إسحاق نيوتن: الفيلسوف، عالم الفلك، الفيزياء، والرياضيات، وأحد أعظم العقول في العالم

طفولته

يعتبر السير إسحق نيوتن (1642م-1727م)، وهو عالم رياضيات وفيزياء، أحد أعظم العقول العلمية في القرن السابع عشر؛ نيوتن، الذي ولد في لينكولنشاير، كان الإبن الوحيد لمزارع محلي ثري توفي قبل ولادة نيوتن بثلاثة أشهر، وكان يدعى إسحاق نيوتن أيضاً.

عندما بلغ نيوتن عامه الثالث، تزوجت والدته هانا ايزكوف نيوتن مرة ثانية، وانتقلت للعيش مع زوجها الجديد تاركة نيوتن الصغير ليعيش مع جدته، وهذه التجربة تركت بصمتها التي لم تمح في شخصية نيوتن، وتجلت فيما بعد بشعوره الحاد بانعدام الأمان.

أولى مراحل تعليمه

إلتحق نيوتن بمدرسة الملك في غرانثام في، وهي مدينة في لينكولنشاير، ما بين الثانية عشر والسابع عشر، وهناك تعرف على العالم السحري للكيمياء، ولكن والدته أخرجته من المدرسة لأنها كانت تريد له أن يعمل كوالده في مجال الزراعة، إلّا أن نيوتن شعر بالإحباط نتيجة لذلك لأنه كان يرى أن الزراعة عمل رتيب للغاية، ولكنه سرعان ما أُعيد إلى المدرسة لتبدأ الطلائع الأولى للعبقري بالظهور.

في الجامعة

في عام 1661 التحق نيوتن بجامعة كامبريدج، وفي ذلك الوقت، كانت الثورة العلمية للقرن السابع عشر في أوجها، حيث كانت نظرية مركزية الشمس، التي جاء بها علماء الفلك أمثال كوبرنيكوس وكبلر وغاليلو، معروفة جداً في مختلف أنحاء أوروبا، وكان الفيلسوف رينيه ديكارت قد بدأ في صياغة مفهوم جديد للطبيعة على أنها آلة معقدة، غير شخصية وغير خاملة، ولكن، وكمثل معظم الجامعات في أوروبا آنذاك، كانت جامعة كامبردج ما تزال تعتمد الفلسفة الأرسطية وتعتبر الأرض مركز الكون، وتتعامل مع الطبيعة من الناحية النوعية بدلاً من الناحية الكمية.

خلال سنواته في كامبريدج، كان نيوتن يدرس المنهاج القياسي، ولكنه كان مفتوناً بالعلوم المتقدمة، لذلك كان ينفق كامل وقت فراغه في قراءة كتب الفلاسفة الحديثين، وعلى الرغم من أن نتائجه في الجامعة كانت ضعيفة، إلّا أن هذا كان أمراً مفهوماً، وخاصة عند النظر إلى مساره المزدوج في الدراسة، وخلال هذه الفترة كان نيوتن قد خرج بمجموعة ثانية من الملاحظات، بعنوان “Quaestiones Quaedam Philosophicae” (بعض المسائل الفلسفية)، وهي تكشف عن أن نيوتن اكتشف مفهوم جديد عن الطبيعة، وفّر الإطار للثورة العلمية.

بعد التخرج

بعد إنقطاعه عن الجامعة بسبب تفشي مرض الطاعون في عام 1665، عاد نيوتن إلى كامبريدج لينتخب كزميل مساعد في كلية ترينيتي (الثالوث) في 1667، ومن ثم شغل الكرسي اللوكاسي في الرياضيات في 1669 (نسبة إلى هنري لوكس، والذي شغله من بعده العديد من الفيزيائيين والرياضيين البارزين مثل بول ديراك وستيفن هوكينغ)، وبعد إعفائه من التعليم، بقي في الجامعة، لإلقاء المحاضرات حتى عام 1696.

أعماله الأولى

وصف نيوتن السنوات التي قضاها في كامبريدج، والتي كان فيها في ذروة قوته الإبداعية، وخاصة ما بين عامي 1665-1666، بأنها سنوات “مقتبل الاختراع” لديه، وخلال سنتين إلى ثلاث سنوات من الجهد الذهني الشديد، استطاع نيوتن إعداد بحثه الأشهر “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية”، والذي طرح فيه قانون الجاذبية بين الأجسام على الأرض وكذلك بين الأجسام في السماء، موحداً بذلك ما بين علم حركة الأجسام الأرضية والسماوية، رغم أنه لم ينشر حتى عام 1687.

نيوتن وعلم البصريات

أثناء الفترة التي كُلف فيها نيوتن لإلقاء المحاضرات, اختار تقديم عمله في البصريات كأول موضوع، وكان جزء من دراسة نيوتن للبصريات مدعوماً باستخدام مقراب “تلسكوب” عاكس كان قد صممه بنفسه في عام 1668، وهو أول الإنجازات العلمية العامة الكبرى له، وقد ساعده هذا الاختراع على إثبات نظريته عن الضوء واللون، وقد طلبت منه الجمعية الملكية تقديم شرح لمقرابه العاكس في 1671, وقامت المنظمة بنشر ملاحظاته عن الضوء والبصريات واللون في 1672، وتم نشر هذه المذكرات فيما بعد كجزء من كتابه “البصريات: أو أطروحة عن انعكاسات، انكسارات، التواءات، وألوان الضوء” (Opticks: Or, A treatise of the Reflections, Refractions, Inflexions and Colours of Light).

مع ذلك، لم يكن كل من في الأكاديمية الملكية متحمساً بشأن اكتشافات نيوتن في البصريات، فقد واجه نيوتن بعض المعارضين له، مثل روبرت هوك، وهو أحد أعضاء الأكاديمية الملكية، حيث افترض نيوتن في ورقته أن الضوء الأبيض يتكون من كل ألوان الطيف وأن الضوء يتكون من جسيمات, بينما كان هوك يعتقد بأن الضوء يتكون من موجات، ولم يكن هوك العقبة الوحيدة لنيوتن في عمله بالبصريات, فقد أثار العالم الدنماركي الشهير كريستيان هيوجينز وعدد آخر من العلماء الاعتراضات أيضاً على عمله، ولكن نظراً لارتباط هوك بالجمعية الملكية وعمله في مجال البصريات، فقد حمل انتقاده أسوأ تأثير على عمل نيوتن، ولعدم قدرته على التعامل مع النقد ، فقد ثار نيوتن غضباً، واستمر رد فعله هذا على الانتقادات طوال حياته.

نيوتن وتفاحة الجاذبية

استمر التنافس بين نيوتن وهوك لعدة سنوات بعد ذلك، وأصيب نيوتن بانهيار عصبي كامل في عام 1678, كما تسببت وفاة والدته في العام التالي في جعله أكثر عزلة، مما أدى لانسحابه لمدة ست سنوات، وخلال عزلته، عاد نيوتن إلى دراسته للجاذبية وآثارها على مدارات الكواكب، والمفارقة، تتمثل بأن من دفع نيوتن إلى الاتجاه الصحيح في هذه الدراسة هو روبرت هوك.

 

وفي هذا السياق، فلا بد من أن معظمنا قد سمع عن القصة الأكثر شهرة في التاريخ العلمي، والتي تروي قصة الشاب إسحاق نيوتن عندما جلس تحت شجرة التفاح ليفكر في الكون الغامض، وفجأة سقطت تفاحة وضربته على رأسه، وعندها، صرخ نيوتن آها!، وخلال لحظة فهم أن القوة ذاتها التي جعلت التفاحة تسقط نحو الأرض، هي أيضاً التي تمنع القمر من السقوط نحو الأرض، وتمنع الأرض من السقوط نحو الشمس، أي أنه اكتشف الجاذبية، ولأخذ العلم فقط فإنه وتبعاً لأرشيف الجمعية الملكية في لندن فإن قصة التفاحة هي حقيقية، ففي المخطوطة التي أصبحت السيرة الذاتية لنيوتن والتي كانت بعنوان “مذكرات حياة السير إسحاق نيوتن” بقلم وليام ستثكلي، وهو عالم آثار وأحد كتاب سيرة نيوتن الأوائل، كتب ستثكلي:

“بعد العشاء، وفي يوم كان الطقس فيه حاراً، ذهبنا إلى الحديقة لاحتساء الشاي، تحت ظل بعض أشجار التفاح، … وقال لي، كنت جالساً بذات الوضعية عندما جاءت فكرة الجاذبية إلى عقلي، وقد حفزه سقوط التفاحة على رأسه بينما كان جالساً في مزاج تأملي على التفكير بموضوع الجاذبية، حيث تساءل في نفسه: لماذا يجب أن تسقط التفاحة دائماً بشكل عمودي على الأرض؟”.

بعد سنوات من العمل المضني، تمخض عمله عن بحثه الأشهر “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية”، وزادت شهرة نيوتن الدولية، وأصبح أكثر انخراطاً في الشؤون العامة، كما ساعد في قيادة المقاومة لمحاولات الملك جيمس الثاني لإعادة تأسيس التعاليم الكاثوليكية في جامعة كامبريدج في عام 1689، ولذلك تم انتخابه كعضو في مجلس النواب عن جامعة كامبردج في البرلمان، والجدير بالذكر أنه تولى هذا المنصب مرة أخرى في الفترة الممتدة ما بين عامي 1701-1702، أما في عام 1696، وبعد أن انتقل إلى لندن فقد تولى منصب مدير دار سك العملة الملكي ليصبح رئيس دار سك العملة الملكية في عام  1699، وهو المنصب الذي شغله نيوتن حتى وفاته، كما انتخب زميلاً في الجمعية الملكية في لندن في 1671، وفي 1703 أصبح رئيساً لها، وجرى بعد ذلك إعادة انتخابه سنوياً لبقية حياته، وفي عام 1705 ، منحته الملكة آن ملكة إنجلترا لقب فارس أو “سير”.

وفاته

مع تزايد قبول أفكار نيوتن، وخاصة بعد أن تم استعادة السلام في العام في 1714، في أعقاب الحرب الإسبانية، أصبح نيوتن الفيلسوف الطبيعي الأكثر احتراماً في أوروبا، وقد قضى عقده الأخير في مراجعة أعماله الرئيسية، وتنقيح دراساته في التاريخ القديم، والدفاع عن نفسه ضد الانتقادات، وذلك بالتأكيد فضلاً عن تنفيذه لمهامه الرسمية.

كان نيوتن رجلاً متواضعاً، خجولاً، وذو ذوق بسيطة، ولكنه كان سريع الغضب تجاه النقد أو المعارضة، وكان قاسياً تجاه أعدائه ولكنه سخي مع أصدقائه، وقد استطاع إثبات كفاءته في الحكومة، وفي الجمعية الملكية، والجدير بالذكر أنه لم يتزوج أبداً وعاش عيشة متواضعة إلى أن توفي وتم دفنه وسط مراسم عظيمة في كنيسة وستمنستر.

بعد الوفاة

زادت شهرة إسحاق نيوتن أكثر بعد وفاته، واعتبره العديد من معاصريه أعظم العباقرة على الإطلاق، ورغم ما يحمله هذا اللقب من مبالغة، غير أن اكتشافاته كان لها كبير الأثر على الفكر الغربي، مما أدى إلى مقارنته بعمالقة الفكر أمثال أفلاطون وأرسطو وغاليليو، واعتباره المؤسس الأول لعلم الفيزياء الحديث منذ حوالي 300 عاماً.

أخيراً، يصادف اليوم الرابع من شهر كانون الثاني ذكرى ولادة السير اسحاق نيوتن، وتم تخليد ذكرى ولادته الـ367 من خلال الصورة التالية التي أصدرها (جوجل):