علوم

التيلومير، ما بين الشيخوخة وحلم الخلود!

كنّا قد تحدثنا في مقالٍ سابق بعنوان الباحثون يجدون “كوكتيل” يمكنه أن يبطئ عملية الشيخوخة عن مجموعةٍ من الأدوية الصيدلانية الموجودة يمكن أن تسمح للإنسان بالحد من ظهور آثار الشيخوخة. نتوسع اليوم في بحثنا لنعرض لكم في مقالنا هذا كيف توصل الإنسان لمعرفة العقاقير الصيدلانية التي تؤجل الشيخوخة أو حتى تلغيها تمامًا؟

جميع حقيقات النوى، و أولهم الإنسان، لديهم في خلاياهم شريط الحمض النووي المزدوج (الدنا) أو DNA متشكلًا في هيئة الكروموسوم بغض النظر عن عدده في نواة الخلية. فنحن البشر، لدينا ٤٦ كروموسوم متجمعين في النواة، هذه الكروموسومات عبارة عن شريط مزدوج طويل جدًا من الدنا ملفوف حول عدد هائل بروتينات الهستون، ولكن هل شريط الدنا المزدوج هذا له نهاية؟

الإجابة هي نعم بالتأكيد، فمن الطبع أن الشريط هذا لن يزدوج ويتكرر حتى النهاية بشكل كامل، هذا ما تساءل عنه المفكر الروسي أليكسي اولوفينكوڤ في السبعينات. حتى تبعه العلماء في البحث عن الكيفية الي ينتهي بها الدنا، ثم توصلوا الى الإجابة الي كانت على شكل التيلومير أو القطعة النهائية. هذه القطعة النهائية تعمل تمامًا مثل غطاء القلم أو نهاية القيطان/أربطة الأحذية و البنطال، فنهاية الرباط نجد قطعة حديدية تغطي القيطان لكي تحميه. تمامًا مثل وظيفة التيلومير، قطعة نهائية تعتبر جزء من الدنا بالرغم انها قطعة بشريط واحد غير مزدوج ولكن متصلة بالدنا حجمها يقدّر بحوالي ٣ الاف قاعدة متكررة. والتيلومير يحمي الدنا DNA من التكسر، أو من الترابط بين الكروموسومات الأخرى والتشابك معها، أو بالمساعدة في تضاعف الدنا DNA لكي تنقسم الخلية، وهذه أهم وظيفة له و هي المدخل لربط التيلومير بالشيخوخة والسرطان والخ.

                                                                                       صورة مجهرية للكروموسومات مصبوغة لتظهر التيلومير باللون الأصفر في النهاية

 

كفكرة بديهية، سنعلم أن التيلومير لن يبقى دائمًا غطاء واقي فعّال للأبد. في الواقع هو يفقد جزء من وظيفته في وقت قصير جدًا، عندما تنقسم الخلية ويقوم الدنا DNA بالتضاعف، يخسر التيلومير ٥٠-٢٥٠ قاعدة نيوكليوتيدية من الثلاث آلاف التي ذكرناها. فهذا يعني أن مع كل انقسام خلية التيلومير يشيخ ويقصر! لكن هل مع كل انقسام، نخسر جزء من الدنا وموروثاتنا؟ تقريبًا لأ، فكما ذكرنا أنه غطاء واقي، سيقصر ويتكسر ولكن سيبقى الدنا سليمًا. لذلك بعد مرور على الأرجح ٥٠ إنقسام خلوي، ستنتهي قواعد التيلومير و يصبح الكرومسوم بلا نهاية واقية، عندها سوف يخسر الدنا موروثاته، مما يجعل الخلية ممنوعة من التكاثر وتقوم بأداء عملها لفترة ومن ثم تموت.

صورة توضح موقع التيلومير وقواعده المتكررة في نهاية الدنا غالبا تكون على شكل AATTGGGAATTTTTGGGG

 

لماذا يخسر التيلومير أجزاءه مع كل إنقسام؟

كعملية طبيعية، عندما يتضاعف الدنا عن طريق النسخ من كلا الشريطين المزدوجين، سيفقد غالبًا ٢٠ قاعدة فقط، هذه حالة طبيعية ستحصل دائمًا بلا شك. ولكن هناك أيضًا عوامل تسبب قصر التيلومير، وهي عوامل إجهاد التأكسد، فهذا هو السبب الأكبر في قصر التيلومير، إجهاد التأكسد (اختلال في توازن العوامل المؤكسدة والعوامل المضادة للأكسدة) يجعل التيلومير وقت التضاعف يفقد ٢٠٠ قاعدة فأكثر في كل عملية نسخ! هذا السبب الذي يجعل التيلومير ينفذ تماما بعد عدد عشري من الانقسامات الخلوية ثم تموت.

صورة لمراحل فقدان التيلومير مع الوقت (تستغرق إنقسامات أكثر من الصورة طبعًا)

 

لكن ما سبب هذا الإختلال في توازن العوامل المؤكسدة؟ وكيف نقلل منه؟

يؤمن الباحثون أن هذه العوامل متعلقة بشكل كبير لنمط حياة الشخص، النمط الغذائي والحمية واللياقة البدنية والتوتر والتدخين هي إحدى أسباب الإجتهاد التأكسدي. فهذا التيلومير الواقي سيشيب ويقصر أسرع كلما كان نمط الحياة مؤثر بشكل سلبي أكثر، ليس فقط التدخين على سبيل المثال بل التعرض الكثير للمواد الاشعاعية والكربونية وما شابهها فهي أسباب أيضًا. هذا التيلومير يعمل تمامًا مثلك أنت، نمط حياتك مؤثر عليه، هو المرتبط بعمرك، هو المسؤول عن شبابك، وهب الله لك في خلاياك هذه القطعة و أصبحت كالأمانة عليك. جميع الضغوطات تؤثر عليه، بل حتى عوامل الولادة! أجرى الدكتور كمال أيوب دراسة قارنت بين طول التيلومير (الذي يتناسب طردًا مع العمر) بين النساء اللاتي أنجبن والنساء اللاتي لم ينجبن، و وجد أن النساء اللاتي لم ينجبن لديهم تيلومير طوله يقدّر بفارق ١١ سنة من الحياة الأطول!

التيلومير يشيب و يقصر كلما تقدمنا بالعمر

 

الأعمار دائمًا بيد الله و حتى وهب لأنبيائه أعمار طويلة كآدم ونوح عليهم السلام ولا نعرف كيف عاشوا مئات السنين لكن العلم يمكنه إثبات ذلك بالتأكيد. في الآخير، نصيحة لك أخي القارئ أن تحافظ على تلك الأمانة، أمانة التيلومير. النشاط البدني المنتظم والمعتدل ونمط الحياة الصحي هي من تحافظ على التيلومير وتؤجل فقدانه إلى حتى ١٠ سنوات من العُمر البيولوجي حسب الدراسات (العمر البيولوجي هو مقدار ما يتمتع به الشخص من صحة وحيوية جسمية وذهنية، فقد يكون عمرك الزمني ٦٠ سنة بينما البيولوجي ٥٠ سنة، والعكس صحيح)، هذا كله بالطبع حسب نمط الحياة الطبيعي ستشيخ متأخرًا، بغض النظر عن طفرات جينية موروثة تطور أمراض أو إختلالات غير طبيعية في الجسم حصلت من قبل أو موت الفجأة أو حتى حريق أو حادث تسبب بموت شخص، نتحدث هنا عن الحالة الطبيعية فقط.