علم النفس

هل تختلف شخصيات النساء عن شخصيات الرجال ؟

قيل بأن الرجال والنساء يختلفون جداً عن بعضهم، كما لو أنهم قد جاءوا من كوكبين مختلفين، ولكن في حين أنه من الواضح أن كلا الطرفين يمتلكان فروقاً مادية في الحجم والتشريح، فإن مسألة الاختلافات النفسية بين الجنسين قد يكون أمراً أكثر تعقيداً وإثارة للجدل، فهناك إشكالية تتعلق بالكيفية التي يمكن فيها قياس تلك الاختلافات بشكل موثوق، وعندما يجد علم النفس تلك الاختلافات، فإنه عادة ما يكون هناك جدل حول ما إذا كانت الأسباب فطرية وبيولوجية، أو اجتماعية وثقافية، أو بمعنى آخر، هل ولد الرجال والنساء ليكونوا مختلفين أو أن المجتمع شكّلهما بهذه الطريقة؟

هذه الأسئلة شائكة ولا سيما عند النظر إلى الاختلافات بين شخصية كل منا، ولكن معظم الأبحاث تشير إلى أن الرجال والنساء يختلفون حقاً في بعض الصفات الهامة، ولكن تعود هذه الاختلافات للتشكيلة البيولوجية لكل منهما أم للضغوط الثقافية؟ وما هو مغزاها في العالم الحقيقي؟ إحدى الاحتمالات هي أن معظم الاختلافات تكون صغيرة في الحجم ولكن جمعها سوياً يمكن أن يكون له نتائج مهمة.

إحدى أكثر الدراسات تأثيراً في هذا المجال، هي تلك التي نشرت في عام 2001 من قبل الباحثين في مجال الشخصية (بول كوستا)، (روبرت مكري) و(أنطونيو تيراتشانو)، وقد طلب الباحثون خلالها من أكثر من 32,000 رجلاً وامرأة ينتمون إلى 26 ثقافة مختلفة بأن يقوموا بملء استبيانات حول الشخصية، وقد جاءت النتائج لتبين بأن النساء من مختلف تلك الثقافات المتنوعة، بما في ذلك هونغ كونغ والولايات المتحدة والهند وروسيا، كن يقيّمن أنفسهن باستمرار بأنهن أكثر دفئاً، وأكثر وداً وأكثر حرصاً وبأنهن حساسات تجاه مشاعرهن أكثر مما كان الرجال يصفون أنفسهم به، في حين أن الرجال كانوا يقيمون أنفسهم باستمرار بأنهم أكثر حزماً وانفتاحاً على الأفكار الجديدة، وفي لغة علم نفس الشخصية، فقد سجلت النساء معدلات أعلى في المتوسط فيما يخص الطيبة والعصابية وفيما يخص أحد جوانب الانفتاح على الخبرات، بينما سجل الرجال معدلات أعلى فيما يخص أحد جوانب الانبساط وفيما يخص جانب آخر من الانفتاح على الخبرة.

جاءت نتائج مماثلة في عام 2008 عندما طلب فريق بحث مستقل من أكثر من 17,000 شخصاً ينتمون إلى 55 ثقافة مختلفة ملء استبيانات عن الشخصية، ومرة أخرى، سجلت النساء معدلات أعلى فيما يخص الطيبة والعصابية وأيضاً فيما يخص الاجتهاد والدفء وفي الجانب الاجتماعي من الانبساط.

كانت إحدى الانتقادات الواضحة التي وجهت إلى الدراسة هي أن المشاركين قاموا بأنفسهم بتقييم شخصياتهم، ولذلك فقد تكون الاختلافات ناتجة ببساطة عن أن المشاركين كانوا يصفون أنفسهم بالطريقة التي تتوقع فيها مجتمعاتهم أن يكونوا عليها، ولكن هذا يبدو غير محتمل، لأنه وفي دراسة أخرى تم إجراؤها من قبل (مكري) ومعاونيه، جاءت النتائج لتكون مماثلة على الرغم من أن الباحثين في هذه المرة كانوا قد طلبوا من المشاركين تقييم شخصية –ذكر أو أنثى- كانوا يعرفونها جيداً، وليست شخصياتهم.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت أبحاث أخرى بأن الاختلافات في الشخصية بين الجنسين تبدأ في مرحلة مبكرة جداً من الحياة، على سبيل المثال، بحثت إحدى الدراسات التي نشرت في عام 2013 في التصنيفات المزاجية لدى 357 زوجاً من التوائم عندما كانت أعمارهم لا تتجاوز الثلاثة أعوام، ومن خلال هذه التصنيفات، تبين بأن الفتيان كانوا أكثر نشاطاً، في المتوسط، من الفتيات، في حين تم تصنيف الفتيات على أنهن أكثر خجلاً وبأنهن يستطعن السيطرة بشكل أكبر على انتباههن وسلوكهن.

بحثت دراسة أخرى في فروق الشخصية بين النساء والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 65-98، وكما هو الحال مع البحث على البالغين الأصغر سناً، تبين بأن النساء المسنات يملن لتسجيل معدلات أعلى فيما يخص العصابية والطيبة من كبار السن من الرجال.

هذه النتائج كانت منطقية بالنسبة لعلماء النفس التطوري الذين يشيرون بأن صفاتنا النفسية اليوم تعكس تأثير مطالب البقاء على قيد الحياة التي عاشها أجدادنا من قبلنا، وإن هذه المطالب كانت مختلفة بالنسبة لكل من الرجال والنساء، فعلى سبيل المثال، فإن النساء اللواتي يمتلكن شخصيات تجعلهن أكثر ميلاً لرعاية الآخرين، كن أكثر احتمالاً للنجاح في تربية الذرية الضعيفة، في حين أن الرجال الذين يمتلكون شخصيات أكثر جرأة من غيرهم، كان يمكن أن يكونوا أكثر نجاحاً في منافسة زملائهم، وقد تم تمرير هذه الصفات إلى الأجيال المتعاقبة.

لا يزال بعض العلماء والمفسرين غير مقتنعين بهذه الحسابات البيولوجية للسلوك البشري، فهم يشعرون بأنه قد تم التقليل من تأثير القوى الاجتماعية والثقافية التي تشكل من نحن والكيفية التي نتصرف بها.

من المؤكد تقريباً بأن هذه القوى الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في التأثير على شخصياتنا، ولكن كلاً من الدراسات الثلاثة الكبيرة والتي شملت العديد من الثقافات المختلفة وجدت في الواقع بأن متوسط الاختلاف في الشخصية بين الرجال والنساء كان أكبر في الثقافات الأكثر تقدماً ومساواة بين الجنسين، كما هو الحال في أوروبا وأمريكا، مقارنة بالثقافات الأقل مساواة بين الجنسين مثل آسيا وأفريقيا.

هذا يبدو بأنه يخالف الفكرة التي تقول بأن شخصياتنا تتطور عن التوقعات الثقافية حول الأدوار التقليدية للجنسين، وإحدى التفسيرات لهذه النتيجة المفاجئة هي أن العوامل البيولوجية الفطرية التي تسبب اختلافات الشخصية بين الرجل والمرأة تكون أكثر هيمنة في الثقافات التي يكون فيها مساواة أكبر بين الجنسين، ومثل هذا السيناريو يناسب بالتأكيد ما نعرفه عن التأثير النسبي للجينات والبيئة على الصفات النفسية الأخرى – فمثلاً، كلما أصبح التعليم مساوياً للجميع، كلما زاد تأثير الذكاء الموروث على النتائج الأكاديمية.

هناك جانب آخر يمكن النظر منه في هذه القضية، وهو استخدام المقياس الضمني للشخصية، وهذا ينطوي على استخدام سرعة الاستجابة تجاه لوحة المفاتيح (الضغط على مفاتيح مختلفة ضمن لوحة المفاتيح في أسرع وقت ممكن رداً على كلمات مختلفة) لاختبار مدى السرعة التي يربط فيها الأشخاص الكلمات التي تصف أنفسهم مع تلك التي تصف سمات الشخصية المختلفة، والفكرة هي أن المشاركين لا يدركون بأنهم يكشف ما يفكرون به حول شخصياتهم وبهذا لا يمكن أن تكون نتائجهم متأثرة بمحاولات التوافق مع التوقعات الثقافية التي تخص جنس الشخص.

قام فريق البحث بقيادة (مايكل أنجلو فيانيللو) في جامعة بادوا في إيطاليا باستخدام هذا النهج في عام 2013 في دراسة شملت أكثر من 14,000 شخصاً قاموا بأخذ الاستطلاع عبر موقع على الإنترنت، وكانت النتيجة أن الفروق بين الجنسين في الشخصية كانت أصغر بثلاث مرات عندما تم استخدام المقياس الضمني بالمقارنة مع استبيان الشخصية القياسي، مما يشير إلى أن الاختلافات التي كشفت عنها الاستبيانات القياسية تتأثر بالتحيزات الواعية.

مع ذلك وعلى الرغم من أن الفروقات فد تضاءلت، إلّا أن القياس الضمني كان لا يزال يكشف عن وجود فروق ذات دلالة إحصائية في الشخصية بين الرجال والنساء، وبخاصة فيما يتعلق بتسجيل النساء معدلات أعلى فيما يخص العصابية والطيبة، وباختصار، فإن هذه النتائج تشير إلى أن الفروق بين الجنسين في الشخصية موجودة على مستوى اللاوعي، ولكن الاختلافات بين الجنسين في الدراسات التي تعتمد على الإبلاغ الذاتي قد يكون مبالغ فيها، وقد يكون هذا عائداً في جزء منه لرغبة الأشخاص في الانسجام مع التوقعات الثقافية.

لا ينتهي الجدل حول حجم الفروق بين الجنسين في الشخصية عند هذا الحد، ففي الوقت الذي تميل فيه معظم الدراسات الكبيرة لإيجاد أن الخلافات تكون أكثر اتساقاً بين الجنسين في الصفات الرئيسية مثل العصابية والطيبة، فقد أشارت غيرها من الدراسات بأنه من الممكن أن يكون هناك اختلافات واسعة أكثر إذا ما نظرنا فقط بمزيد من التفاصيل.

قامت (يانا واينبرغ) من كلية لينفيلد وزملاؤها باختبار هذا الاحتمال في عام 2011 عن طريق قياس ما دعوه بجانبي الشخصية  لكل من العوامل الخمسة الكبرى للشخصية (مثل الانبساطية، العصابية … الخ) لأكثر من 2500 شخصاً، فمثلاً، يشتمل جانبي الانبساطية، على الحماس والإصرار، في حين تتشتمل العصابية على التقلب والانسحاب.

من خلال اتباع هذا النهج، وجد الباحثون فروق في الشخصية بين الجنسين لكل واحد من الجوانب العشر، حيث سجلت النساء معدلات أعلى، في المتوسط، فيما يخص الحماس، التعاطف، التهذيب، الانتظام، التقلب، الانسحاب، والانفتاح، بينما سجل الرجال معدلات أعلى فيما يخص الإصرار، الاجتهاد والإدراك، وبحسب الباحثون فإن هذه الصفات لم تكن لتظهر في الدراسات التي تم إجراؤها على مستوى العوامل الخمس الكبرى لصفات الشخصية، والتي تم استخدامها في معظم الأبحاث السابقة.

ولكن (واينبرغ) وزملاؤها حذروا أيضاً من أنه على الرغم من سعة نطاق عدد الخصائص، فإن الفروقات بين الجنسين كانت فقط “صغيرة إلى متوسطة”، وهذا يتفق مع حجم الفروق بين الجنسين التي كشف عنها (مكري) وغيره في الدراسات الكبيرة التي شملت العديد من الثقافية، والتي تميل أيضاً لأن تكون دقيقة جداً.

كثيراً ما نسمع من علماء النفس المعاصرين والمعلقين الثقافيين بأن الرجال والنساء يكادون يكونون أشبه بنوعين مختلفين، ولكن في المقابل، فقد خلصت (واينبرغ) وفريقها بأنه في حين أن الفروق بين الجنسين في الشخصية قد تكون مهمة في تشكيل التجربة الإنسانية والثقافة الإنسانية، فإنها قد لا تكون كبيرة جداً لدرجة أن تحول دون حدوث تواصل فعال بين الرجال والنساء.

من ناحية ثانية، يبدو بأن فريق بحث (ماركو ديل جوديس) من جامعة تورينو يخالفون هذا الرأي، ففي عام 2012 زعم الفريق في الدراسة التي قاموا بنشرها، بأن الأبحاث السابقة التي تم نشرها قد قللت من أهمية الفروق بين الجنسين في الشخصية من خلال أخذها لمتوسط جميع الاختلافات بين الصفات بدلاً من النظر إليها بشكل تراكمي، حيث أوضح (ديل جوديس)، بأن الاختلافات بين الجنسين في الشخصية تشبه كثيراً الفروق بين الجنسين في مظهر الوجه، فكل سمة فردية (طول الأنف، حجم العين، الخ) تظهر بأنها تختلف اختلافاً صغيراً بين الرجال والنساء، ولكن بمجرد وضعها معاً … تصبح الاختلافات واضحة ويمكنك عندها التمييز بين وجود الذكور والإناث بدقة تصل إلى أكثر من 95% .

باستخدام هذا النهج لدراسة عينات لأكثر من 10.000 شخصاً من الرجال والنساء، قام (ديل جوديس) وزملاؤه بتوثيق الخلافات القائمة على نوع الجنس في الشخصية وأشاروا بأنها كانت “كبيرة للغاية وفقاً للمعايير نفسية”، وأضافوا بأنهم يعتقدون بأن نهجهم “أوضح بأن الحجم الحقيقي للفروق بين الجنسين في شخصية كان يتم التقليل من قدره باستمرار”.

في حين أن المناقشات حول حجم وأسباب الفروق بين الجنسين في شخصية قد تستمر لعدة سنوات، فإنه يبدو من المعقول أن نستنتج بأنه ولأي سبب كان، هناك على الأقل بعض الاختلافات – سواءً أكانت كبيرة أو متواضعة- في شخصية الرجل والمرأة العاديين، وتذكر بأن هذا الإختلاف هو حول الشخصية، وليس كل جوانب الإدراك والسلوك، وفي الواقع، واستناداً إلى الأعمال التي تمت مراجعتها عن الفروق بين الجنسين عبر ” المجالات النفسية المتعددة”، فقد وجد (جادل هايد) “بأن التماثل بين الرجال والنساء أكبر من الإختلاف؛ حيث أن المسافة بينهما أشبه بالمسافة الفاصلة بين شمال داكوتا وجنوبها –وليست كالمسافة بين الكواكب.

في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنه قد أصبح هناك اعتراف متزايد بالدور الذي تقوم به صفات شخصيتنا في التأثير على خياراتنا الحياتية وصحتنا النفسية، ولذلك فإن تكوين فهم أفضل للكيفية التي يختلف فيها الرجال عن النساء في الشخصية، والسبب وراء هذا الإختلاف، يمكن أن يساعد في خلق فرص متكافئة للجميع، وكذلك حلول أكثر فعالية لمشاكل الصحة العقلية، والتي يؤثر العديد منها على أحد الجنسين أكثر من الآخر – فمثلاً مستويات الاكتئاب تكون أعلى بين النساء، وهذا يتوافق  مع حقيقة أن النساء يسجلن معدلات أعلى في المتوسط فما يخص العصابية.

نهاية، يشير (ماركو ديل جوديس)، بأنه غالباً ما يؤكد الباحثين على خطر المبالغة في تقدير الفروق بين الجنسين، ولكن العكس تماماً هو الصحيح، فالتظاهر بأن الاختلافات بين الجنسين هي أصغر مما هي عليه يحرم الأشخاص من جزء هام جداً من معرفتهم لأنفسهم وللآخرين.