العلماء يتلاعبون في البكتيريا: تتنفس عوادم السيارات، لتوقد مصابيح البيوت المظلمة

لم يكن العلماء يعلقون أملاً على هذا المشروع، حذروا صاحبه من أنه لن يكون على المستوى المطلوب، لكن العالم الكيميائي والأستاذ في جامعة هارفارد دانيال جي نوسيرا صمم على إكمال مشروعه مع البكتيريا السنة الفائتة، وتلاعب بها كي تصبح أفضل من النباتات بخمس مرات، تتنفس ثاني أكسيد الكربون وتطلق الطاقة، لكنها فاجأته وفاجأت زملاءه والعالم  عندما أصبحت أفضل من النبات، بعشر مرات !

ليست أول جولة أمام النباتات: من الذي ينتصر؟

منذ خمس سنوات، عندما كان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ابتكر الأستاذ نوسيرا “ورقة الشجر الصناعية” التي لفتت الانتباه، فقد صنعها من رقاقة سيليكون مع عناصر أخرى يمكن أن تغمس في الماء وتعرض لأشعة الشمس، لتقوم بقسم الماء إلى هيدروجين وأكسجين، لكنها لم تحصد الشعبية المطلوبة بسبب كون الوقود الناتج من الهيدروجين، فمثلاً، إذا أعطيناك الآن كمية من غاز الهيدروجين فإن كل ما ستفكر فيه هو استخدامه في نفخ البالونات، لأنه لا يوجد لدينا بنية تحتية جيدة للهيدروجين، لكن، إذا أمكن لهذا الهيدروجين القادم من ورقة الشجرة الصناعية أن يتحد مع ثاني أكسيد الكربون، لكي يصنع وقوداً كحولياً، قابل للحرق بشكل فوري، فيمكننا أن نستخدمه مثلما نفعل مع وقود الديزل.

الأستاذ طبق الفكرة عندما أحضر البكتيريا وتلاعب فيها جينياً كي تمتص الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وتحولها إلى وقود من الكحول، يمكنها أن تحترق وتنتج الطاقة بشكل فوري، وقد قال الأستاذ في محاضرة له في جامعة شيكاغو أن البكتيريا استطاعت أن تصنع مركبات الأيزوبروبانول، أيزوبوتانول، أيزوبينتانول، وهي تأتي بفضل تنفس البكتيريا لثاني أكسيد الكربون الهيدروجين الناتج من انقسام الماء.

البحث استمر لثمانية عشر شهراً، عمل فيها نوسيرا مع علماء الأحياء في كلية الطب في جامعة هارفارد للتلاعب جينياً ببكتيريا تدعى Raistonia eutropha، لجعلها تستهلك الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وتنتج ثلاثي أدينوسين الفوسفات (ATP)، وهو جزئ الطاقة في الكائنات الحية، ثم اعتمد الفريق على اكتشافات سابقة قام بها الأستاذ أنتوني سينسكي في جامعة ماساتشوستس، عندما قام بإدخال جينات لتحويل جزئ الطاقة إلى كحول تفرزه البكتيريا.

نورسيرا يتوقع لهذه البكتيريا أن تحدث ضجة كبيرة، مثل ورقة الشجر الصناعية، وذلك لأن قدرتها على إنتاج الطاقة أكثر من النباتات نفسها، فالنباتات تحول أشعة الشمس إلى كتلة حيوية بكفاءة 1%، بعد استخدام معظم طاقتها للبقاء على قيد الحياة، أما البكتيريا التي تم التلاعب بها، فهي تنتج كتلة حيوية بكفاءة 10.6 بالمئة وكحول بكفاءة 6.4، وهو الكحول الذي يحرق فورياً، لتتحول الكتلة الحيوية إلى وقود.

ما شكل العالم بهذه البكتيريا الجديدة؟

إذا ملأنا مفاعلاً سعته لتر واحد ببكتيريا نوسيرا، فإنها قادرة على التقاط 500 لتراً من ثاني أكسيد الكربون في الجو في اليوم الواحد، وهي تخلص البيئة من 237 لتراً من ثاني أكسيد الكربون، مقابل كل كيلوواط ساعة من الطاقة التي تنتجها، لكن قبل أن نستعجل في الفرح، لن نكون كذلك عندما نعلم أنها تعيد معظم ما سحبته من ثاني أكسيد الكربون عندما يحرق الكحول الخاص بها، وبذلك فنحن لا نحل هنا مشكلة ثاني أكسيد الكربون لأن الداخل يعادل الخارج، ما نفعله هو تقليل استخدام مصادر جديدة من التلوث على سطح الأرض، لأنها ستقلل الاعتماد على المحروقات الأخرى.

أمل جديد للدول الفقيرة كي توقد مصابيحها المطفأة

في دولة مثل الهند التي تعاني الكثير من المناطق نقص أو عدم وجود الكهرباء، يمكن أن تمثل البكتيريا الجديدة والورقة الصناعية أملاً عظيماً، فورقة الشجر الصناعية تستطيع صنع الهيدروجين من أي مياه حتى لو كانت قذرة مثل البول، كما إن ثاني أكسيد الكربون يملأ الجو هناك، لهذا يأمل الأستاذ نوسيرا أن يجد ممولين متفهمين يستثمرون في تطبيق مشروعه للحصول على الكهرباء في الدول الفقيرة، دون أن يطالبوه بشكل مبكر بعوائده.