الصحة الجيدة

ازدحامٌ غير مسبوقٍ في سوق أدوية مرض السرطان!

في مشفى الأطفال العالمي الشهير في شارع Great Ormond في لندن، تبدو الدكتورة كارين ستراتوف متحمسةً حيال علاجٍ جديدٍ قائمٍ على الخلايا، يجدد الأمل في علاج الأطفال من مرض السرطان الخاص بالأنسجة العصبية، والذي لم تنفع معه الرعاية الطبية الاعتيادية.

الدواء الجديد الذي تستخدم فيه خلايا الدم البيضاء المصممة هندسيًا، التي أبدت نشاطًا مضادًا للأورام، أثبت نجاعته في علاج أصعب حالات أورام الخلايا العصبية، ممّا شجع العديد من الشركات الدوائية على تصنيعه.

وتقول ستراتوف لرويترز بعد عرض النتائج التي توصلت إليها في اجتماعٍ علميٍ عُقد في شيكاجو منتصف أبريل/نيسان الماضي: “الرائع في العلاج أنه محددٌ للغاية، إذ يستهدف الخلايا السرطانية ويترك الأنسجة السليمة دون أذى.. إنه خطوةٌ مهمةٌ نحو الأمام”.

وتبدو شركة Autolus، وهي شركةٌ بريطانيةٌ صغيرةٌ تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية وتطوير المضادات الكيميائية، متحمسةً بنفس القدر، وتخطّط لإدراج ذلك الدواء ضمن خطتها القادمة، رغم أنها –في الواقع- تبدو بعيدةً تمامًا عن إنتاج هذا النوع من العلاجات الذي يُدعى CAR-T، والذي يعدّ واحدًا من أكثر أبحاث الأدوية خطورة اليوم.

ولا تتدفق الدولارات في مجال التكنولوجيا الحيوية من أوروبا والولايات المتحدة فحسب، بل من الصين أيضا، التي تباهي بأنها تتفوق على الولايات المتحدة، بامتلاكها 162 اختبارًا سريريًا لدراسة CAR-T، وفقًا لآخر تحليل بياناتٍ صادرٍ عن رويترز.

ومع وجود أكثر من ألفي دواءٍ في مجال العلاج المناعي للسرطان، لم يكن المشهد التنافسي أكثر ازدحامًا من اليوم، حيث تسعى كل شركةٍ إلى إصدار أدويةٍ خاصةٍ بها، قد تكون متماثلةً في كثيرٍ من الأحيان، علمًا بأن صناعة أدوية السرطان تشكّل اليوم ما يعادل 34,1% من إجمالي خطوط إنتاج صناعة الأدوية، بينما كانت لا تتعدى 26,8% عام 2010، كما يجري الباحثون تجارب على أكثر من 5200 عقارٍ للسرطان، بزيادةٍ قدرها 7,6% عن العام الماضي، وفقًا لقاعدة بيانات Pharmaprojects.

مزيدٌ من الانضباط

قدمت شركتا Novartis “NOVN.S” وGilead Sciences “GILD.O””، أوّل علاجين من نوع CAR-T، حازا على موافقة المركز الأمريكي لعلاج سرطان الدم النادر العام الماضي، ليتحوّل حلم علاج بعض الأنواع القاتلة من مرض السرطان إلى حقيقةٍ قد تغيّر حياة الكثير من الناس، ولكن، مع هجوم عددٍ كبيرٍ من شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية نحو هذا العلاج، وتدفّق المنتجات المتماثلة، أصبح من الصعب على المستثمرين اختيار الشركات التي ستحقق النجاح التجاري.

وفي هذا الصدد يقول نعمان حقي، رئيس قسم علوم الحياة في بنك Silicon Valley  بلندن، الذي يوفر التمويل للمشاريع الناشئة والمغامرة:

“المزيد من المنافسة تعني أنه يجب أن تكون أكثر حذرًا.. إن فرضية الاستثمار التقليدية في مجال التكنولوجيا الحيوية هي أن يكون لديك دواءٌ متميزٌ عن منافسيك، مما يساعد على زيادة الأرباح، ولكنّ المشكلة هنا أنه حتى إذا كانت هناك فائدةٌ كبيرةٌ للمرضى، فهناك أسئلةٌ حول المدة التي ستستثمر فيها ميزانيتك وما هي طريقتك التجارية”.

رؤساء الشركات الدوائية بدورهم، ليسوا غافلين عن هذه القضية، رغم أن كلًا منهم يأمل في إيجاد صيغةٍ رابحةٍ في العلاج المناعي، وهو الجزء الأسرع نموًا في سوق أدوية السرطان، التي تبلغ تكلفتها 100 مليار دولارٍ في العام، ويتوقع أن تبلغ مبيعاتها نحو 25 مليار دولارٍ بحلول عام 2021، وفقًا لتوقعاتٍ تحليليةٍ جمعتها رويترز.

ويتوقع سيفيرين شوان، المدير التنفيذي لشركة ROG.S، التي تعتبر الأولى على مستوى العالم في إنتاج أدوية السرطان، أن تشهد شركته تراجعًا هائلًا، في حين يحذر إلياس زرهوني، رئيس الأبحاث السابق في شركةSASY.PAK ، من أن المنتجات المتماثلة ستؤدي إلى عزوف صنّاع الأدوية عن الاستثمار في هذا المجال، وهو ما يوافق عليه أيمن شلبي، كبير الأطباء في معهد أبحاث السرطان غير الربحي بقوله: “لقد تناقص الابتكار بشكلٍ كبيرٍ، ونحن نشهد عددًا كبيرًا من الشركات التي تقلد بعضها في المنتجات”.

الخبر السار للمجتمع هو أن المرضى سيكتشفون نجاعة العلاج، بشكلٍ أسرع بكثيرٍ مما كان عليه الحال في الماضي، ولكن هذا يعني أن الأطباء يمكن أن ينتقلوا إلى البدائل بسرعة، مما يؤدي إلى زيادة حجم المنتجات المتشابهة وعدم اليقين بشأن المبيعات المستقبلية.

الدراسات التركيبية

قبل 20 عامًا، عندما أطلقت شركة Roche أدوية السرطان الحديثة من نوع Herceptin و Rituxan، بقيت لسنواتٍ عديدةٍ دون منافسين، أما اليوم، فهناك إصداراتٌ متعددةٌ من العقاقير الجديدة التي تستهدف المسارات الجزيئية، مع أسماء تجارية مثل: PD-1/L1  وPARP  وCDK، إضافةً إلى CAR-T.

وعن ذلك يقول بول ماجور، مدير الاستثمار في شركة BBH.L: “إما أن تكون الأول أو تكون الأفضل، فالأمر أصبح سباقاً”، كما تشعر ليديا هاوتر، مديرة شركة Pictet Asset  بالحذر، مشيرةً إلى أن هناك الآن 5 أدويةٍ في السوق من نوع PD-1، والقادم سيكون أكبر.

ويحاول بعض صانعي الأدوية الذين فاتتهم الموجة الأولى من PD-1، كشركتي GSK.L وNovartis، تحقيق بعض الفوائد عبر التطلع إلى المرحلة التالية من العلاج المناعي للسرطان، وخاصة الأدوية المركبة، ولكن فشل دراسة دواءٍ تركيبيٍ باستخدام عقارٍ من الجيل التالي منPD-1  الشهر الماضي، يدل على أن إضافة عاملٍ جديد، قد لا يُعتبر ضربةً قويةً في مجال الأدوية المعززة للمناعة.

ونعود إلى مشفى شارع Great Ormond، حيث لا تبدي الدكتورة ستراتوف قلقها إزاء تشابه الأبحاث، بل تركز في مسألة الحصول على علاجاتٍ فعالةٍ بأسعارٍ معقولة، وهي تأمل أن تؤدي عمليات الإنتاج الآلية السريعة في النهاية إلى خفض أسعار الأدوية المرتفعة.