ستيفن هوكينغ: الفيزيائي الذي غيّر نظرتنا إلى العالم

ولد ستيفن هوكينج في 8 كانون الثاني/ يناير من عام 1942، في أكسفورد، إنجلترا، وأظهر شغفاً بالعلم والفضاء في سن مبكرة، ولكن عندما كان في سن الـ21، وحين كان يدرس علم الكونيات في جامعة كامبردج، تم تشخيص حالته بأنه مصاب بالتصلب الجانبي الضموري، وعلى الرغم من مرضه المنهك، فقد استطاع هوكينغ تقديم أعمال رائدة في الفيزياء وعلم الكونيات، وتأليف العديد من الكتب التي ساعدت على جعل العلم في متناول الجميع، وقد صوّر جزء من قصة حياته في فيلم تم عرضه في عام 2014 تحت عنوان “نظرية كل شيء” (The Theory of Everything) من بطولة النجم إيدي ريدماين.

الحياة المبكرة والخلفية

ولد ستيفن وليام هوكينغ في الذكرى الـ300 لوفاة جاليليو –وهذ التاريخ كان مصدر فخر لمدة طويلة بالنسبة للفيزيائي-  لعائلة من المفكرين، فأمه الاسكتلندية كانت قد استطاعت الوصول إلى جامعة أكسفورد في ثلاثينيات القرن الماضي، في الوقت الذي كان يندر فيه وصول النساء إلى الجامعات، وكان والده، الذي كان من خريجي جامعة أكسفورد هو الآخر، باحث طبي محترم متخصص في الأمراض المدارية.

جاء ميلاد ستيفن هوكينغ في وقت غير مناسب لوالديه، الذين لم يكن لديهما الكثير من المال، كما أن المناخ السياسي كان متوتراً أيضاً، فقد كانت إنجلترا تعاني من ويلات الحرب العالمية الثانية وهجمات القنابل الألمانية في تلك الفترة، وفي محاولة للبحث عن مكان أكثر أمناً، انتقلت العائلة من شمال انكلترا، إلى أكسفورد باعتبارها مكاناً آمناً للأطفال.

وصف أحد الأصدقاء عائلة هوكينغ بأنهم كانوا مجموعة من “غريبي الأطوار”، فغالباً ما كانوا يتناولون عشاءهم في صمت، وكل منهم مشغول في قرأة كتاب ما بإمعان، وفي عام 1950، بدأ هوكينغ الأب في عمل جديد كإداري لشعبة الطفيليات في المعهد الوطني للأبحاث الطبية، وأمضى فصل الشتاء في أفريقيا وهو يجري الأبحاث، وعلى الرغم من أنه كان يرغب بأن يتخصص ابنه الأكبر في الطب، إلّا أن هوكينغ أظهر منذ سن مبكرة شغفه بالعلم والفضاء.

في حياته الأكاديمية، كان هوكينغ معروف بأنه طالب ذكي ولكنه لم يكن استثنائياً، وخلال سنته الأولى في مدرسة سانت ألبانز، التي انتقل إليها عندما كان يبلغ من العمر 11 سنة، كان ترتيب هوكينغ من بين آخر ثلاثة في صفه، ولكن كان تركيز هوكينغ منصباً على اهتمامات أخرى خارج المدرسة، فخلال مراهقته، قام إلى جانب عدد من أصدقائه، ببناء كمبيوتر من أجزاء معاد تدويرها من أجل حل المعادلات الرياضية البدائية.

وان هوكينغ يحب أداء النشاطات البدنية أيضاً، فقد كان يحب التسلق في صغره، وحافظ على هذا النشاط حتى بعد أن التحق بجامعة أكسفورد في سن الـ17، حيث كان يحب الرقص وكان لديه أيضاً اهتمامات في رياضة التجديف، حتى أصبح ربان الفريق الذي التحق به.

أراد ستيفن دراسة الرياضيات، ولكن لعدم وجود كلية للرياضيات في الجامعة حينها، تحول إلى الفيزياء بدلاً منها، وبشكل أكثر تحديداً، علم الكونيات وعلى الرغم من عدم بذله للكثير من الجهد في الكلية، حيث أنه لم يكن ينفق أكثر من ساعة واحدة في اليوم على الدراسة، إلّا أنه لم يكن بحاجة للقيام بأكثر من ذلك، ففي عام 1962، تخرج برتبة الشرف في العلوم الطبيعية.

التحق ستيفن بعدها بجامعة كامبريدج لإجراء بحوث في علم الكون، ونظراً لعدم وجود أي شخص في جامعة أكسفورد يعمل بهذا المجال وقتها، فأصبح أول باحث ومن ثم أول بروفيسور أبحاث بعد حصوله على شهادة الدكتوراه.

تشخيص إصابته بالتصلب الجانبي الضموري (ALS)

حين بدأ هوكينغ يلاحظ مشكلته الصحية للمرة الأولى كان ما يزال في جامعة أكسفورد، حيث كان يتعثر ويقع في بعض الأحيان، أو يتلعثم في كلامه، وعندها لم يأخذ حالته على محمل الجد، وذلك حتى عام 1963، خلال السنة الأولى من عمله في جامعة كامبريدج، فعلى الرغم من أنه أخفى جزءاً كبيراً من أعراضه عن الآخرين، ولكن عندما لاحظ والده الحالة، أخذه لرؤية الطبيب، وقضى مدة أسبوعين في العيادة الطبية، حيث خضع لسلسلة من الاختبارات.

في نهاية المطاف، أخبر الأطباء هوكينغ مما كان يعانيه، وبأنه في بداية المراحل المبكرة من مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وبمعنى بسيط جداً، الأعصاب التي تسيطر على عمل عضلاته تعطلت، وأعطاه الأطباء عامين ونصف العالم لعيش فيها ما تبقى من حياته فقط.

هذه الأخبار كانت مدمرة لهوكينغ ولعائلته، ولكن حدثت بعض الأشياء التي منعت إنجراف هوكينغ تماماً إلى الكآبة، وكان أعظمها تأثيراً حقيقة أنه وقع في الحب، حيث كان قد التقى بشابة جامعية تدعى (جين وايلد) في حفلة رأس السنة من عام 1963، وذلك قبل وقت قصير من تشخيص مرضه، ليتزوجها في عام 1965.

بطريقة ما، ساعد مرض هوكينغ في جعله العالِم الذي يُشاد به ويشغل العالَم اليوم، فقبل تشخيص مرضه، كان هوكينج لا يركز دائماً على دراسته، كما أنه أصيب بالملل الحاد من حياته، حيث أشار أنه حينها لم يكن يستطيع رؤية أي شيء يستحق القيام به، ولكن عندما أدرك فاجعة بأنه قد لا يعيش بما فيه الكفاية للحصول على شهادة الدكتوراه، بدأ هوكينج بالانكباب على عمله وبحوثه.

البحث عن الثقوب السوداء

داعبت مخيلة هوكينغ سحر النتائج غير المسبوقة لعلم الكونيات التي توصل إليها شاب آخر يدعى (روجر بنروز) حول مصير النجوم وطريقة تشكل الثقوب السوداء، وجعلته يبدأ بالتساؤل حول كيفية بدء تشكل الكون، وهذا وضعه على المسار الوظيفي الذي جعله يعيد رسم خريطة طريق العالم للتفكير بالثقوب السوداء والكون.

وعلى الرغم من أن سيطرته الفيزيائية على جسده كانت تتقلص (حيث اضطر لاستخدام الكرسي المتحرك قبل عام 1969)، إلّا أن آثار مرضه كانت قد بدأت بالتباطؤ، وفي عام 1968 -بعد عام من ولادة ابنه (روبرت)- أصبح هوكينغ عضواً في معهد علم الفلك في جامعة كامبريدج.

كانت السنوات القليلة التالية مثمرة للغاية في مسيرة هوكينغ، حيث ولدت ابنته لوسي في عام 1969، وفي الوقت الذي واصل فيه هوكينغ بحوثه، ولد طفله الثالث، تيموثي، بعد 10 سنوات، وبالإضافة إلى ذلك، فخلال تلك الفترة قام هوكينغ بنشر كتابه الأول البنية الكبيرة للزمكان (The Large Scale Structure of Space-Time) وذلك في عام (1973).

في عام 1974، أصبح هوكينغ بفضل البحوث التي قام بإجرائها أحد المشاهير في العالم العلمي، وخاصة عندما أظهر بأن الثقوب السوداء ليست عبارة عن فراغات كما كان يعتقد العلماء سابقاً، وبعبارات أبسط، فسّر هوكينغ بأن المادة، التي تكون بشكل إشعاع، يمكنها الهروب من قوة الجاذبية من النجم المنهار، ومن هنا ولد ما يدعى بـ”إشعاع هوكينغ”.

حاز هوكينغ على 12 درجة فخرية؛ وحصل على العديد من الميداليات و الجوائز، كما أنه اختير كزميل للجمعية الملكية في عمر الـ32، وحصل لاحقاً على جائزة ألبرت أينشتاين المرموقة، وقُدّم كرئيس شرف للبنك المركزي عام 1989، وعضو الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، كما حاز التدريس أيضاً على جزء من حياة هوكينغ، حيث عمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، كاليفورنيا، بصفة أستاذ زائر، كما عمل في جونفيل وكلية كيوس في كامبريدج، وفي عام 1979، وجد نفسه مرة أخرى في جامعة كامبريدج، حيث حصل على أحد أهم الألقاب في التعليم والتي يعود تاريخها إلى 1663، وهي أستاذ لوكسن للرياضيات.

لا يزال ستيفن جزءاً فعالاً من جامعة كامبريدج ويحتفظ بمكتبه في إدارة مركز بحوث الرياضيات التطبيقية والفيزياء النظرية، ولقبه الآن هو مدير مركز بحوث علم الكونيات النظري.

“تاريخ موجز للزمن”

خلال عمله، ركز هوكينغ على القوانين الأساسية التي تحكم الكون، وأظهر مع روجر بينروز أن نظرية النسبية العامة لآينشتاين، متضمنة الوقت والفضاء لها أساس في الانفجار العظيم ونتيجة في الثقوب السوداء، وتحدد هذه التجارب ضرورة دمج النسبية العامة مع نظرية الكم، التي تعد أيضاً تتطوراً كبيراً حدث في النصف الأول من القرن العشرين.

مع توسع شهرة هوكينغ كانت حالته الفيزيائية تتفاقم سوءاً، وبحلول منتصف سبعينات القرن الماضي، وعلى الرغم من أنه كان ما يزال بإمكانه إطعام نفسه والخروج من السرير، ولكنه كان يحتاج للمساعدة في القيام بكل شيء آخر تقريباً، وبالإضافة إلى ذلك، بدأ كلامه يصبح مدغماً على نحو متزايد، بحيث لم يعد سوى الأشخاص الذين يعرفونه جيداً يستطيعون فهم ما يقوله، وفي عام 1985 خسر صوته إلى الأبد بعد إجراء عملية ثقب للقصبة الهوائية، وأصبح وضعه الصحي يتطلب الرعاية التمريضية على مدار ساعات اليوم.

في هذه المرحلة بدأت حالة هوكينغ تؤثر على قدرته على القيام بعمله، ولكن سرعان ما حاز الفيزيائي على انتباه مبرمج كمبيوتر من كاليفورنيا، قام بتطوير برنامج ناطق يمكنه تتبع حركة الرأس أو العين، ويسمح لهوكينغ باختيار الكلمات على شاشة الكمبيوتر ليقوم نظام النطق بلفظها بصوت عالي بعد ذلك.

من خلال هذا البرنامج، وبمساعدة من مساعديه، واصل هوكينغ كتابته وأبحاثه بمعدل غزير، واشتمل عمله على العديد من الأبحاث العلمية، ومعلومات للأوساط غير العلمية أيضاً.

في عام 1988 قام هوكينغ بنشر كتابه التاريخ الموجز للزمن الذي حقق مبيعات وشهرة عالية، ولاعتقاده بأن الإنسان العادي يجب أن يعرف مبادئ الكون، فقد بسّط النظريات بشكل سلس، وقد بيعت منه ملايين النسخ في جميع أنحاء العالم وتُرجم إلى أكثر من 40 لغة، ولكن على اعتبار أن الكتاب لم يكن سهل الفهم كما كان يأمل بعض، قام هوكينغ في عام 2001، بنشر كتاب آخر بعنوان “الكون بإيجاز” (The Universe in a Nutshell)، الذي عرض فيه صوراً أكثر للنظريات الكبرى لعلم الكونيات، وبعد أربع سنوات، قام بنشر نسخة جديدة من كتابه “تاريخ موجز للزمن” بعنوان “تاريخ أكثر إيجازًا للزمن” لتكون أبسط للقراءة، وفي عام 2010 قام بنشر كتابه “التصميم الكبير” بمشاركة ليونارد ملودينوف.

السياحة في الفضاء

في عام 2007، وفي عمر يناهز الـ65 عاماً، قام هوكينج بأخذ خطوة هامة نحو السفر إلى الفضاء، وذلك أثناء زيارته لمركز كينيدي للفضاء في ولاية فلوريدا، حيث أُتيحت له الفرصة لتجربة البيئة الخالية من الجاذبية على مدار ساعتين فوق المحيط الأطلسي، وحسنها تحرر هوكينغ من كرسيه المتحرك لتجربة الشعور بانعدام الوزن، وتم نشر صوره عبر الصحف في جميع أنحاء العالم.

في أيلول/سبتمبر من عام 2010، طرح هوكينع فكرة تخالف فكرة أن الله قد خلق الكون في كتابه “التصميم الكبير”، وعلى الرغم من أن هوكينغ كان قد أشار في وقت سابق إلى أن الاعتقاد في نظرية الخالق يمكن أن تكون توافقاً مع النظريات العلمية الحديثة، إلّا أن أعماله الحديثة، خلصت إلى أن الانفجار الكبير هو النتيجة الحتمية للقوانين الفيزيائية ولا شيء غير ذلك، حيث أشار بأنه بسبب وجود قانون مثل الجاذبية، يمكن للكون أن يخلق نفسه من العدم.

كان “التصميم الكبير” أول منشور لهوكينغ خلال عقد من الزمان تقريباً، وتضمن عمله الجديد، تحدي اعتقاد السير إسحق نيوتن بأن الكون كان قد تم تصميمه من قبل الله، لأنه ببساطة لا يمكن أن يكون قد ولد من الفوضى.

أخيراً، تجدر الإشارة بأن هوكينغ لا يزال يحلم بأن يقضي ولو يوماً واحداً في الفضاء.

لمن يرغب بتتبع أخبار هذا العالم الفذ، إليكم رابط صفحة ستيفن هوكينغ على الفيس بوك:

https://www.facebook.com/stephenhawking