من المعروف أن الإجهاد والتوتر يفترض أن يكونا أمرين سيئين بالنسبة للإنسان، ولكن هل تعلم أن ليس كل إجهاد هو إجهاد سيء وأنه يمكن أن يكون مفيداً أحياناً؟ نعم هذا صحيح، فعلى ما يبدو قامت عدد من المستجدات الإخبارية بقلب القصة التقليدية رأساً على عقب، واقترحت أنه ينبغي لنا أن نتصالح مع الإجهاد بدلاً من محاولة التخلص منه، ولكن كيف نوفق بين هذا والمعلومات التي نعرفها منذ فترة طويلة والتي تشير إلى أن الإجهاد يرتبط بحدوث ظروف صحية مزمنة خطيرة وبتأثيرات سلبية على الصحة العقلية؟
تبعاً للادعاءات الجديدة، فإن التوتر ليس أمراً سيئاً أو جيداً، والسبب في ذلك بسيط جداً، فالإجهاد هو مجرد استجابة جسدية فيزيائية متعمقة الجذور للرد على الشعور بالتحدي، وجميعنا يمتلك هذه الاستجابة التي تلقب باستجابة الحرب أو الفرار، حيث أن ملايين السنين من التطور كانت قد أظهرت أن هذه الاستجابة ضرورية جداً للبقاء على قيد الحياة، والحل للاستفادة منها هو جعلها تعمل لصالحنا، وهذا يعني تشغيلها والاستفادة منها عند الحاجة وإيقاف تشغيلها عند عدم الحاجة إليها.
إن الاستجابة للتوتر – على عكس التفكير السائد – يمكن أن تكون بمثابة دفعة للشخص، فالجميع يعرف أنه يمكن أن يكون من المرهق للغاية مشاهدة المباريات النهائية الحاسمة أو مشاهدة فيلم رعب هوليوودي، ومع ذلك فإن الجميع يتهافتون لمشاهدة هذه الأشياء، كما أن هناك سبب يجعل الأطفال الصغار يصرخون فرحاً عندما يتم رميهم في الهواء ويجعل الكبار يصطفون بهلع أمام المنازل المسكونة، وهذا السبب هو أن الإنسان يسعى لاغتنام مثل هذه الفرص لتشغيل استجابة التوتر، لماذا؟ لأنه عندما يشعر الإنسان بالتوتر الآمن ويتمكن من السيطرة عليه، يمكن لهذا الشعور أن يكون مسلياً للغاية.
المشكلة في التعرض للتوتر تكمن عندما تنشأ هذه الحالة رغماً عنا، وعندها لا يعود بالإمكان التحكم في الاستجابة للضغط النفسي وإيقاف تشغيله بحكمة حتى نستطيع توفير الراحة لأجسامنا، فكما هو معلوم لنا، أصبح العالم في هذه الأيام مفتوحاً طوال الوقت، وهذا الأمر يجعلنا نتعرض للكثير من المحفزات بشكل مستمر، لذلك نحن بحاجة لأن نكون أذكياء حول الكيفية التي يمكننا من خلالها الاستفادة من هذا النظام البيولوجي القديم والقوي، والجدير بالذكر بأن الصراع مع التوتر ليس من علامات الضعف، ولكن المشكلة أننا نصبح ضعفاء عندما لا نستطيع استخدام استجابة التوتر بحكمة لصالحنا، وبما أن الطبيعة قد زودتنا بهذا السلاح القوي ذو الحدين فلماذا لا نتعلم كيفية استعماله بالشكل الصحيح؟
تم تصميم الاستجابة الطبيعية للضغط النفسي عبر ملايين السنين لتعمل في لحظة الاستجابة للخطر، فالحمار الوحشي يحتاج إلى دفعة كبيرة من الطاقة الآنية للهروب من النمر الذي يلاحقه، كذلك فأنت بحاجة لزيادة حدة تركيزك إذا كنت تمشي في شارع مظلم وسمعت خطى واضحة خلفك، لتكون قادراً على الهرب أو الاستعداد للقتال على الفور إن اقتضى الأمر، وبالمثل، فإذا كان لديك موعد نهائي لتسليم مشروع ما لمديرك في العمل، عندها يمكن لاستجابة الضغط النفسي أن تكون عوناً هائلاً بالنسبة لك، حيث أنها توفر دفعة من الاندورفين وتسمح للطاقة والتركيز للانطلاق إلى أقصى درجاته، وهذا يمكن أن يساعدك أيضاً على حل المشاكل وزيادة الإنتاجية في العمل، وقد أظهر عدد من الدراسات أنه إذا استطاع المرء فهم أن الاستجابة للضغط النفسي هي في الواقع أمر مفيد، فإن أداءه سيكون أفضل تحت الضغط، لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بضربات قلبك تتسارع وراحة يدك تتعرق عندما تكون في وضع يفرض عليك تحدياً معيناً، كن واثقاً بأن جهازك العصبي بأكمله يرتقي إلى المستوى المطلوب ويساعدك على أداء مهمتك بنجاح.
عندما يتعلق الأمر بالتوتر، فإن هذه الاستجابة تصبح مشكلة بالنسبة للإنسان المعاصر بطريقتين أساسيتين، الأولى تتمثل بأن الشخص يقوم بتشغيل هذه الاستجابة عندما لا يكون هناك حاجة إليها، حيث أن أجسامنا لا تحتاج لتكون في وضعية التأهب المستمر إذا كنا عالقين في حركة المرور سيئة أو إذا ما أفسد شيء ما طبق طعامنا، ففي هذه الحالات، تصبح الاستجابة للضغط النفسي ضارة، لأن الجسم لا يكون لديه أي استخدام لتوظيف هذا التحول الهائل في تدفق الدم والطاقة، لذلك تذهب هذه الموارد الثمينة سدى وتأخذ معها الطاقة التي نحتاجها لإكمال يومنا.
أما المشكلة الثانية فتكمن بأن الكثير من الأشخاص لا يعرفون كيفية إيقاف الاستجابة للضغط النفسي والسماح لتبعاته بتولي الأمور – أو ما يدعى باستجابة البقاء والإصلاح- فبالعودة إلى مثال الحمار الوحشي، فإذا كان هذا الحمار محظوظاً بما فيه الكفاية للهروب من النمر، فإن غريزته ستدفعه للتخلص من هذه الإثارة الهائلة والدفعة الكبيرة من الطاقة حيث يبطئ من حركته ويهدئ من روعه، حتى يستطيع جسمه العودة إلى حالة التوازن، وبذلك تنخفض احتمالية إصابة الحمار بأي التهابات في الجروح الناتجة عن الصراع الذي خاضه مع النمر، وترتفع مناعته، ويبدأ جسمه بشفاء الأضرار التي لحقت به خلال التحدي الأصلي، وبهذا تسمح استجابة البقاء والإصلاح بعودة التوازن إلى الجسم، إضافةً إلى تهيئة الجسم لأي ضغوطات مستقبلية محتملة، لذلك فعلى الرغم من أن معظمنا يعرف كيف يشغل استجابة التوتر، إلّا أن القليل فقط هم من يعلمون كيفية التحول إلى استجابة الإصلاح، ولكن الخبر السار هو أنه يمكن تعلم هذا الانتقال بسهولة من قبل أي شخص.
إن الفرق بين استجابتنا الغريزية للتوتر واستجابة الحيوانات الغريزية للتوتر، تكمن بأن عقولنا تحب إعادة صياغة المخاوف والتفوق في الضغائن المقلقة والكامنة بداخلنا، لذا فإن عقولنا تعمل على تشغيل الاستجابة للتوتر تلقائياً، حتى وإن كان التحدي الذي نواجهه صادراً من داخلنا، نعم، إن قدرتنا الغير اعتيادية على التفكير والتأمل يمكن أن تتحول ضدنا، وذلك عندما نقوم عن غير قصد بتشغيل الاستجابة للضغط النفسي، وللتحكم في هذا الأمر لا بد من أن نكون قادرين على رصد أفكارنا وتحويل تركيزنا عن الاهتمام الذي نشغل بالنا به، وبذلك سنكون قادرين على تحديد ما إذا كنا نريد تشغيل استجابة الضغط النفسي أم لا، كما يمكننا التحكم بمقدار هذه الاستجابة.
جميعنا يعلم أن كلاً من الرجال والنساء يحتاجون لتعلم كيفية إدارة التوتر بشكل جيد ليكونوا بصحة وسعادة جيدة، ومع ذلك، فإن هذه المقالة موجهة للرجال بشكل خاص لسبب في غاية الأهمية، حيث أن الأبحاث الجديدة أشارت أن الرجال يميلون إلى استخدام استراتيجيات انطوائية مثل الإنكار والإلهاء بدلاً من استخدام نهج اليقظة الاستباقية عند التعامل مع التحديات الصعبة، ولسوء الحظ، فإن هذا الميل إلى إنكار الشعور بالتوتر يمكن أن يؤدي إلى إهمال وإتلاف عقولهم وأجسادهم، وهذا يتجلى في حقيقة أن معدلات الوفيات الناجمة عن التوتر تكون لدى الرجال أكثر منها لدى النساء، حيث أن الرجال يتجاهلون التوتر أكثر بمرتين على الأرجح من النساء ولا يقومون بأي شيء تجاهه، كما بينت الدراسة بأنه عندما حاول الرجال بمعالجة الاستجابة التوترية لديهم فإن 30% منهم فقط نجح في إدارة الإجهاد بالطريقة الصحيحة.
إذن ما هو الحل بالنسبة للرجال؟ نقترح بتواضع أن تتعلم التحكم بجهازك العصبي وجعله يعمل من أجلك، وعندها فقط ستكون بصحة جيدة، فلعدة سنوات كان الجيش الأمريكي يدرّس كيفية زيادة القوة والمرونة الذهنية بين قواته القتالية، حيث يتم تدريب القوات على اختراق جهازهم العصبي وذلك باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات بما في ذلك اليقظة القائمة على التدريب العقلي، كما تجدر الإشارة إلى أن المسعفين الأوليين والرياضيين المحترفين والموسيقيين يقومون باستخدام تقنيات مماثلة للتقنيات التي يستخدمها الجيش الأمريكي.
نهايةً يمكن القول أنه من خلال ممارسة الوعي والتعلم الذاتي، يمكن للرجال الاستفادة من هذه التكنولوجيا العجيبة التي تعود إلى مليون سنة والتي هي الجهاز العصبي، وللاستفادة القصوى من هذه الحليف القوي يجب تعلم كيفية تشغيل أو إيقاف تشغيل الاستجابات العصبية للضغوطات المختلفة والأوقات التي يجب فيها القيام بذلك.