بالصور: مثل سيارات الشرطة الجنونية .. العلماء يطاردون الجسيم الشبح !

مطاردة مستمرة وجنونية، استمرت لمدة ثلاثين عاماً، خلف ما يسميه العلماء “النيوترينو” أو “الجسيم الشبح”، هذا الجسيم الغامض يسير كلص خفي يتجنب أن يصطدم بأي ذرة، إلا فيما ندر، تخيل أن جسيمات النيوترينو تمر عبر الكرة الأرضية كلها، دون أن يلمس أي جزئ منها، كما إنه بدون شحنة مطلقاً، كأنه شبح، لهذا لا يتأثر بأي قوة كهرومغناطيسية، يتحرك دون أن يعبأ بأي جاذبية، متحدياً الطبيعة، والعلماء، إلى درجة أن العلماء لا ينجحون في العثور على أكثر من 10 إلى 15 من النيوترينوات في السنة بأكملها !

تشبه رجال الشرطة في المطاردات المجنونة: أهم 5 مراصد لاصطياد النيوترينوات

1-أصغر جسيم يجيب عن أكبر سؤال: كاشف “جيردا”

كاشف الجرمانيوم (GERDA) هو الصياد الأول لدينا، وهو يحاول كشف جسيمات “النيوترينو” عن طريق رصد النشاط الكهربي داخل كريستالات الجرمانيوم النقية المعزولة مدفونة في عمق الأرض تحت جبل في إيطاليا. يأمل العلماء العاملون على الكاشف “جيردا” أن يكتشفوا نوعاً نادراً جداً من التحلل الإشعاعي، وهم يشرحون ذلك بأن “الانفجار الكبير” هو الذي تسبب في ولادة الكون منذ 13.7 مليار سنة، هذه العملية لابد أنها أنتجت كميات متساوية من المادة والمادة المضادة، وعندما تصطدمان معاً تفني كل منهما الأخرى، ولا تترك خلفها إلا الطاقة. اللغز هو أننا لا نعرف حتى الآن، لماذا فضلت الطبيعة أن تستبقي “المادة”، وبالتالي وجودنا هنا؟ والعلماء يعتقدون أن كشف التحلل الإشعاعي المراد يعني أن النيوترينو يمكن أن يكون على هيئة جسيم وجسيم مضاد في نفس الوقت، وأن هذا سوف يحل اللغز الغامض الذي حيرنا طويلاً.

2-شرطي واحد لعدة لصوص: مرصد سدبري

المرصد الكندي “سدبري” مدفون تحت الأرض مسافة تقدر بميل كامل، أي 1.6 كيلومتراً، تم بناؤه في الأصل عام 1980 لكنه تحول إلى هيئته الحالية مؤخراً، وظيفته هو التفتيش عن النيوترينوات القادمة من الأرض والشمس وحتى النجوم المتفجرة. قلب المرصد مكون من كرة بلاستيكية ضخمة مملوئة بـ800 طناً من سائل خاص، الكرة محاطة بغلاف محتوٍ على المياه، ومثبت في مكانه بالحبال، ويتم مراقبته عبر صفيف من 10 آلاف مجس شديد الحساسية للضوء. عندما يصطدم النيوترينو بالجزيئات الأخرى في المرصد، فإنه ينتج ضوءً في السائل الخاص، تستطيع المجسات أن تلتقطه فوراً، بفضل هذا المرصد، استطاع العلماء أن يكتشفوا أن هناك 3 أنواع مختلفة للنيوترينو، أو ما سموه بـ”نكهات” النيوترينو.

3-الصياد العملاق الأكبر في العالم: مرصد “آيس كيوب”

في القطب الجنوبي، يوجد المرصد النيوترينوي الأكبر في العالم، والمسمى بـ”آيس كيوب”، هذا المرصد يستخدم 5,160 مجساً حساساً موزعاً على أكثر من مليار طن من الجليد، لكي يكشف عن النيوترينوات عالية الطاقة القادمة من المصادر الكونية بالغة العنف، مثل النجوم المتفجرة والثقوب السوداء والنجوم النيوترينوية.

عندما نصطدم جزيئات “النيوترينو” بجزيئات الماء في الثلج، تطلق انفجارات على مستوى الجسيمات دون الذرية، وهي عالية الطاقة لدرجة أنها يمكن أن تمتد بقدر ستة نطاقات من مدينة، هذه الجزيئات تتحرك بسرعة كبيرة لدرجة إنها تطلق مخروطاً من الضوء يسمى “إشعاع شيرنكوف”، وهو الإشعاع الذي يكشفه مرصد آيس كيوب، العلماء يأملون في استخدام هذه المعلومات لإعادة بناء مسار النيوترينوات وتحديد مصدرها.

4-ملاحقة أشباح الأشباح: مرصد دايا باي

“دايا باي” هي تجربة نيوترينوية تستخدم ثلاثة صالات لإجراء التجارب مدفونة في دايا باي في الصين، المرصد يحتوي على ستة كواشف إسطوانية، كل منها يحتوي على 18 طناً من سائل خاص، موضوع بشكل تكتلي في الصالات ومحاط بما يقرب من 1000 من مجسات الضوء شديدة الحساسية، مغمورة بحمامات من الماء النقي لسد الطريق أمام أي إشعاع خارجي.

يوجد مجموعة من ستة مفاعلات نووية محيطة بالراصد، تبعث ملايين من الكواديريليون من إلكترونات “النيوترينوات المضادة” غير المؤذية في كل ثانية واحدة، هذا الدفق من النيوترينوات يتفاعل مع السائل الخاص لكي يطلق ومضات قصيرة من الضوء، الذي تلتقطه المجسات الحساسة. تم بناء هذا الراصد كي يكشف عن تذبذب جسيمات النيوترينو، حيث أن “النيوترينوات المضادة” مثل النيوترينوات، تتغير لتصبح لها عدة نكهات، ويحاول العلماء العاملين في هذا الراصد أن يكتشفوا عدد النيوترينوات المضادة التي تستطيع التهرب من الكشف بفضل قدرتها على تغيير النكهات.

5-صائد اللص مهما تنكر: راصد “سوبر كيه”

الراصد سوبر كيه، مدفون على عمق 3000 قدماً، أو ما يساوي 914 متراً، تحت جبال غرب اليابان، الراصد الضخم يحتوي ما يصل إلى 50 ألف طناً من المياه النقية المحاطة بـ11,200 مجساً حساساً للضوء، وبسبب المياه لا يستطيع الطاقم العامل في هذا الراصد إصلاحه إلا بركوب القوارب.

الراصد “سوبر كيه” يعمل بنفس طريقة راصد آيس كيوب، بتحديد الإشعاع “شيرنكوف”، كما إن سوبر كيه يتفوق على الراصد “سدبري” بكونه أول راصد استطاع إيجاد دليل قوي على تذبذب النيوترينوات بين النكهات المختلفة، كما أنه هو الذي أظهر أن النيوترينو له كتلة. يقوم الباحثون حالياً بإطلاق شعاع تحت الأرض من النيوترينوات، يبلغ طوله 289 كيلومتراً، للتحقق من هذا التذبذب.

السؤال يطرح نفسه بعد التعرف على كل هذه الراصدات: هل سيتمكن العلماء يوماً من القبض على الشبح الخفي؟