بيئة ومناخ

رحلةٌ عبر الأمازون على متن قوارب الطاقة الشمسية!

هل يمكن إيجاد وسائل نقلٍ عامةٍ تجوب الغابات والأنهار دون تلويثها؟ شعب أشوار “Achuar” المعزول في الإكوادور وجد حلاً بارعًا، إنّها قوارب الطاقة الشمسية !

قبل المضي في رحلتنا نحو الأمازون، نتعرّف أولًا على شعب أشوار، وهم جماعةٌ من شعوب الأمازون تستوطن عدة قرى صغيرة على الحدود بين الإكوادور والبيرو، ويبلغ عددهم الكلي نحو 19 ألف نسمة، ويعملون في الزراعة وصيد الحيوانات والأسماك.

وترتكز ثقافة شعب أشوار على أهمية الأحلام والرؤى، وهم يؤمنون بآلهة روح الغابات الماطرة Arutam، وقد سمح لهم موقعهم البعيد بالحفاظ على نمط ثقافتهم وتقاليدهم.

قبل ساعاتٍ من الفجر في كاباوي، إحدى قرى الأمازون الإكوادوري النائية، يلتقي مجموعةٌ من رجال أشوار لشرب ليتراتٍ من الشاي المصنوع من نبات جوايوسا، ويتبادلون الأحاديث والأماني والأحلام قبل أن يختفوا في الظلام تدريجيًا، وترافق تلك الاجتماعات أحيانًا طقوسٌ احتفاليةٌ تعرف باسم Guayusada، يتمّ خلالها الاتفاق على أمنيةٍ مشتركةٍ بين الجميع.

قبل أكثر من نصف قرن، كان حلم شعب أشوار المشترك “زورق النار”، وقد تحقق هذا الحلم أخيرًا، عبر قارب سمك الثعبان المضيء، أو تابياتابيا Tapiatpia كما يسمونه في المنطقة، والذي أصبح حقيقةً واقعةً في أشوار اعتبارًا من شهر نيسان/ أبريل 2017.

يعتبر قارب تابياتابيا أول نظام نقلٍ عامٍ يعمل بالطاقة الشمسية في المنطقة، ويتألف من سقفٍ مكونٍ من 32 لوحًا شمسيًا مثبتًا على هيكل مركبٍ تقليدي، بألواحٍ زجاجيةٍ مقاسها 16 × 2 متر (52 × 7 أقدام) ، وهو يحمل 18 راكبًا، ويجوب نهري كاباهواري وباستازا ذهابًا وإيابًا على امتداد 67 كم (42 ميلاً)، رابطًا بين المستوطنات ال9 المعزولة على طول ضفتي النهرين.

ويقول عالم البيئة الأمريكي أوليفر أوتن، الذي يعمل مع أشوار منذ عام 2011، في هذا الصدد: “إن القارب الشمسي هو الحل المثالي لهذا المكان، بسبب وجود شبكةٍ من الأنهار الملاحية المتداخلة، والحاجة الماسة إلى وسائل نقل لربطها ببعضها”

كان الجماعة تعتمد في السابق على قوارب البنزين، المعروفة باسم Peques Peque، ولكن تشغيلها كان مكلفًا، وملكيتها كانت محصورةً بعددٍ محدودٍ من الأسر في كل قرية، أما القارب الشمسي فلا تكلف الرحلة فيه أكثر من دولارٍ واحدٍ للشخص، بينما تبلغ تكلفة الرحلة ذاتها في قوارب البنزين بين 5 و10 دولاراتٍ للشخص الواحد، علمًا بأن تكلفة البنزين هناك تزيد ب5 أضعافٍ عما هي عليه في العاصمة كيتو، لأنهم يضطرون لجلبه بالمروحيات، بسبب عدم توفّر طرقٍ بريةٍ صالحة.

يقول سائق القارب هيلاريو سانت: “لقد غيّر هذا القارب حياة الناس هنا، فهو يساعد عندما يكون هناك أطفالٌ مرضى، إنهم يتصلون بي عن طريق الراديو لننقل الأطفال إلى المركز الصحي”.

بالطبع هناك تأثيرٌ بيئيٌ إيجابيٌّ للقارب، فهو يعني عدم وجود تلوثٍ في أحد أغنى مناطق التنوع البيولوجي في العالم، كما أن وجوده أتاح إرسال عددٍ أكبر من الأطفال إلى المدارس نظرًا لتكلفة النقل المعقولة، كما فتح المجال لإقامة مزيدٍ من النشاطات الرياضية أيضًا، وهناك ميزةٌ أخرى للقارب تكمن في هدوئه النسبي الذي لا يخيف الحيوانات.

أحد زعماء إقليم أشوار في الإكوادور، ويدعى جوليان يانيس، تحدّث عن الفرص الكبيرة التي يوفرها القارب الجديد، فهو يأمل في إعادة العلاقات التجارية بين جماعته وأبناء عمومتهم في البيرو، بعدما انقطعت بسبب بعض الحروب الإقليمية، وهو الأمر الذي كان يبدو مستحيلاً من الناحية الاقتصادية سابقًا، بسبب بعد المسافة وتكلفة البنزين، وفي هذه الحالة يمكن لأشوار استيراد الملابس والمطاط من البيرو، وتصدير الموز الأخضر والدجاج والفول السوداني إليهم.

ومن ناحيةٍ أخرى، يساعد وجود قوارب الطاقة الشمسية شعب أشوار على التمسك بموقفهم الرافض لفتح الطرق البرية، التي أدى وصولها إلى بعض المناطق شمال الاكوادور والبيرو، إلى إزالة الغابات بحجة التنقيب عن النفط، رغم أن حكومة الإكوادور تدّعي بأن فتح الطرق، سيحسن من وصول الرعاية الصحية والتعليم إلى المنطقة.

وعن ذلك يتحدث أحد صناع القوارب، ويدعى فيليبي بورمان قائلًا: “الجيران الذين سمحوا لشركات النفط بدخول أراضيهم، رأوا بأم أعينهم كيف دُمرت غاباتهم، وليس هذا فحسب، بل خلق ذلك الكثير من الصراعات الداخلية بينهم بسبب الأموال”

ويتحدث السيد أوتن عن مستقبل قوارب الطاقة الشمسية في المنطقة فيقول: “نعتقد حقا أن تأسيس شبكةٍ من قوارب الطاقة الشمسية يمكن أن يكون نموذجًا لبقية منطقة الأمازون، ولأي مناطق أخرى حول العالم، يصعب فيها الوصول إلى البنزين، ولا توجد فيها شبكات طرق، وخاصةً مع وجود أنظمةٍ بيئيةٍ يسعى السكان المحليون للحفاظ عليها… ولكنني أعتقد شخصيًا أنه من المبكر الحديث عن تلك المشاريع الكبرى، فأهم ما نحتاجه حاليًا هو إيجاد حلولٍ محلية، وفي حال نجاحها، سنقوم بتعميمها في أماكن أخرى”.

وأخيرًا، يبدو الفرق ملموسًا في الطموحات على المستوى المحلي، حيث يقول السائق سانت بفخر: ” أحبُّ قاربي، إنه حلمٌ أصبح حقيقةً لأشوار، ولن أتخلى عنه أبدًا، سأستمر في العمل على هذا القارب حتى أموت”.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير