التصنيفات: فضاء

نظرية الاصطدام العملاق هي الأقرب لتفسير تشكّل القمر

على الرغم من أن الكيفية التي تشكل من خلالها القمر ظلت لغزاً لفترة طويلة، إلا أن الدراسات الجديدة العديدة التي ظهرت في هذا المجال تدعم النظرية القائلة بأن القمر تشكل من الحطام الذي خلفه حادث تصادم بين الأرض الحديثة الولادة وصخرة بحجم كوكب المريخ.

تشكلت الأرض قبل حوالي 4.5 مليار سنة، ويعتقد العلماء أن القمر نشأ بعد ذلك بوقت قصير، وتعد فرضية الاصطدام العملاق هي التفسير الرئيسي لأصل تشكل القمر، حيث ظهرت لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، وهذه الفرضية تقترح بأن القمر نتج عن اصطدام كوكبين من الكواكب البدائية، أو العوالم الجنينية، حيث كان أحد تلك الكواكب عبارة عن الأرض التي كانت قد تشكلت حديثاً، والآخر كان عبارة عن كوكب بحجم كوكب المريخ يدعا (ثيا)، وبعد حدوث الاصطدام تشكل القمر نتيجة لالتحام الأنقاض التي نتجت وتناثرت في الفضاء.

هناك العديد من التحديات التي واجهت هذا السيناريو منذ زمن طويل، وأهمها كان يتمثل بالتركيبية الكيميائية للقمر، فتبعاً للنماذج الكومبيوترية التي تم تصميمها لتحاكي الاصطدام العملاق، فإن القمر يجب أن يحتوي في تركيبته على نسبة أكثر من 60% من المواد المأخوذة من كوكب (ثيا)، وعلى اعتبار أن معظم الكواكب في النظام الشمسي يمتلك صيغة كيميائية فريدة من نوعها، فبالتالي ينبغي للقمر أن يمتلك مثل هذه الصيغة أيضاً، ولكن المشكلة تكمن بأن العينات الصخرية المأخوذة من القمر تكشف بأن تركيبتها تميل لأن تكون مماثلة للصخور التي توجد على الأرض بشكل أكبر من التي تقترحه النماذج عندما يتعلق الأمر بأنماط العناصر التي تسمى بالنظائر، (بحيث يكون لكل نظير عنصر أعداد مختلفة من النيوترونات).

تبعاً للمؤلفة الرئيسية للبحث (اليساندرا ماستروبونو باتيستي)، وهي عالمة فيزياء فلكية في معهد إسرائيل للتكنولوجيا في حيفا، يمكن اعتبار الأرض والقمر -من حيث التكوين- توأمان تقريباً، حيث أن الأجزاء التي يختلفان بها عن بعضهما لا تتجاوز الواحد في المليون، وهذا التناقض قد ألقى بظلاله على نموذج الاصطدام العملاق.

الولادة العنيفة للقمر

لتسليط الضوء على هذا اللغز، قامت (ماستروبونو باتيستي) وزملاؤها بإجراء محاكاة للتصادم في النظام الشمسي المبكر بين 85 إلى 90 من الكواكب البدائية – كل واحدة منها تصل كتلته إلى 10% من كتلة الأرض- و 1,000 إلى 2,000 من الأجسام الصغيرة التي تدعى بالنوى الكوكبية، كل منها يمتلك لكتلة تساوي 0.25% من كتلة الأرض.

كانت المحاكاة التي أجراها الباحثون للتصادمات تحدث بنمط دائري يمتد من نصف وحدة فلكية (AU) إلى 4.5 (AU) عن الشمس، (الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة بين الشمس والأرض، والتي هي حوالي 93 مليون ميل، أو 150 مليون كيلومتر).

وجد العلماء أنه بعد مرور 100- 200 مليون سنة على حدوث الاصطدامات ضمن النموذج، كانت كل محاكاة تنتج عادة 3-4 كواكب صخرية كتلة أكبر كوكب منها تماثل كتلة الأرض، وهذه العوالم غالباً ما كانت تتألف من المواد التي كانت متمايزة عن بعضها البعض، ولكنهم مع ذلك وجدوا أيضاً أن في 20 إلى 40% من الحالات، كان تكوين الكوكب مشابهاً جداً للقشرة الخارجية لآخر كوكب بدائي اصطدم به، وهذا الاحتمال هو أعلى بحوالي 10 مرات من التقديرات السابقة.

يشير الباحث المشارك في الدراسة (حاجاي بيريز)، عالم الفيزياء الفلكية في معهد إسرائيل للتكنولوجيا في حيفا، أن نشوء  أزواج كواكبية متماثلة ناتجة عن اصطدامات ليس بالأمر النادر على الإطلاق، والسبب في حدوث مثل هذا التشابه في التركيب يعود للمدارات التي تشغلها هذه الأجسام المتصادمة، حيث أن تكوين هذه الأجسام يختلف تبعاً لكمية الحرارة التي تتلقاها، على سبيل المثال، كلما كان الكوكب البدائي أبعد عن الشمس يزداد معدل برودته، وبالتالي فإنه من المرجح أن يكون أكثر ميلاً لامتلاك نظائر ثقيلة نسبياً من الأكسجين، ومن هنا وجد العلماء أنه أثناء نشوء الكوكب، عادة ما يكون الكوكب البدائي الأخير الذي يصطدم معه مشاركاً له بذات المدار، ولكنهم وجودوا أيضاً أن الكواكب البدائية التي تتشارك مكان نشوء واحد يمكن أن تشترك في التكوين أيضاً، وبهذا وتبعاً للباحثين فإن هذه النتيجة التي تم نشرها في مجلة (Nature) تشير إلى أن التركيبة المتماثلة بين الأرض والقمر يمكن أن تكون نتيجة طبيعية للاصطدام العملاق، وتفسر أيضاً السبب الذي جعل هذه التركيبة تختلف عن تركيبات باقي الأجسام الأخرى في النظام الشمسي.

القمر مصنوع من الأرض

هناك تحد آخر يقف في طريق فهم الكيفية التي تشكل فيها كل من القمر والأرض، وهو يتعلق بمعدن (التنجستن)، هذا المعدن يتميز بكونه عنصر محب جداً للحديد، وهذا يعني أنه يتحد بقوة مع الحديد، وأنه يجب أن يكون لديه ميل قوي للانتقال إلى لب الأرض الغني بالحديد، ولكن مع ذلك، فإننا نجد فائضاً من تلك العناصر المحبة للحديد مثل (التنجستن) في قشرة الأرض ووشاحها.

كان باحثون سابقون قد أشاروا إلى أن تلك العناصر المحبة للحديد التي تظهر الآن على سطح الأرض أتت أساساً من الغشاء المبكر من المواد التي أحاطت الفضاء بعد حدوث الاصطدام العملاق الذي أدى إلى تشكل القمر الحديث، وتشكل لب الأرض، ولكن إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فإن مستويات نظائر (التنجستن) التي توجد على الأرض يجب أن تكون مختلفة عن تلك التي توجد على سطح القمر.

مؤخراً ظهرت دراستين متمايزتين تكشفان بأن هناك بالفعل وجود لمثل هذا الاختلاف المتوقع بين كمية نظائر (التنجستن) على الأرض وعلى سطح القمر، حيث أن التحليل الذي قام به العلماء للصخور القمرية كشف عن وجود فائض في وفرة نظير (التنجستن-182) على القمر مقارنة مع ما يوجد اليوم على وشاح الأرض، وهذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها العلماء من إيجاد مثل هذه الفروق الصغيرة، وهذا يعتبر خطوة هامة جداً إلى الأمام، وتبعاً للباحثين فإن أفضل تفسير لهذا الاختلاف هي النظرية التي تشير إلى أن النسب المختلفة من (التنجستن-182) تراكمت على الجسمين الفضائيين بعد حدوث الاصطدام العملاق الذي أدى إلى تشكيل القمر.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير