التصنيفات: الصحة الجيدة

حليب الأم يحمل رسائل خفية للطفل

حليب الأم ليس طعاماً فحسب، فيوماً بعد يوم يكشف لنا العلماء أسراراً خفية أودعَت فيه.

فإلى جانب المواد الغذائية كالبروتين والكالسيوم، يحتوي الحليب على عوامل المناعة التي تحمي الأطفال الرضع من الأمراض. كما أنه يوفر بيئة مناسبة لنمو سلالات معينة من الميكروبات في معدة الأطفال تساعدهم على هضم الطعام. واتضح مؤخراً أن الحليب -بالإضافة لكل ذلك-يحوي رسائل!

فبحسب دراسة علمية أجريت مؤخراً على القردة، تم اكتشاف الدور الذي يلعبه هرمون يوجد بالحليب يدعى “الكورتيزول” في عملية نمو الأطفال.

حيث يعتمد صغار القردة على ذلك الهرمون لتحسس حالة أمهاتهم، وبناءً عليه يضبطون نموهم وحتى تحولاتهم المزاجية.

وقد أشاد باحثون غير منضمون لتلك الدراسة بالتطورات التي أحدثتها في الطريقة التي يفكرون بها نحو حليب الأم، وأنها جعلتهم يعتبرونه بمثابة وسيلة اتصال كيميائية بين شخص وآخر.

حيث تقوم تلك الدراسة على مراقبة عدد 108 من أمهات القردة يرضعن صغارهن بمعهد البحوث بكاليفورنيا، وتجميع عينات من الحليب يتم قياس نسبة الكورتيزول بها ومقدار الطاقة التي تحتويها.

وأيضاً قياس معدل الزيادة في وزن صغار القردة ومتابعة سلوكها.

ومن المعروف أن للكورتيزول وظائف متعددة في الثدييات، لكنه مشهور بوظيفته الأهم كهرمون الشدّة، حيث يعمل خلال سريانه بالجسم على تأهيله للتعامل مع حالات القلق والخوف، عن طريق زيادة استهلاك المخ للجلوكوز، وتثبيط الجهاز الهضمي.

في أجسام الأمهات ينتهي المطاف بنسبة من الكورتيزول في الحليب، ويصبح الصغار أكثر حساسية لهذا الهرمون عند الرضاعة الطبيعية، فقد اكتشف العلماء أن حليب الأم يحفز معدة الصغار على تكوين مستقبلات للكورتيزول بينما لا يحدث هذا التأثير عند تناول الحليب المصنّع.

خلال الدراسة وجد أن هناك تبايناً في كمية الكورتيزول التي تفرزها أمهات القردة في حليبها، وأن الصغار الذين تم ارضاعهم حليباً ذو نسبة عالية من هذا الهرمون اكتسبوا وزناً بصورة أسرع، وكانوا أكثر توتراً وأقل ثقة من أقرانهم.

ولفهم هذه النتائج بدأ العلماء في البحث وراء الأسباب التي يعتمد عليها تحديد كمية الكورتيزول في الحليب، وكان من أبرز تلك الأسباب، عدد الأبناء لدى الأم المرضعة. فالأمهات الجدد احتوى حليبهم على كمية أعلى من الهرمون بينما كانت النسبة أقل كثيراً في الأمهات اللاتي امتلكن عشرة صغار مثلاً.

وقد لاحظ العلماء أنه عندما تبدأ إناث القردة في الإنجاب فإنه يصعب عليهن اختزان طاقة كبيرة في حليبهن للصغار، حيث أن أجسادهن ما زالت صغيرة وبالتالي لا تستطيع توفير المواد الخام اللازمة لتكوين حليب عالي الطاقة، والغدد الثدية أيضاً تكون غير مكتملة النمو، لذا لا تستطيع تحويل تلك المواد الخام بكفاءة إلى حليب.

بينما الإناث اللاتي سبق لهن الإنجاب من قبل لديهن القدرة على توفير حليب ذو طاقة عالية لصغارهن. وهنا يعتقد العلماء أن الكورتيزول الذي تفرزه الأمهات الجدد بكمية كبيرة لصغارهن يكون بمثابة تحذير بألا ينبغي عليهم توقع الكثير من الحليب أو الطاقة.

إنها تلخص بهذا الهرمون رسالة لصغارها فحواها ” أعطوا الأولوية لنموكم أيها الصغار، لا فائض من الطاقة ليتم هدره على اللعب والحركة الزائدة”

نتيجة لذلك فإن الصغار الذين تمت تغذيتهم على حليب به نسبة عالية من الكورتيزول يقومون بتركيز تلك الطاقة على عملية اكتساب الوزن، لذلك يكبرون بصورة أسرع على الرغم من الطاقة القليلة التي تعطيها إياهم أمهاتهم.

قد يكون للكورتيزول تأثير مشابه على أطفال البشر أيضاً، لكن العلماء يخشون أن الاختلافات بين البشر والقردة قد تجعل المقارنة صعبة. فصغار القردة تتعلق بأمهاتها طول الوقت وترضع وقتما تشاء، بينما الأمر أصعب بين البشر حيث تحاول الأمهات التوفيق بين الاعتناء بالصغار والقيام بالمهام الحياتية الأخرى. الأمر أكثر تعقيداً بطبيعة الحال.

هذا لا ينفي ضرورة اجراء مثل تلك الدراسة على البشر، فالعلماء حالياً يعرفون أقل القليل عن تأثير الكورتيزول على صغار البشر حيث يصعب إجراء الاختبارات عليهم على عكس صغار القردة، وهذا القليل الذي يعرفونه مثير للفضول حقاً.

وعلى الرغم من أن دراسة تمت بالعام 2013 اوضحت أن الأطفال الذين تم ارضاعهم حليباً عالي الكورتيزل كانوا أكثر توتراً من أقرانهم وأصعب في التهدئة، لكن العلماء إلى الآن لا يمكنهم الجزم بأن الأمر يتم بنفس الكيفية التي تم إثباتها في القردة.

يترقب العلماء يوماً يستطيعون فيه فك الشفرات التي يحملها الحليب من الأم لصغارها، وعليه يقومون بالتعديل في تركيب الحليب المصنّع كيفما يريدون. فهم الآن يصنعون حليباً أغنى في الطاقة، لكنهم لا يضعون اعتبار الرسائل الخفية فيه بعد، هل سيكون عليهم في المستقبل الوضع في الاعتبار هذه الرسائل التي يحملها الحليب للصغار؟

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير