بيئة ومناخ

الفيضانات في السودان تاريخ طويل من الأزمة .. والبحث عن حل مجد

يعاني السودان سنوياً من الأمطار الغزيرة القادمة من الهضبة الإثيوبية أو من بحيرة تانا متجهة إلى النيل الأزرق أو عبر النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا بأوغندا فضلاً عن الأمطار الموسمية في البلاد والتي تبدأ في شهر يوليو وتستمر حتى بداية أكتوبر.

وقد أدى ذلك إلى الكثير من النتائج السلبية على السكان بسبب تكرار الفيضانات خلال العقود الماضية وآخرها كان فيضان  ٢٠١٣م. و٢٠٢١م ، وفي هذا العام ومنذ أيام يشهد السودان كوارث إنسانية جراء السيول في عدد من المناطق في السودان ولعل أشهرها ما حدث في مدينة المناقل بولاية الجزيرة حيث غطت المياه معظم أحياء المدنية مما دعا السكان إلى اللجوء للأماكن المرتفعة كالإستاد الرياضي أو الهروب من المنطقة بشكل كلي في وسط صمت من السلطات في الولاية ، وتحدث عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بأن ما يحدث في مدينة المناقل ليس بسبب الأمطار والسيول فقط فقد ذكروا بأن المدن والقرى التابعة لمشروع الجزيرة محصنة ضد السيول وفقاً للبنية الأساسية للمشروع كالقنوات المائية الكبيرة التي تمثل حاجز الصد والحماية أثناء موسم الخريف وأشاروا إلى أن الإهمال المتعمد في صيانة ومتابعة تلك القنوات يجعلها عرضه للانهيار أمام الكميات الكبيرة من المياه الواردة إليها، وفي  جنوب دارفور ضربت السيول والفيضانات أجزاء واسعة من محلية أم دافوق مما أدى إلى انهيار السد بالمحلية وتدفق المياه نحو الأحياء السكنية.

وقد أطلق منبر المغردين السودانيين أحد أشهر المنصات السودانية على تويتر وسماً بعنوان #سيول_وفيضانات_خريف2022، وعلى ضوء ذلك، سأذكر في هذا المقال بعضاً من الأسباب لهذه الظاهرة الموسمية كالتدهور الهيكلي في البنية التحتية المتاحة والظواهر طبيعية مثل تغيير المناخ وتناوب فترة الرطوبة والجفاف، وكذلك العوامل البشرية لتكرار حدوث الفيضانات وليس العوامل الطبيعية فقط يمكن تلخيص العوامل البشرية على النحو التالي:

-   إزالة الغابات في أثيوبياً، وكذلك تدهور الغابات الطبيعية داخل السودان ليس فقط في المناطق المجاورة لنهر النيل وروافده والأنهار الموسمية مثل نهري القاش عطبرة، ولكن أيضًا المناطق البعيدة عن الأمطار الموسمية أو تيارات المياه الدائمة.

-   التوسع العمراني غير المدروس على مصارف مياه الأمطار بسبب زيادة السكان أو الهجرة أو النزوح الداخلي نتيجة للحرب سواء كانت في دارفور أو جبال النوبة أو شرق السودان والكوارث الطبيعية مثل الجفاف والتصحر.

-   ضعف أو غياب البنية التحتية الأساسية من وجهة النظر الهندسية والبيئية لمواجهة آثار الفيضانات وكذلك السيول الموسمية مثل مصارف مياه الأمطار سيئة الإنشاء؛ عدم وجود خطط شاملة لاستخدام الأراضي.

-   أنشطة البناء على طول نهر النيل الأزرق بالخرطوم على سبيل المثال، والتي أدت إلى تضييق تدفق مياه بالشكل الأمثل.

-   بناء السدود على طول النيل الأزرق مثل سد النهضة في إثيوبيا وتعلية السدود كسد مروي على نهر النيل في شمال السودان.

ما هي أخطار الفيضانات؟

وقبل أن نجيب على هذا السؤال فالفيضانات لها العديد من المنافع والفوائد إذا تم استخدامها بشكل علمي ومدروس على سبيل المثال تحسين جودة المياه وزيادة الخصوبة في الأرض وزيادة السعة للمياه الجوفية وفوائد أخرى، ولكن الأضرار الناتجة منها تغلب فوائدها فقد تتسبب الفيضانات بنتائج تدميرية في البنية التحتية والبشرية على حد سواء، أمثلة على أبرز المخاطر الكارثية التي يعاني منها السودان بسبب الفيضانات المتكررة التي تحدث في البلاد:

-   الوفيات البشرية حيث انه قد تحدث حالات الوفاة غرقاً أو بسبب الانهيارات في الأبنية والمنشآت وفي هذا الجانب أعلنت السلطات السودانية في الأسبوع الماضي عن وفاة 52 شخص جراء الفيضانات والسيول التي اجتاحت عدداً من ولايات البلاد، وقالت السلطات إنه منذ بداية الموسم توفى 52 شخصاً وأصيب نحو 25 آخرين في ولايات السودان نتيجة للسيول والفيضانات.

-  انهيار المنازل وتدمير البنية التحتية حيث كشفت السلطات السودانية عن انهيار 5345 منزلاً كلياً في جميع أنحاء البلاد، ونحو 2862 منزلاً انهارت جزئياً، إلى جانب تدمير 16 من المرافق العامة و39 متجراً ومخزناً، علاوة على تضرر أراض زراعية غمرتها مياه السيول تقدر مساحتها ب540 فداناً بالإضافة إلى انهيار عدد من السدود الصغيرة في دارفور وكردفان، وحتى كتابة هذا المقال وللأسف ماتزال الخسائر المادية والبشرية في تزايد مستمر.

-  انتشار الأمراض والوبائيات: من الأسباب التي تخلفها السيول والفيضانات انتشار الأمراض مثل الملاريا والإسهال المائي والكوليرا نتيجة لتلوث المياه بانتشار الفضلات البشرية التي انجرفت بسبب السيول والأمطار واختلطت بشبكات توزيع المياه الصالحة للشرب.

ففي خريف عامي 2020 و2021 بسبب ركود المياه وتلوثها أدت الأضرار التي لحقت بالعيادات الصحية والمستشفيات والمراحيض إلى زيادة خطر تفشي الأمراض في النظم الصحية الضعيفة بالفعل ففي عام 2020، واجه السودان الحمى النزفية الفيروسية (VHFs)، وتفشي شلل الأطفال، فضلاً عن انتشار داءُ الليشمانيا الحَشَوِيّ، المعروف أيضًا باسم الكالإزار في ولاية القضارف.  هذا بالإضافة إلى الدورات السنوية لتفشي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والشيكونغونيا المتوطنة.  وكذلك بسبب التدهور في الاقتصاد بشدة على توفير جميع الخدمات الأساسية، بما في ذلك الخدمات الصحية، حيث لا يتوفر سوى 15٪ من الأدوية الأساسية في البلاد.

-   الآثار الاقتصادية للفيضان وتأثيرها على المقومات الأساسية التي يعتمد على السودانيين في مصادر دخلهم الأساسية مثل الزراعة والثروة الحيوانية.

الخطوات الواجب اتباعها لتقليل من الآثار الكارثية التي سبق ذكرها بسبب الفيضانات:

-   قيام الدولة بواجباتها لبناء البنية التحتية من خلال عمل دارسات هندسية متكاملة تشمل الدراسات الهيدروليكية مع تطوير النُظم المعلومات الجغرافية والتي يجب إيجاد التمويل المناسب لها على أن تشمل توسيع نطاق خدمات شبكات وقنوات تصريف مياه الأمطار.

-   الدراسات المنهجية للسياسات العمرانية وخطط التوزيع الجغرافي عبر إعادة التخطيط العمراني للمناطق المتضررة واختيار المناطق المناسبة الخالية من أي أخطار مستقبلية للفيضانات أو مياه الجريان السطحي وتطويرها وتنميتها.

-   دراسة ومراجعة وتطوير السدود كخزان الروصيرص وسنار وخزان جبل أولياء، وذلك لأن قدرتها على السيطرة على الفيضان محدودة، فلا يمكن التحكم فيها في موسم الفيضان.

-   إنشاء فرق مراقبة ميدانية وبناء أنظمة الإنذار المبكر كمراكز التنبؤ بالفيضانات والأمطار كما هو في عدد من الدول الأفريقية.

-   إنشاء مخزون احتياطي للإغاثة في حالات الطوارئ كالمشمعات والخيم والبطانيات والناموسيات بالقرب من المناطق المعرضة للكوارث حتى تسهم في التقليل من الآثار المحتملة على الإنسان والبيئة.

-   تطوير وتحديث الأدوات المعرفية للجهات المختصة مثل الدفاع المدني وتسهيل الاتفاقيات بين الجهات التي تسهل الدعم اللوجستي في حالة حدوث الكوارث مثل وزارة الصحة وهيئة الموانئ البحرية والجمارك.

وهناك العديد من المقترحات التي تسهم في الحد من آثار السيول والأمطار، ولكن في ظل عدم الاستقرار السياسي في البلاد بعد انقلاب قائد الجيش البرهان على شركائه المدنيين في السودان تعد كل تلك الحلول والمقترحات صعبة التنفيذ في ظل الصراع حول السلطة السياسية. وفي النهاية فإن الفيضان في بلد معرض لهطول أمطار غزيرة أمر لا بد منه، لذا يجب الانتباه وأخذ الحيطة والحذر وإتباع الإرشادات العامة للحفاظ على سلامتك وسلامة من حولك.

المصادر:

– ويكبيديا.

– تقارير منظمة أطباء بلا حدود السودان ٢٠٢٠م.

– منظمة الصحة العالمية.

‏- international Federation of Red Cross And Red Crescent Societies. For more information about living in a floodplain, see: Flood Safety in Snohomish County (PDF): Snohomish County’s guide to protecting life and property in the floodplain.

شارك
نشر المقال:
Eltayeb.Abuagla