“أوراق نباتات اصطناعية” لتوليد الوقود الهيدروجيني

قام العلماء بتطور شريحة موصلة للكهرباء مستوحاة من عملية كيميائية تقوم بها أوراق النباتات، وذلك على أمل أن يساعد هذا الاكتشاف في تمهيد الطريق أمام ظهور أجهزة قادرة على تسخير أشعة الشمس لفصل الماء وإنتاج الوقود الهيدروجيني، حيث أنه عند تطبيقها على مواد شبه موصلة مثل السيليكون، فإن شريحة أكسيد النيكل تعمل على منع تراكم الصدأ وتسهل إحدى العمليات الكيميائية المهمة التي تؤدي إلى إنتاج الوقود مثل الميثان أو الهيدروجين من خلال الأشعة الشمسية.

تبعاً لـ(نيت لويس)، وهو أستاذ كيمياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والمؤلف المشارك في هذه الدراسة الجديدة التي تم نشرها في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، فقد تم تطوير نوع جديد من الطبقات الواقية التي تساعد على القيام بإحدى العمليات الرئيسية التي تؤدي إلى إنتاج الوقود بمساعدة الأشعة الشمسية، حيث تعمل هذه الطبقة على ضمان كفاءة واستقرار وفعالية العملية، كما تؤدي إلى انتاج نظام آمن في جوهره لا يتضمن مزيج متفجر من الهيدروجين والأكسجين.

هذا التطوير الذي أجراه العلماء يمكن أن يساعد في الحصول على نظام اصطناعي لعملية التمثيل الضوئي – ما يدعى أيضاً بالوقود المولَّد عن طريق الشمس أو “الأوراق الاصطناعية” – أكثر آماناً وكفاءة، ويمتلك القدرة على تكرار العملية الطبيعية لعملية التمثيل الضوئي التي تستخدمها النباتات لتحويل ضوء الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين ووقود بشكل كربوهيدرات أو سكريات.

تتكون الورقة الاصطناعية من ثلاثة عناصر رئيسية هي: قطبين – وهما المصعد الضوئي والمهبط الضوئي- وغشاء، حيث يقوم المصعد الضوئي باستخدام أشعة الشمس لأكسدة جزيئات الماء وتوليد غاز الأكسجين والبروتونات والإلكترونات، في حين يعيد المهبط الضوئي تركيب البروتونات والالكترونات لتشكيل غاز الهيدروجين، أما الغشاء والذي يكون عادة مصنوع من البلاستيك، فيعمل على إبقاء الغازين منفصلين عن بعضهما من أجل استبعاد أي احتمال لحدوث انفجار، ويسمح بالتقاط الغاز تحت الضغط ودفعه بأمان إلى خط الأنابيب.

حاول العلماء بناء أقطاب من أشباه الموصلات الشائعة مثل السيليكون أو الغاليوم، والتي تمتص الضوء وتُستخدم أيضاً في لوحات الطاقة الشمسية، ولكن المشكلة الرئيسية في هذه المواد كانت بأنها تشكل طبقة من الأكسيد (أي ما يعرف بالصدأ) عند تعرضها للماء، ولذلك قام (لويس) وزملاؤه من العلماء بإجراء الكثير من التجارب لتطوير غلاف واقي للأقطاب، ولكن جميع محاولاتهم السابقة فشلت لأسباب مختلفة.

يشير (لويس) بأنه كان هناك العديد من الأشياء التي يتوجب على الغلاف امتلاكها، حيث يجب أن يكون متوافقاً من الناحية الكيميائية مع أشباه الموصلات التي يحاول أن يحميها، وكتيم للماء، وموصل للكهرباء، وشفاف للغاية بحيث يسمح للضوء بالوصول إلى الأقطاب، ومحفز قوي للتفاعل الذي يؤدي إلى إنتاج الأوكسجين والوقود، وعلى الرغم من أن الوصول إلى إنتاج مادة تستطيع توفير إحدى هذه الشروط فقط قد يكون قفزة نوعية نحو الأمام، إلّا أن ما اكتشفه العلماء هنا هو مادة يمكنها أن توفر جميع تلك الشروط مرة واحدة.

بيّن الفريق أن غشاء أكسيد النيكل يمكنه أن يكون متوافقاً مع العديد من الأنواع المختلفة للمواد شبه الموصلة، بما في ذلك السيليكون وفوسفيد الإنديوم وتيلوريد الكادميوم، وعند تطبيق هذه المادة على المصعد الضوئي، كان أداء غشاء أكسيد النيكل يفوق أداء الأغشية الأخرى المشابهة، حيث أن هذا الغشاء يتكون من طبقتين عوضاً عن واحدة ويستخدم ثاني أكسيد التيتانيوم كعنصر رئيسي في تركيبته (TIO2، المعروف أيضاً باسم تيتانيا)، وهو مركب طبيعي يستخدم أيضاً في تصنيع الواقيات الشمسية ومعاجين الأسنان والطلاء الأبيض.

تبعاً لـ(كيه صن)، وهو زميل ما بعد الدكتوراة في مختبر (لويس)، والمؤلف الرئيسي للدراسة جديدة، فإنه بعد مراقبة المصاعد الضوئية وهي تعمل في أداء قياسي من دون أي تدهور ملحوظ لمدة 24 ساعة، ومن ثم لمدة 100 ساعة، وبعد ذلك لمدة 500 ساعة، كان من الواضح أنهم استطاعوا حل ما عجز العلماء عن فعله من قبل.

طور فريق (لويس) تقنية لخلق غشاء من أكسيد النيكل من خلال تحطيم ذرات من الأرجون إلى كريات من ذرات النيكل بسرعات عالية وفي بيئة غنية بالأوكسجين، وبحسب (لويس) فإن شظايا النيكل التي خرجت عند تتفاعل الكريات مع ذرات الأكسجين هي ما أنتج شكل مؤكسد من النيكل توضع في النهاية على أشباه الموصلات.

في النهاية فإن غشاء أكسيد النيكل الذي طوره الفريق عمل بشكل جيد بالتعاون مع الغشاء الذي يفصل المصعد الضوئي عن المهبط الضوئي ويزيح نواتج غازات الهيدروجين عن الأوكسجين، حيث أنه تبعاً لـ (لويس) فإنه بدون هذا الغشاء، ستحدث انفجارات كارثية اذا اصطدمت جزئيات الهيدروجين مع الأوكسيجين التي يتم توليدها في ذات المكان، ولكن مع  وجود الغلاف فإنه يمكن بناء أجهزة آمنة غير معرضة للانفجار، ويمكن أن تعمل بفعالية ولوقت طويل.

مع ذلك يحذر (لويس) من أن العلماء ما يزالون بعيدين عن تطوير منتج تجاري يمكنه تحويل ضوء الشمس إلى وقود، حيث أنه لا يزال هناك مكونات أخرى للنظام، مثل المهبط الضوئي، تحتاج لأن يتم معالجتها أيضاً، ولكنه يشير إلى أن العلماء يعملون على تطوير المهبط الضوئي أيضاً، وبعد ذلك لن يكون هناك سوى جمع كل المكونات معاً وإظهار أن النظام بأكمله يعمل بشكل جيد.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير