التصنيفات: بيئة ومناخ

إعادة تكرير المياه بين الاشمئزاز والضرورة

في مدينة فوونتين فالي بولاية كاليفورنيا، تتدفق حنفية من المياه الصافية المتلألئة لتنساب في كوب من البلاستيك، بعد أن كانت قبل 45 دقيقة فقط عبارة عن مياه متدفقة من أنابيب إحدى مصانع معالجة مياه الصرف الصحي المجاورة لمقاطعة أورانج، ففي هذا المصنع المتخصص، تمر المياه من خلال عدة مراحل تنقية، مما يجعلها تصبح أنظف من أي مياه يمكن أن تتدفق من أي صنبور منزلي، أو أي مياه موجودة في قوارير المياه التي تحمل علامات تجارية معينة.

بحسب (مايك ماركوس)، المدير العام لمنطقة المياه في المقاطعة، هذا المصنع يقوم بتخليص المياه من كل الشوائب ولا يبقي إلّا على 2H و O، وأضاف “من غير المبالغ به إذا جزمت بأن هذه المياه لا تحتوي على أي نكهة على الإطلاق”.

فيما تكافح ولاية كاليفورنيا للبحث عن طريقة للتعامل بها مع موجة الجفاف الخانقة والقيود المائية الإلزامية التي قام بفرضها حاكم الولاية (جيري براون) الشهر الماضي، بدأت مجموعة من الأفكار التي كان قد تم رفضها على اعتبار بأنها مثيرة للجدل، أو مكلفة، أو غير ناجعة، تحصل على فرصة ثانية لإعادة النظر فيها، وقد كان هناك فرضيتين أساسيتين يمكنهما أن تلخصا جميع الأفكار المطروحة، إحداهما تتمثل بالحفاظ على المزيد من المياه، والأخرى تتمثل بتحويل المصادر القريبة والوفيرة من المياه، مثل مياه المحيط الهادئ، إلى مياه قابلة للشرب من خلال تحلية مياه البحر، ولكن كان هناك فكرة ثالثة تتمحور حول إعادة تدوير المياه التي كانت قد استخدمت بالفعل في كاليفورنيا، وهنا يكمن تحدي تسويق هذا النوع من المياه، الذي قد يفوق حتى تحدي إيجاد التكنولوجيا الملائمة لتطبيق هذه الفكرة.

تعتبر تقنية إعادة تدوير المياه أمراً شائع في استخدامات عديدة مثل الري، حيث أن الأنابيب الأرجوانية توصل المياه في العديد من مدن كاليفورنيا إلى ملاعب الجولف وحدائق الحيوان والمزارع، كما تنتج منطقة مياه بلدية الحوض الغربية -والتي تخدم 17 مدينة في جنوب غرب مقاطعة لوس انجلوس- خمسة أنواع من المياه “المصممة” لهذا النوع من الاستخدامات كالري وأبراج التبريد والمراجل.

وعلى مستوى القاعدة الشعبية بدأ العديد من النشطاء بتشجيع سكان كاليفورنيا للاحتفاظ  “بالمياه الرمادية” التي تنتج من مصارف الحمامات، ومياه الاستحمام، وأحواض المياه، والغسالات، لاستخدامها في ري النباتات والحدائق في منازلهم.

ولكن مع ذلك فإن تحريض الأشخاص على شرب المياه المعاد تدويرها يتطلب منهم أن يتخطوا ما يسميه الخبراء بعامل “الاشمئزاز”، ففي تسعينيات القرن الماضي أحبطت الجهود الرامية لإعادة استخدام المياه في سان دييغو ولوس أنجلوس من قبل الناشطين الذين استنكروا هذا العمل ووصفوه بـ”نقل مياه الحمامات إلى الصنابير”، وعلى الرغم من أن ولاية لوس انجلوس قامت ببناء محطة لتنقية المياه بلغت تكلفتها حوالي 55 مليون دولار في تلك الفترة، إلّا أنه لم يتم استخدامها لإنتاج مياه الشرب، بل اقتصر استعمالها فقط على إنتاج الماء للري بدلاً من ذلك.

ولكن محطة التنقية التي لا تزال تعمل منذ عام 2008 وحتى الآن، استطاعت إقناع سكان مقاطعة أورانج بفكرة التحول لشرب المياه المعاد تدويرها، والجدير بالذكر بأن المقاطعة لا تقوم بضخ المياه النقية مباشرة إلى محطات معالجة مياه الشرب، بل بدلاً من ذلك، تقوم بضخ المياه إلى الطبقات الجوفية لتجديد مخزون المياه الجوفية في المنطقة، ولكي تمتزج هذه المياه المكررة مع إمدادات المياه الطبيعية، كما أن هذا التخزين المؤقت في البيئة يوفر عازل عاطفي من عامل الاشمئزاز لدى المستهلكين أيضاً.

أشار السيد (ماركوس) إلى أنه تم افتتاح المصنع الذي وصلت تكلفته إلى حوالي 481 مليون دولار خلال فترة الجفاف السابقة، وأضاف أنه كان بمثابة حل عبقري في تلك الفترة، ولكن الوقت قد حان من جديد، ففي خضم موجة الجفاف الحالية، قامت المقاطعة بإنجاز توسعات بلغت تكلفتها 142 مليون دولار من شأنها أن تزيد قدرة المصنع بأكثر من 40%، وتجعله ينتج حوالي 100 مليون جالون مياه يومياً، وبجزء صغير من تكلفة استيراد المياه أو تحلية مياه البحر، ومن المقرر أن يتم توسيع إنتاج المصنع ليبلغ 130 مليون جالون يوميا فيما بعد.

حالياً هناك العديد من المحاولات لإنتاج المياه المعادة التدوير في مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك المدن الجافة في ولاية تكساس التي تقوم بضخ المياه المعالجة مباشرة عبر الأنابيب إلى إمداداتها من المياه.

حالياً أصبحت ولاية لوس انجلوس على استعداد للمحاولة مرة أخرى، حيث أنها قامت بوضع خطط لتوفير ربع احتياجات المدينة بحلول عام 2024 من خلال المياه المعاد تدويرها وإعادة توجيه مياه الأمطار نحو طبقات المياه الجوفية، وتبعاً لـ(مارتي آدمز)، الذي يرأس شبكة المياه في وزارة لوس انجلوس للمياه والطاقة، فإن الفرق بين المشروع الحالي والمحاولة التي قامت بها الولاية في عام 2000 هو أن جميع الأشخاص أصبحوا الآن يريدون لهذا المشروع أن يتحقق.

تشمل عمليات تنقية المياه في مقاطعة أورانج ومعظم المصانع الأخرى التي تعمل على تنقية المياه على وجود فلاتر دقيقة تخلص المياه من أي شيء أكبر من 0.2 ميكرون، وهذا يكفل تخليص المياه من جميع المواد الصلبة، والبكتيريا، والطفيليات.

بعد ذلك يأتي دور عملية التناضح العكسي، والذي يتم فيه إجبار المياه على العبور عبر غشاء يزيل ما يمكن أن يكون قد تبقى من الشوائب فيها، بما في ذلك الفيروسات والمستحضرات الدوائية والمعادن الذائبة، ومن ثم يتم تعريض المياه لضوء قوي من الأشعة فوق البنفسجية والقليل من بيروكسيد الهيدروجين لضمان توفير تطهير أكبر وتحييد المركبات الكيميائية الصغيرة الأخرى.

ولكن، وبعد ذلك كله، تجد 13% من البالغين الأميركيين يقولون بأنهم يرفضون تماماً حتى ولو محاولة تذوق المياه المعاد تدويرها، وذلك وفقاً لدراسة حديثة تم نشرها في مجلة (Judgment and Decision Making)، كما أنه وتبعاً لـ(بول روزين)، وهو أستاذ في علم النفس في جامعة ولاية بنسلفانيا، فإن هناك أقلية صغيرة من الأشخاص الذين قد يعتبرون ذلك بمثابة إهانة بالنسبة لهم، وهذا قد يبطئ أو حتى يؤدي إلى وقف إنتاج مياه الشرب المعادة التدوير بسبب السلطات القانونية والسياسية التي قد يمتلكونها.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير