تعد الولادة المبكرة أكثر الأسباب شيوعا لوفيات الرضع حول العالم بعد الالتهاب الرئوي للأطفال الذين لا يتجاوزوا خمس سنوات من أعمارهم، حيث يموت 15 مليون طفل سنويا قبل الأسبوع 37 من الحمل.
لذلك فكر العلماء في تقنية الرحم الصناعي لإنقاذ حياة الأطفال الرضع من الوفاة بسبب الولادة المبكرة.
ما هو الرحم الصناعي؟
الرحم الصناعي هو كيس بلاستيكي يحمل كل الظروف المماثلة لرحم الأم من السائل الأمنيوسي الذي يسبح فيه الجنين، حيث يتم فيه تزويد الجنين بالأكسجين والمكونات الغذائية التي يحتاج إليها طول فترة الحمل كما يقوم بطرد ثاني أكسيد الكربون ويتم ذلك على درجة حرارة الجسم.
تعد أول براءة اختراع لفكرة الرحم الاصطناعي كانت للعالم ايمانويل جرينبرج عام 1955 ميلادي، وكانت الفكرة عبارة عن تصميم لحزان يحتوي على السائل الأمنيوسي المحيط بالجنين في رحم الأم، وآلة متصلة بالحبل السري، بالإضافة إلى مضخات الدم، والكلى الصناعية، سخان للمياه.
عام 1987، قام العالم كوابارا وفريقه البحثي في جامعة جنتيندو بطوكيو، بأول تجربة علمية في هذا المجال للحفاظ على جنين الماعز في رحم صناعي، وفي هذه التجربة تم استخدام 14 جنين ماعز، واعتمدت فكرة التصميم للرحم الصناعي على إحاطة الجنين بسائل مشابه للسائل الموجود برحم الأم، والتصميم متصل بأكسجين من الخارج، ويتم تصريف الدم من الشرايين السارية وإعادته في الوريد السري، وهذه الفكرة نجحت في بقاء جنين الماعز في عمر 17 اسبوع لمدة ثلاثة أسابيع.
عام 1993، حصل العالم الأمريكي كوبر ويليام على براءة اختراع على نظام آخر للرحم الصناعي ولكنه مختلف عن ما سبق وفي نفس الوقت كان الأهم والأبرز في مجال الأرحام الصناعية.
عام 2017، اكتشف العلماء في مركز الأبحاث للجنين في فيلادلفيا في الولايات المتحدة عن تقنية جديدة معتمدة على كيس حيوي يحتوي على السائل الأمنيوسي مماثل للموجود في رحم الأم. وكانت مدة التجربة أربعة أسابيع على الحملان المبتسرين التي لها عمر بيولوجي يماثل الجنين بشري الذي يبلغ 24 أسبوعاً من الحمل. وذلك للحفاظ على ظروف مستقرة للجنين من الأسبوع 23 إلى الأسبوع 28 من الحمل. وهي فترة الحاجز للأطفال المبتسرين وكانت الأجنة قادرة على تطوير المخ والرئتين والحركة والقدرة على البلع وفتح العيون. وبالتالي قام العلماء بالعمل على تطوير هذا التصميم ليتكيف مع الأجنة البشرية.
عام 2018، قام الباحثون في جامعة ميتشجان بتقييم إذا كان نمو المخ والرئتين يستمر بدون حدوث إصابات خلال الرحم الصناعي أو المشيمة الصناعية التي تحتوي الحملان المبتسرين. عن طريق التصريف وإعادة ضخ الوريد السري لمدة سبعة أيام، ووجدوا أن الرئتين والمخ تنضج بشكل طبيعي. وأيضا تم ملاحظة أن الإصابات التي كانت تنتج عن التنفس الصناعي تم التغلب عليها، وذلك بفضل المشيمة الصناعية.
وأيضا في أسبوع التصميم الهولندي من نفس عام 2018، تم تقديم اقتراح بتصميم تخميني لرحم صناعي للأطفال مبتسرين. حيث كان التصميم بالتعاون بين الباحثين في مركز ماكسيما الطبي وجامعة أيندهوفن للتكنولوجيا.وتم تسمية الجهاز باسم نظام دعم الحياة في الفترة المحيطة بالولادة (Perinatal Life Support System) (PLS). وبدأ التخطيط لتنفيذ الجهاز في أكتوبر 2019، حيث يوفر الجهاز للأطفال المبتسرين البيئة الطبيعية للانتقال إلى حياة جديدة، بحالة بيولوجية مماثلة للحمل داخل رحم الأم. ويتلقى الأطفال الأكسجين من خلال الحبل السري. وبالتالي التكنولوجيا الجديدة قادرة على زيادة فرص الأطفال حديثي الولادة على قيد الحياة.
الهدف من تطوير وابتكار الرحم الصناعي
إن الهدف من تقنية الرحم الصناعي هو إنشاء ممر بين الرحم الطبيعي والعالم الخارجي وذلك لتوفير الوقت للجنين الحمل وتطوير رئته من أجل المساعدة على التنفس بمفرده. لأن معدل الوفيات في الأطفال المبتسرين أكثر من 50 في المائة، والناجين من الأطفال المبتسرين لديهم احتمال للإصابة بمضاعفات كبيرة بنسبة 70 إلى 90 في المائة، مثل الشلل الدماغي والضعف العقلي والعمى.
على الرغم من التطور التكنولوجي لتقنية إنشاء الرحم الصناعي، إلا أن هناك تحديات وصعوبات تواجه هذه التقنية.
الصعوبات التي تواجه العلماء في صناعة الرحم الصناعي
- في الواقع لا يعرف العلماء الكثير عن المشيمة:
المشيمة هي المسؤولة عن تبادل الأكسجين والمواد الغذائية من الأم مع ثاني أكسيد الكربون والفضلات الآخرى من الجنين. حيث يقول جوت ماشر مدير المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية أن المشيمة أكثر عضو بشري غير مفهوم وبالتالي ستظل المشيمة أكبر عائق أمام تكوين رحم صناعي واحد قادر على الحفاظ على جنين بشري حتى نهاية تكوينه في المعمل.
- الأمومة أكثر من الرحم:
سلوك الأم أثناء فترة الحمل يؤثر على الجنين، بمعنى أن دورة نوم الأم ووضعيتها، وصوتها، ونظامها الغذائي جميعها تؤثر على سلوك الجنين، وأن السياق الروتيني اليومي للأم يوفر بيئة كاملة لنمو الجنين أبعد من مجرد أن الحمل عملية اتصال مباشر بين الأم والجنين من خلال الدورة الدموية.
المخاوف الأخلاقية للرحم الصناعي
- يشعر بعض العلماء بالقلق من أن يأخذ البعض الآخر تكنولوجيا ابتكار رحم صناعي للحفاظ على حياة الأطفال المبتسرين إلى أبعد من ذلك، حيث يقوم علماء آخرون بالفعل بإبقاء الأجنة على قيد الحياة في المعامل لفترة أطول من أي وقت مضى، وكما يحاولون إنتاج الحيوانات المنوية والبويضات وحتى الكائنات المشابه للجنين من الخلايا الجذعية. وقامت إحدى المجموعات مؤخرًا بإنشاء نسخة صناعية من الجهاز التناسلي الأنثوي في المعمل.
- قد يتم استخدام تكنولوجيا الرحم الصناعي بشكل قسري. يقول سكوت جلفاند، المختص في الأخلاقيات الحيوية بجامعة ولاية أوكلاهوما، إن الولايات يمكن أن تطلب من النساء اللاتي يخضعن لعمليات إجهاض لوضع أجنتهن في أرحام صناعية. وكما يمكن لأصحاب العمل أيضًا أن يطلبوا من الموظفات استخدام الأرحام الصناعية لتجنب إجازة الأمومة، وقد تطلب شركات التأمين استخدام الرحم الصناعي لتجنب حالات الحمل والولادات المعقدة المكلفة.
- الطفل الذي يولد من رحم بشري يحرم من الاتصال البشري الذي يتم بين الأم والجنين طوال فترة الحمل.
إيجابيات الرحم الصناعي
تمثل تقنية الرحم الصناعي إنجازاً حقيقياً للبشرية من خلال المساهمة في إنقاذ حياة ملايين الأطفال، وذلك من خلال ما يلي.
- يساعد الرحم الصناعي على اكتمال الرئتين للأطفال المبتسرين، لأنه يحاكي الرحم الطبيعي للأم ويمد الطفل المبتسر بكل السوائل التي يحتاج إليها للمساعدة في اكتمال نمو الرئتين وبالتالي المحافظة على نبض القلب بشكل طبيعي.
- تشير الإحصاءات إلى أن نسبة 61 في المئة من الأطفال يموتون في الأسبوع الـ24 وتعتبر الفترة الممتدة بين الأسبوع الـ24 و28 فترة حرجة جدا، والأطفال الذين يولدون خلالها يعانون غالباً تلفاً في الدماغ ومشكلات في التنفس وفي شبكة العين ويواجهون خطر الإصابة بالعمى، لذلك يلجأ العلماء إلى تقنية الرحم الصناعي للمحافظة على حياة الأطفال المبتسرين لمواجهة التحدي في التكيف مع الحياة خارج الرحم.
- يمكن الاستفادة من تقنية الرحم الصناعي في تحسين نوعية الأجنة في مجال التلقيح الصناعي، بما أنه حتى اليوم لا يمكن حفظ الأجنة أكثر من خمسة أيام، فيما يمكن إطالة المدة بفضل تقنية الرحم الصناعي، فتكون فرص نجاح الحمل أكبر بنوعية أجنة أفضل عند إجراء عملية طفل الأنبوب.