التصنيفات: علم النفس

السفر الإفتراضي عبر الزمن كعلاج نفسي

أفادت دراسة استطلاعية بأنه يمكن استخدام الواقع الافتراضي لاعطاء الشعور بالعودة إلى الوراء بالزمن، حيث تم اختبار عدد من الأشخاص في هذه الدراسة، والتي تتضمن اشتراكهم ضمن عالم افتراضي يتم فيه العودة إلى الخلف بالزمن، واستطاع هؤلاء الحد من عدد الأشخاص الذين قام رجل مسلح بقتلهم، وذلك خلال محاكاة تجريبية في ظروف كانوا فيها جزءاً مساعداً للسفاح من دون علمهم.

تبعاً للتقرير الذي تم نشره في مجلة (Frontiers in Psychology) فإن الفريق الباحث أشار إلى أنه من الممكن استخدام تقنية السفر الافتراضي عبر الزمن لمساعدة الأشخاص للتغلب على التجارب المؤلمة، حيث كان للسفر الافتراضي عبر الزمن تأثير عاطفي على المشاركين، وأوضح (ميل سلاتر) وهو أحد المؤلفين المشاركين في الدراسة من معهد البحوث الكاتالونية (ICREA) وجامعة كوليدج في لندن، بأنه كلما ازداد شعور المشاركين بوهم السفر إلى الوارء عبر الزمن، كان شعورهم الأخلاقي يرتفع.

في هذا العالم الافتراضي كان بإمكان المشاركين المشي والحركة بشكل مماثل لما يقومون به في الحياة الحقيقية، حيث أظهرت دراسات سابقة أن الأشخاص يكونون مرتبطين بشدة مع ذواتهم الافتراضية، فتبعاً للبروفيسور (سلاتر) أنه في الواقع الافتراضي يكون نظام الإدراك الحسي الدماغي في أدنى مستوياته، مما يجعله غير قادر على التمييز بين الواقع الافتراضي والعالم الحقيقي، ولهذا يقوم الدماغ باعتبار ما يراه ويسمعه في البيئة الافتراضية المحيطة على أنه أمر مسلم به، واعتماداً على ذلك فإذا ما تعرض أحد الأشخاص لتجربة السفر الافتراضي عبر الزمن، فإن ذلك سيترك انطباعاً لديه بأن الماضي يمكن تغييره، وأن القرارات السابقة لا تهم لأنه يمكن تغييرها.

تضمنت الدراسة اشتراك 32 شخصاً، حيث شهد هؤلاء الأشخاص على حادثة قيام رجل بإطلاق النار على خمسة أشخاص آخرين وقتلهم في الطابق الثاني من معرض للوحات الفنية، وتضمنت الدراسة مرحلتين، في المرحلة الأولى قام المشتركين بمساعدة القاتل –بدون علمهم- لقتل الضحايا عن طريق سماحهم له بالذهاب إلى الطابق العلوي لقتل الأشخاص الخمسة، وفي المرحلة الثانية تمت إعادة نصف المشاركين إلى الوراء بالزمن، ليشاهدوا هذا الحدث مرة ثانية، ولكن هذه المرة كانوا في مواجهة مع معضلة أخلاقية كلاسيكية، والتي تتمثل إما أن يختاروا عدم التدخل وبالتالي ستكون النتيجة موت خمسة أشخاص، أو التدخل وإنقاذ هؤلاء الأشخاص الخمسة بمقابل التضحية بشخص واحد، أما فيما يخص النصف الآخر من المشاركين فقد تمت إعادتهم بالزمن لمشاهدة ذلك الحدث مرة أخرى أيضاً، ولكنهم لم يكونوا قادرين على تغيير أياً من تصرفاتهم السابقة.

عادة ما يتم استخدام مثل هذه المعضلات في الدراسات الفلسفية التي تبحث في النواحي الأخلاقية، وفيما يخص هذه التجربة فقد اختار معظم المشاركين التدخل ،كما كان متوقعاً، ومن هنا تبين الباحثون بأن تقنية السفر الافتراضي عبر الزمن يمكن أن تساعد الأشخاص على التغلب على الاضطرابات النفسية التي تأتي بعد الصدمة، أو على إعادة تقييم قراراتهم السيئة السابقة.

على الرغم من كون السفر عبر الزمن غير ممكن من ناحية القوانين الفيزيائية حتى الآن، إلّا أن المؤلف الرئيسي لهذا العمل (دورون فريدمان)، من مدرسة سامي عوفر للاتصالات في إسرائيل، يشير إلى أن تجربة الواقع الافتراضي تعتبر آسرة للمشاعر بشكل كبير، حتى أن بعض المشركين قاموا بالإنحناء نحو الأسفل عندما تعرضوا لإطلاق النار، وهذا المستوى من الواقعية هو أفضل ما يمكن الوصول إليه في موضوع السفر عبر الزمن حالياً، إلى حين تمكّن الفيزيائيين من القيام بعملهم واكتشاف آلة الزمن.

ولكن على الرغم من أهمية هذه التجربة، يبدو أنها تتضمن بعض المشاكل السلبية، فبحسب الفيزيائي (روبرت نيميروف) من جامعة ميتشيغان للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، فإن العلاج بالعودة إلى الزمن يمكن أن يساعد الأشخاص على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل ويمكن أن يساعدهم تقييم قراراتهم السيئة التي اتخذوها سابقاً، ولكنه على الجهة الأخرى يجعلهم يخوضون بتجربة مقنعة جداً، لدرجة أنها يمكن أن تقنهعم بأنهم يستطيعون تغيير الماضي، وهذا قد يكون له انعكاسات سلبية لم يتم استكشافها بعد.

أخيراً، فعلى الرغم من أنه لا يزال من المستحيل التراجع عن الأشياء التي حدثت بالفعل، إلا أن نتائج هذه الدراسة تشير إلى أن  تقنيات الواقع الافتراضي يمكن تسخيرها بشكل مفيد لجعل الأشخاص أكثر تقبلاً لأخطائهم السابقة، فضلاً عن جعلهم يتخذون قرارات أفضل في المستقبل.

المقالة الأصلية

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير