TED بالعربي

أثر الفراشة لا يزول .. اليوم الثاني لأبرز حدث معرفي في العالم العربي

تأثير الفراشة مصطلح علمي يُقصد به الفروق الصغيرة التي قد تنتج على إثرها في المدى البعيد فروقات أكبر، تغير نظاماً بأكلمه.

وهذا التعبير المجازي يصفُ تلك الظواهر المرتبطة بحدث أول قد يكون بسيطا في ذاته – كرفرفة جناحات الفراشة – لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع، إلا أن الثابت الوحيد هو أن التأثير حتمي، وأن أصغر الأشياء قادرة على إحداث الأثر.

هذا هو أثر الفراشة، العنوان الذي أختير لقمة Ted بالعربي والتي أقيمت بالشراكة بين Ted ومؤسسة قطر، واختتمت فعالياتها اليوم، قمة كان الهدف منها أن تكون ملتقاً ثقافياً علمياً اجتماعياً ناطقاً بالعربية، تطرح فيه الفكرة بالضاد، وتسرد فيه الرواية بلا قيود، يحكى فيه النجاح ليحفز، والفشل ليصحح، يحكي فيه الشباب واقعهم، منهم.. وإليهم، قمة هدفها الأول أن تعطي الفرصة، لشباب خرجوا من شرنقاتهم للتو، لعل رفيف أجنحتهم يحدث فارقا يغير النظام فيما بعد، لغد أفضل.

واليوم انتهت هذه القمة، بختام يومها الثاني، بعد أن شهد اليوم فعاليات متعددة بدأت بجلسة حوارية تحدث فيها عدد من العلماء والمبتكرين والنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.

بدأت الجلسة الحوارية مع المتحدث الناشط الفلسطيني عدنان بارق الذي سرد قصة عاشها أثرت في نظرته للحياة، رأى فيها أثر الفراشة بعينه، بعد حادث تعرض له حينما أراد استكشاف قرية مهجرة عام 48 وتطورت مضاعافات اصابته من الحادث حتى أصيب بجلطة في الرئة، وتحدث بعد ذلك عن الطريقة التي تغلب بها على الضغط النفسي والظرف الصحي وكيف حولهما إلى حافز دفعه للتركيز على مسار حياته ودراسته، حتى حقق التفوق في أصعب مراحل حياته، حينما جعل من الصعوبات حافزاً له.

‏وفي الخطاب الثاني تحدثت عالمة الروبوتات الأردنية لمى شعشاعة، وسردت قصة حدثت مع أبنها الطالب المدرسي، حينما حاول طرح فكرة مختلفة لمشروع طلب منه في المدرسة، فما كان من المعلمة إلا أن رفضت ذلك، لما فيه من خروج عن معايير التقييم، تقول لمى شعشاعة إن تلك اللحظة فتحت أعينها تجاه مواضع القصور في النظام التعليمي، الذي وجدت فيه قاتلا للشغف والتعلم الفردي والرغبات المختلفة بين الطلاب، وقالت إن أنظمة التعليم التي توحد المخرجات، تشكل عائقا أمام تطور معارف ومكتسبات الطلاب، وتحدثت عن الذكاء الاصطناعي، الذي قالت إنه سيأخذ حيزاً كبيراً من حياة البشر في المستقبل، والواجب علينا محاولة ركب هذا التحول الجديد في حياة البشرية والتوائم معه.

 

وفي الخطاب الثالث تحدث الأردني محمد الشاكر الباحث والمختص في علم الأرصاد الجوية عن قصة حياته، وكيف بدأ شغفه المبكر في علم الأرصاد والطقس وكيف كان دور أسرته في تعزيز وتطوير هذا الاهتمام وتحدث بعد ذلك عن حادث سيول أليم واقع في الأردن عام ٢٠٠٦ توفي على أثره عدة أشخاص، فقرر بعدها أن يبحث عن حل لإنقاذ الأرواح ووجد أن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم وصول المعلومات التي من الممكن أن تحذر الأشخاص المهددين في الوقت المناسب، وبدأ مسيرته في مجال التنبؤ الجوي بافتتاح موقع طقس العرب، حينما كانا يبلغ من العمر 15 عاما بإمكانيات متواضعة جدا، وبدأ الموقع بالتطور حتى أصبح اليوم أحد أشهر المواقع في العالم العربي ويدخل إليه عشرات الملايين الزوار، و ثم تحدث عن التغيرات المناخيه وبين أن التأقلم هو الحل الأمثل للتعامل معها، والتأقلم هو قدرة الافراد والمؤسسات والمدن على التعامل مع حالة الطقس المناخيه عبر أنظمة إنذار مبكر تمكن من اتخاذ قرار وتخطيط مبكر للحفاظ على الأرواح، ثم تحدث عن اختراع من تطويره، يقوم بالتنبؤ الجوي باستخدام الذكاء الصناعي، حيث يعمل هذا الاختراع على أخذ الصور المنشورة في وسائل التواصل الإجتماعي والتأكد من موقعها وتاريخ التقاطها وقراءة حالة الطقس منها
وأكد الشاكر أن الاختراع سيشكل فارقاً في مسألة التنبؤ الجوي وسيسهم في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب لدرء وقوع ضحايا بسبب الكوارث الطبيعية.

ومن الذكاء الاصطناعي في مجال الطقس إلى الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني، حيث تحدث المهندس القطري علي الراشد المتخصص بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني عن اختراعه الذي حصد على أثره جائزة المركز الأول في معرض جنيف العالمي، وتحدث المهندس علي الراشد عن قصة الاختراع التي بدأت حينما لاحظ طول الوقت الذي تقضيه عمليات التفتيش في المطارات، ففكر بطريقة لتوفير الوقت، وانطلقت الفكرة من ايمانه بأن محاجر العيون
تكشف خفايا الإنسان، وتوضح مكامنه، كالشعور بالقلق الذي قد يزداد إن كان الأنسان قد ارتكب خطأ أو جرماً، وهكذا خطرت له فكرة اختراع جهاز يكشف من عيون الشخص شعوره بالتوتر قبل أن تتطور الفكرة ليصبح الجهاز قادراً على اكتشاف الأمراض الوبائية وتعاطي المخدرات، واستمرت مسيرة وتطوير الجهاز حتى باتت أكثر سرعة ودقة، وتم اختباره في عدة أماكن ومؤسسات، واليوم بات الجهاز مستخدماً في المؤسسات الأمنية والجهات الحكومية في دولة قطر، وحصد العديد من الجوائز العالمية، اختراع بدأ من فكرة وعمل حفزه الشغف لتقديم الأفضل، حتى بات انجازا يشهد به على مستوى العالم، هذا هو التجسيد لأثر الفراشة، أثر يبقى يتمدد يُسهم.. لايزول.

 

وأسدل الستار على قمة TED بالعربية بعد أن قدمت إحدى أهم فقرات القمة وأكثرها حضوراً وتفاعلاً من قبل الجمهور، مع فرقة النجم السوري طارق العربي طرقان وأغانيه التي شكلت كلماتها أثر فراشة في حياة الملايين من الشباب العربي، حيث نقشت هذه الكلمات التي كانت تشجع على الفضيلة والشجاعة وتحث على السعي والاستمرار وتنادي بالرفق والخلق في أفئدة النشأ الذي اعتاد سماعها، وألف معانيها، فكبر ينادي بها ويقوي من عزمه بترديدها، ومع أغنية وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق، كانت نهاية هذه الفقرة، وقرب إعلان نهاية هذه القمة، التي أحدثت أثراً، وأوقدت شمعة بالفكر والحوار والعلم، أضاءت نفق حياة الشباب، شمعة كان ضوئها بمثابة أثر الفراشة، أثر ينير دروباً، أثر يبقى ولايزول.

شارك
نشر المقال:
عبد العزيز خرابشة