الذكاء الاصطناعي

استخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص الاكتئاب

تعتبر عملية تشخيص الحالات الفسيولوجية عملية معقدة وصعبة خصوصًا حالات الاكتئاب التي تتطلب حلًا جذريًا ومستمرًا في الكثيرِ من الحالات. الأمر الذي دفع العديد من العلماء للبحث عن امكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص حالات الاكتئاب.

في الحقيقة، تتطلب عملية تشخيص الاكتئاب طبيبًا ماهرًا ذو خبرة كافية لتقديم تقييم منطقي اعتمادًا على استجابة الشخص المصاب لمجموعة من الأسئلة التي تُوجه له. خصوصًا أن تشخيص الحالة النفسية للشخص لا تتطلب أي تحاليل دم أو فحص سريري أو خزعات جراحية يمكنها أن تساهم في تحديد طبيعة المرض النفسي الذي قد يعانيه الشخص.

بناء على ذلك، فإن عملية التشخيص تزداد تعقيدًا نظرًا لأن الاكتئاب قد يظهر بطرق متعددة لا يمكن توقعها حيث يبدأ غالبًا بشعور سلبي وخمول حتى يتضاعف مؤديًا لنظام غذائي غير صحي أو عادات نوم غير منتظمة.

كما أن فكرة أن يساهم الذكاء الاصطناعي واستخدامه في تشخيص حالات الاكتئاب خطوة مهمة وغير مسبوقة. لكن هل هذا ممكن؟

تقول الباحثة في مختبر الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس (CSAIL) ، توكا الهاني (Tuka Alhanai) وزميلها المشارك في الدراسة محمد غاسيمي (Mohammad Ghassemi) ” أن النموذج اللذان طوراه لدراسة الذكاء الاصطناعي كان قادرًا على تشخيص حالات الاكتئاب وبدرجة عالية جدًا ودقيقة، عبر تحليل الطريقة التي يتحدث بها الشخص وليس اعتمادًا على ردود الشخص على الأسئلة التي تُوجه له”.

وأضافت الهاني: “يعتمد النموذج المستخدم (البرنامج) على التحليل الحر من دون تتبع السياق، بمعنى أن البرنامج يعتمد نموذجًا من الكلمات و يحلل الطريقة التي يتحدث بها الشخص من دون محاولة تفسير معنى هذه الكلمات. كما أنه بدلًا من تعليم البرنامج على تقديم اجابات فورية على أسئلة معينة، فقد تمت برمجته بشكل يجعله يقوم بذلك بنفسه”.

يعتبر ما توصلت إليه الهاني غير مسبوق وفريد من نوعه حيث يعمل نموذج الذكاء الاصطناعي الذي طورته بالاعتماد على مجموعة من الإشارات التي يتم معرفتها من خلال الطريقة التي يعبر بها الشخص من دون محاولة تفسير أو ايجاد معنًا للجمل التي يقولها.

“كما أن الفائدة المتوقعة من هذا النموذج المعتمد على منهجية الشبكات العصبية الاصطناعية هي أن يقوم بتقييم محادثات الأشخاص اليومية بعيدًا عن مقابلة رسمية منظمة مع طبيب. علاوة على ذلك سيكون هذا النموذج مشجعًا للكثير من الأشخاص لطلب مساعدة نفسية شخصية محترفة وبعيدًا عن كل المسببات التي قد تحول دون أن يقوم الشخص بحل مشاكله النفسية بسبب تكلفة العلاج والمسافة أو حتى نقص الوعي النفسي لديه.

إن عملية نشر هذا النموذج على نطاق واسع يجب أن يكون من خلال تقليل العوائق والقيود على المعلومات التي يقولها الأشخاص من خلال محادثة عادية عبر التفاعل الطبيعي”

ركّز هذا النموذج على الصوت والفيديو و اجراء مقابلاتٍ لـ 142 شخصًا. حوالي 30% من الأشخاص الذي خضعوا للإختبار تم تشخيصهم بالاكتئاب من قبل الأطباء.  كما وتمت هذه العملية من خلال استخدام تقنية النمذجة  التسلسلية (Sequence Modeling)، والتي تعتمد على استخدام سلسة من البيانات النصية والصوتية لجميع الأشخاص-المصابين بالاكتئاب والغير مصابين بالاكتئاب- ومن ثم إدخالها في النموذج (البرنامج). على سبيل المثال فإن استخدام كلمات مثل ” حزين” أو ” محبط” ستكون مصحوبة بإشارات صوتية أكثر حدة و أقل رتابة.

كان على النموذج المستخدم تحديد أي من الحالات مصابة بالاكتئاب من خلال مجموعة من الخوارزميات التي بُرمج عليها لتشخيص هذه الحالات. حيث نجح هذا البرنامج في تحديد حالات الاكتئاب لدى الأشخاص بنسبة وصلت لحوالي 77%.

كما ويسعى الباحثون لتطوير هذا النموذج ليشمل المزيد من أنواع البيانات المختلفة للتنبؤ بحالات الاكتئاب بشكل أكبر، ليس ليتمكن من  التركيز بشكل أساسي على الطريقة التي يتحدث بها الشخص فحسب بل أن يشمل أيضًا معنى الكلمات التي يستخدمها. حيث أن الكلمات المستخدمة من قبل الشخص تعتبر مؤشرًا أقوى في عملية التقييم من كونه مقتصرًا على طريقته في التعبير.

إن النموذج المُطور يحتاج “عند التركيز” على التحليل النصي فقط 7 تسلسلات (متتاليات) للتنبؤ بحالة الاكتئاب أما في حالة التحليل الصوتي للكلمات المستخدمة سيحتاج حوالي 30 تسلسلاً ( متتالية) للتنبؤ بحالة الشخص. مما يعني أن معنى الكلمات سيقدم تقييمًا أكثر دقة!

كما ويقول جميس كلاس (James Glass) – الباحث في معهد ماساتشوستس- ” إنه من السابق لأوانه القول أن هنالك إمكانية لدمج نموذج الذكاء الاصطناعي بشكل واقعي لتشخيص الاكتئاب- كما أن حجم العينات التي تم اجراء الاختبار عليها كانت صغيرة، لكن أثبت هذا النموذج قدرته على التحليل كخطوة أولى ناجحة. لكن سيكون على الباحثين العمل على تطوير النموذج بشكل قادر على تحليل جميع أنواع البيانات المختلفة.

كما وأضاف ” تعتبر هذه الأنظمة أكثر وثوقًا عندما تقدم لك تفسيرًا لنتائجها وهذه خطوة مهمة لأن استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص حالات الصحة العقلية مهمة خطيرة”

كما أنه يمكن استخدام العديد من مواقع الرد الآلي التي تقدم علاجًا للأشخاص عبر الدردشة مثل موقع (Woebot) – موقع للدردشة الطبية العلاجية – لكن أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في التشخيص الفعلي لبعض الأمراض النفسية .. فإن ذلك سيُحدث نقلةً نوعيةً في مجال الآلات و الذكاء الصناعي”

حذر الطبيب الكندي آدم هوفمان ، الذي كتب مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست ، من العواقب المحتملة لما أشار إليه بـ “التجاوز الخوارزمي”.

وكتب قائلاً: “الصحة العقلية للمرء عملية معقدة، وهي تفاعل بين عدة عوامل جينية وفيزيائية وبيئية، وإن أدوية الأمراض العقلية  تكون آثارها مدمرة للصحة إذا ما أُعطيت خطأ، لذا لا يمكن الاعتماد على تشخيص حالة مَرَضية عن طريق خوارزمية معينة”. ويضيف: “إخبار الشخص بأنه مريض، قد يؤدي إلى مرضه بشكل حقيقي”.

وكردٍ على هذه  التساؤلات والمخاوف يقول فريق البحث أن الهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي موجه بشكل أساسي لمساعدة الأطباء و هذا لايعني الإستغناء عن الطبيب أو جعل أنظمة الذكاء الاصطناعي بديلاً عنهم.

وأضاف جميس كلاس ” نحن نأمل أن نقدم نموذجًا كاملًا من التحليل، كما أن المريض ليس مع الطبيب طوال الوقت. يمكن للمستخدم (المريض) أن يسجل ملاحظاتٍ يومية عبر هاتفه الذكي والذي بدوره سيساعد الآلة على اكتشاف أي تغيير،  وستساهم في تنبيه المستخدم بضرورة مراجعة الطبيب. كما أن الهدف من هذه التقنية ليست اتخاذ القرارات بدلًا من الطبيب إنما هي المساعدة في عملية التشخيص”