تقنية

تيسلا لصناعة السيارات لا تحرق الوقود.. بل النقود

تيسلا “Tesla Inc”، الشركة الرائدة في صناعة سيارات المستقبل الكهربائية، والتي أسسها المهندس إيلون موسك، قد لا يكون لديها ما يكفي من النقود لتصل إلى العام القادم!

عادت المخاوف التي تكمن وراء الطموح الهائل لشركة تيسلا إلى الواجهة في الأسابيع الأخيرة، فأهداف الشركة التي تحققت من إنتاج سيارة Model3 Sedan كانت أقل بكثيرٍ من المأمول، كما توفي شخصٌ في حادث تحطم إحدى سياراتها، مما أدخل موسك في نزاعٍ علنيٍّ مع منظمات السلامة الفيدرالية، وانخفض سهم تيسلا متراجعًا عما كان عليه في أيلول/سبتمبر الماضي بنسبة 26 %.

وهناك سببٌ وجيهٌ يدعو للقلق، هو أن أيًّا من مدراء الشركات لم يقم بجمع الأموال ثم إنفاقها بالطريقة التي فعلها إيلون موسك، كما لم يقم أحدٌ منهم بنشر نكتة إفلاسٍ على تويتر، في وقتٍ توشك فيه شركته على الانهيار.

مخطط يوضح خسائر تيسلا

تحرق تيسلا الأموال بسرعةٍ هائلة، وبدون تمويلٍ إضافيٍ قد تواجه الشركة التي يبلغ عمر تأسيسها 15 عامًا، خطرًا حقيقيًّا بنفاد السيولة في عام 2018، حيث تصرف أكثر من 7430 دولارًا أمريكيًا في الدقيقة، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، كما حقق التدفق النقدي الحر للشركة – أي مبلغ النقد الذي تحققه الشركة بعد حساب نفقات رأس المال– رقمًا سلبيًا ل6 أرباعٍ متتالية، وتضخّم إلى أكثر من 1 مليار دولار.

يتضمّن إنتاج تيسلا الحالي 3 سياراتٍ رئيسية هي: Model S وModel 3 sedans وModel X SUV، في مصنع تجميع سياراتها الوحيد الكائن في فريمونت بكاليفورنيا، وهناك خططٌ لإضافة شاحنةٍ شبه كهربائية، وسيارةٍ رياضيةٍ من طراز Roadster، وأخرى من نموذج Ycrossover، إلى تشكيلة الإنتاج في السنوات القليلة المقبلة.

ومن المحتمل أن يكون الإسراف في التوظيف هو أحد أسباب المشكلات المالية التي تواجه تيسلا، فقد كانت رؤية موسك للمستقبل تعطي الأولوية للأتمتة على حساب القوة البشرية، ولكن هذا الواقع تغير حاليًا، حيث يبلغ عدد موظفي الشركة اليوم نحو 40 ألف عامل، بينما كان العدد لا يتجاوز 899 موظفًا عام 2010، علمًا بأن عدد موظفي الشركة ارتفع إلى أكثر من 3 أضعافٍ بين عامي 2014 و 2017.

خلال السنوات ال7 الأولى من وجودها، استحوذت تيسلا على صناديق رأس المال الخاص والاستثماري بالكامل، والذي جاء الجزء الأكبر منه من موسك نفسه، وعام 2004 عندما جمعت الشركة 7,5 مليون دولار، ساهم موسك بمبلغ 6,3 مليون دولار وتولى منصب رئيس مجلس الإدارة في الشركة، وخلال فترة الركود التي هددت وجود الشركة عام 2008، قام موسك باقتراض مبلغ 40 مليون دولار عشية عيد الميلاد، قبل ساعاتٍ من إعلان إفلاس الشركة.

منذ الاكتتاب العام الأولي البالغ 225 مليون دولار في يونيو 2010، قامت تيسلا بجمع الأموال عن طريق بيع الأسهم والسندات القابلة للتحويل، وتسيير عقود الإيجار والسندات العائمة، وهو نفس الشيء الذي تفعله جميع شركات تصنيع السيارات تقريبًا، ولكن الشركة كانت محظوظةً جدًا، حيث قامت إحدى الشركات المنافسة، وهي Daimler AG، باستثمارٍ استراتيجيٍ مبكرٍ في الأسهم، كما قامت شركة منافسة أخرى، هيToyota Motor ، ببيع مصنع فريمونت إليها بسعرٍ مناسب.

وأنهت تيسلا عام 2017 بسيولةٍ قدرها 3,4 مليار دولار، ودينًا مستحقًا بقيمة 9,4 مليار دولار، وهو دليلٌ على براعة موسك في الاقتراض، وعن ذلك يقول المحلل المالي أندريا جيمس: “إن إيلون موسك مهندس، ولذا فهو يعالج زيادة رأس المال كعنصرٍ واحدٍ يحتاج إلى حل”.

ويتوقع بروس كلارك من شركة Moody الاستثمارية، أن تحتاج تيسلا إلى ملياري دولار إضافيةٍ من أجل تغطية صرفها لعام 2018، و إلى 1,3 مليار دولار لتغطية ديونها التي ستستحق الدفع عام 2019، وهو ما زاد من حجم التوقعات بأن الشركة تتجه نحو طريقٍ مسدود.

أرباح تيسلا من سندات السيارات الكهربائية

من أعظم نقاط قوة تيسلا، قدرتها على استثمار الصبر والنوايا الحسنة لعملائها وعشاقها المخلصين، حيث تحتفظ الشركة بودائع عملاء مذهلةٍ قيمتها نحو 985 مليون دولار، وبما أن الشركة تبيع منتجاتها مباشرةً للمستهلكين، دون الاعتماد على شبكة وكلاء، فإن ودائع العملاء تكون عبارةً عن مدفوعاتٍ نقديةٍ تعمل أساسًا كقروضٍ بدون فوائد، يمكن أن تمتد لسنوات.

هناك مصدرُ إضافيُ للأموال في تيسلا، يأتي من عملائها المؤمنين المخلصين، حيث تحتفظ تيسلا بودائع العملاء لمركبتين لم تصلا بعد إلى مرحلة الإنتاج، هما السيارة نصف الكهربائية ووديعتها 20 ألف دولار للسيارة الواحدة، والجيل الثاني من سيارة Roadster ووديعتها 50 ألف دولار، وحتى العملاء المهتمين بتثبيت ألواح السقف الشمسية، أو بطارية Powerwall، فعليهم أن يدفعوا مبلغ ألف دولارٍ لتقديم طلب شراء، علمًا بأن نحو 450 ألف شخصٍ مازالوا ينتظرون الحصول على سيارة سيدان، التي طرحتها الشركة عام 2016 بمبلغٍ منخفض، ولكن تباطؤ إنتاج الشركة أدى إلى تأخير موعد تسليم تلك السيارات.

ويؤكد علم النفس الاستهلاكي أن تقديم مئات آلاف الأشخاص قروضًا بدون فوائدٍ لشركةٍ ما، هو أمرٌ غير معتاد، ولكنه يدل على ثقتهم العمياء بمالك الشركة، ولنتأمل هنا بروس سيدلينجر، وهو أحد عملاء الشركة الذين قاموا بإيداع مبلغ 50 ألف دولار لشراء سيارة Roadster، حيث قال: “إيلون موسك هو واحدٌ من آمال كوكبنا العظيمة، سأقدم له كليتي إذا احتاجها!”

وساعد إنتاج الشركة لسياراتٍ صديقةٍ للبيئة “بلا دخان”، في منحها قرضًا بقيمة 465 مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية عام 2010، كما ساعد ذلك في تجنيبها كثيرًا من القيود والضرائب، التي تفرضها الحكومة على معامل السيارات بحجة التلوث.

ويحتفظ إيلون موسك بنسبة 20% من أسهم تيسلا، بفارق واضحٍ عن المساهم الثاني “فيديليتي” الذي يمتلك حصة 10٪، وقد أتاحت نتائج تصويتٍ حديثٍ بين حملة الأسهم في الشركة، حصول موسك على جائزةٍ تعويضيةٍ بقيمة 2,6 مليار دولار، مما سيسمح له برفع نسبة حصته من أسهم الشركة لتصل إلى 28%، وهو ما يعادل نحو 184 مليار دولار.

ورغم هذه الحركة غير الاعتيادية، التي تهدف إلى مواجهة القلق المشترك، الذي يشعر به موسك وبقية مساهمي تيسلا، ولكن في مرحلةٍ ما، ستواجه قدرة موسك على إقناع عملاء الشركة بدفع الأموال، تحديًا جديًا، ما لم تتحقق الشركة أرباحًا حقيقية، وهو ما أقر به موسك في رسالةٍ وجهها إلى جميع موظفيه في 17 نيسان/أبريل الماضي، تقول:

“إن الانتقاد العادل الذي وجهه المراقبون إلى تيسلا، هو أنها لن تكون شركةً حقيقيةً ما لم تحقق أرباحًا، وهذا يعني ببساطةٍ أن الإيرادات يجب أن تتجاوز التكاليف، وهو ما لا يمكن القيام به منطقيًا إلا بالوصول إلى التوازن الاقتصادي، لذا، سنكون من الآن فصاعدًا، أكثر صرامةً بشأن النفقات، وقد طلبت من الفريق المالي للشركة أن يمشط جميع النفقات مهما كانت صغيرة، ويلغي أي شيءٍ ليس له مبررٌ قويٌّ اقتصاديًا”

كما اعترف موسك مؤخرًا بأن الأتمتة المفرطة في شركته كانت خطأ، مؤكدًا بأن تكلفة تشغيل البشر أقل من تكاليف الأتمتة المرتفعة، وهو مؤشرٌ على أن العدد الكبير من الموظفين لن يتقلص على المدى المنظور، بل على العكس تمامًا، فالشركة تعرض على موقعها الالكتروني حاليًا نحو 3 آلاف فرصة عملٍ جديدة.

وتبقى النقطة التي يتفق عليها المؤمنون والمشككون في تيسلا، هي تلك التي يعبّر عنها المحلل المالي روس جربر بقوله:

“إن” إيلون موسك هو كل شيءٍ في تيسلا، فلا يوجد مديرٌ آخرٌ لشركةٍ في أمريكا، يحمل على عاتقه مخاطر ماليةً بهذا الحجم عن شركته”.