الصناعة والإبتكار

وظائف المستقبل وأسواق العمل المستقبلية ستقصي العمال الجامعيين

تنويه: هذا المقال مترجم عن موقع أمريكي، لذلك فإن أغلب البيانات الواردة فيه تتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية.

قد يخالفنا السياسيون بالرأي، ولكن البيانات تشير إلى أن أفضل أيامنا أصبحت من الماضي، حيث أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لم يتجاوز الـ1.2% في الربع الأخير، وهذا المعدل بعيد كل البعد عن وتيرة النمو السنوي الحثيث الذي كان يصل إلى 3% والذي جلب معه الازدهار والأمن لعقود من الزمان.

أحد الأسباب الهيكلية الرئيسية لتباطؤ النمو هو أن قوة العمل آخذة في التقلص، وذلك نظراً لأن المجتمع يتحول إلى مجتمع لكبار السن ولتخلي الفئة العمرية القادرة على العمل عن البحث عن وظائف بسبب سخطهم من الوضع المتردي، وعلى الرغم أنه في الماضي كان بالإمكان تعويض قلة عدد العمال من خلال تحسين جودة عملهم، وإرسال المزيد من الأشخاص إلى الكليات، ولكن وفقاً لبحث جديد، فإن التعليم العالي لم يعد يدر الفوائد ذاتها من الناحية الاقتصادية.

هناك ثلاثة أمور رئيسية تحدد معدل النمو الاقتصادي، وهي رأس المال (آلات جديدة وحواسيب وما شابه ذلك)؛ العمال (سواء من حيث عدد العاملين ونوعية مهاراتهم)؛ والتكنولوجيا (التي يمكنها زيادة انتاجية رأس المال والعمال الموجودين)، وذلك بالإضافة إلى أن تغذية وتطوير أي من هذه الأمور يمكن أن يزيد أيضاً من معدل النمو، ولكن إلى حد معين فقط.

في اقتصاد يستخدم فيه جميع الأشخاص الآلات الكاتبة، إذا ما تم إعطاء العاملين فجأة أجهزة كمبيوتر جديدة، فإن الاقتصاد سينمو بمعدل أسرع بكثير، والشيء ذاته ينطبق على انتقال الجميع من العمل في مزارع صغيرة إلى وظائف في مصانع كبيرة، والجدير بالذكر أن توظيف الكثير من الأشخاص والآلات في العمل يفسر جزءاً كبيراً من سجل النمو الاقتصادي الصيني السريع في الآونة الأخيرة.

من جهة ثانية، فإن تثقيف العمال يمكن أيضاً أن يجعلهم أكثر قيمة، ويعزز من عوامل الإنتاج الموجودة في الأصل، حيث أن الازدهار الاقتصادي الذي كان حاصلاً في فترة ما بعد الحرب في أمريكا، كان يعود في جزء كبير منه إلى التحاق المزيد من الأشخاص بالكليات.

ولكن عند نقطة معينة، يحدث تناقص في عائدات النمو نتيجة إضافة المزيد من الآلات أو العمال، فعلى سبيل المثال، إنتاجية العامل لن تتضاعف إذا ما تم إعطاؤه جهازي كمبيوتر بدلاً من واحد، ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد (دايل جورجينسون)، بأننا وصلنا إلى هذه النقطة من تناقص العائدات فيما يحص العاملين المتعلمين، أي أن إضافة المزيد من الأشخاص المتعلمين إلى القوة العمل لن يعزز النمو بطريقة يمكن أن تحدث فرقاً بعد الآن.

بحسب أحدث أبحاث (جورجينسون)، التي قام بكتابتها بمساعدة (مون هو) و(جون صامويل)، فإن المشكلة الرئيسية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ببساطة، هي أن هناك عدد قليل جداً من الأشخاص العاملين، وفي الواقع، فإن مشاركة القوى العاملة في الولايات المتحدة ما زالت تتعافى من آثار الأزمة المالية العالمية.

معدل مشاركة القوى العاملة

معظم الشباب الذين خرجوا من سوق العمل هم من الأشخاص غير المتعلمين، وبحسب (جورجينسون) فإن جعل هؤلاء الأشخاص يعملون مرة أخرى هو أمر حاسم لإنعاش النمو، لأنه يؤدي إلى ارتفاع وتيرة توسع الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 2.5% سنوياً، ولكن كيف يمكن القيام بهذا؟ خاصة وأن انتشار الأتمتة والعولمة أديا إلى تقليص عدد الوظائف المتاحة للعمال غير المتعلمين بشكل مطرد.

أحد الحلول يتمحور حول التعليم، فخلال فترة الركود يمكن للعديد من العاطلين عن العمل العودة إلى المدرسة والحصول على درجات تعليمية جيدة، ولكن اليوم، هناك 36% من الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 54 سنة يمتلكون شهادات جامعية تشير إلى أنهم درسوا في الجامعات لمدة أربع سنوات على الأقل، وهذا أعلى من المعدل السابق والذي كان 30% قبل عشر سنوات، لذلك، ووفقاً لتقديرات (جورجينسون)، فإنه بالنظر للحالة الراهنة للتكنولوجيا ورأس المال المستثمر، فإن تحول العمال غير المهرة إلى عمال مهرة لن يفيد الكثير في نمو اقتصاد الولايات المتحدة التي تمتلك بالفعل عدداً كافياً من العمال المتعلمين، وأفضل طريقة لإنعاش النمو، تبعاً لـ(جورجينسون)، هو جعل الأشخاص ذوي المهارات المتدنية الذين تخلوا عن البحث عن وظائف يعودون إلى القوى العاملة.

بحسب أتباع التيار الشعبي، فإن إجبار أرباب العمل على دفع أجور أعلى للعمال من ذوي المهارات المتدنية يمكن أن يحل هذه المعضلة، حيث أن هذا يشجع المزيد من الأشخاص على دخول سوق العمل وزيادة الإنفاق في المجتمعات التي تحتاج إليها، لكن الاقتصاديين يشككون في ذلك، وذلك ينبع من خوفهم من أن الزيادات الكبيرة في الحد الأدنى للأجور سيخفض الطلب على عمال الحد الأدنى، وهذا لن يساعد على زيادة معدل المشاركة في القوى العاملة بما فيه الكفاية.

يشير (جورجينسون)، بأن الأمر الأكثر فعالية سيكون بتعزيز استثمار الشركات – القيام بالمزيد من أعمال البحث والتطوير، وإدخال المزيد من المعدات وتكنولوجيا المعلومات- التي لا تزال أقل من مستوياتها ما قبل الأزمة، وهذا يمكن أن يتم عن طريق وضع قوانين جديدة في صالح الاستثمار واستهلاك الضرائب، حيث أن المزيد من الاستثمارات يعني المزيد من النمو وزيادة قيمة العمل وخلق طلب على جميع أنواع العمال، بما في ذلك تلك التي تتطلب مهارات متدنية، وحتى إن قامت الآلات باستبدال بعض العمال، فإن التأثير الإيجابي على النمو بخلق أسواق جديدة سيولد المزيد من فرص العمل للجميع.

تبعاً لتقديرات (جورجينسون)، فقد كانت زيادة رأس المال واحدة من أكبر محركات النمو الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب، وهو ما يمثل حوالي 50% من النمو خلال تلك الفترة (زيادة جودة العمال شكلت 30%)، ويشير بأن هذا ما سيكون عليه الحال في المستقبل أيضاً.

قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن تحفيز الشركات على الاستثمار في الوقت الذي يتم فيه رفع الضرائب على ما يشتريه المستهلكون لن يساعد في خلق مناخ اقتصادي شعبي، وإذا كان التعليم ليس الإجابة السهلة لتعزيز النمو والحد من عدم المساواة ومعالجة مجموعة العلل الاقتصادية الأخرى، فإن هذا يثير الكثير من الأسئلة الصعبة حول المعتقدات الاقتصادية التي كنا نمتلكها منذ فترة طويلة.

 

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير