرغوب بها أيضاً، حيث أن الكشف عن الأنواع الغازية يمكن أن يكون أمراً حاسماً في الجهود المبذولة للسيطرة عليهم، والطرق التقليدية قد لا تكون كافية دائماً، ولكن عن طريق اكتشاف الحمض النووي ستكون الأمور أكثر سهولة، فمثلاً يمكن الكشف عن الحمض النووي للثعابين البورمية التي توجد في الأراضي الرطبة لفلوريدا، وهذا قد يكون مفيداً في متابعة انتشارها الذي ينذر بالخطر.

إضافةً إلى ذلك، يمكن للحمض البيئي أيضاً توفير أدلة مهمة حول الأنواع المهددة بالانقراض، حيث أنه من الصعب على العلماء أن يقرروا متى يجب أن يعلنوا رسمياً عن انقراض أحد الأنواع، فقد يكون هناك أعداد من الحيوانات الشاردة ما تزال موجودة على قيد الحياة هنا أو هناك، ولكن حتى هذه الحيوانات التي يصعب إيجادها تترك ورائها بعض الحمض النووي، مما يشير إلى أنه لا يزال هناك بعض الأعداد منها على قيد الحياة، حتى وإن كانت هذه الأعداد قليلة جداً.

يشير الدكتور (ويليرسليف) إلى أن الباحثين لا يزالون بحاجة لمعرفة المزيد حول الكيفية التي يستطيع فيها الحمض النووي الحفاظ على فعاليته في البيئة قبل أن يتم الاعتماد كلياً على هذا الأسلوب الجديد، لكنه في الوقت ذاته يشير بأنه متفائل بأن الحمض النووي البيئي سيقدم المزيد من الأدلة لعلماء الحيوان عن الحيوانات التي يدرسونها، مثل الأحجام السكانية ومدى تنوع الأنواع في الأنظمة البيئية التي تتم دراستها.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير