التصنيفات: فضاء

ما هو سبب تغيّر رؤية العين البشرية في الفضاء

إن التغير الذي يطرأ على الرؤية قد يكون أمراً رائعاً عندما يشير هذا المصطلح إلى تبني فكرة خلاقة جديدة أو إتباع نهج جديد  قد يكون فيه منفعة أكبر، ولكن عندما يشير هذا المصطلح إلى وجود مشاكل محتملة في البصر، عندها لا بد من تحديد السبب وإيجاد الحلول الممكنة لهذه المشكلة بأسرع ما يمكن.

تتكون كتلة جسم الإنسان من حوالي 60 % من السوائل، وخلال رحلات الفضاء، تتجمع هذه السوائل في الجزء العلوي من الجسم وتتحرك عبر الأوعية الدموية وأغشية الخلايا بشكل مختلف عمّا تفعله عادة على الأرض، لذلك ولتوفير فهم أفضل حول هذه الحالة، ستقوم ناسا بإطلاق بحث في محطة الفضاء الدولية يتناول هذا الموضوع في ربيع هذا العام، وذلك لمعرفة العلاقة بين هذه الحركة في السوائل والإصابة بحالة تدعوها ناسا بضعف البصر ومتلازمة الضغط داخل الجمجمة، أو (VIIP)، وهي حالة تتمثل بحصول تغيّرات في الرؤية وبنية العينين وظهور علامات غير مباشرة على زيادة الضغط في الدماغ، وتبعاً للباحثين فإن أكثر من نصف رواد الفضاء الأمريكيين قد عانوا من مثل هذه الأعراض أثناء الرحلات الفضائية الطويلة.

إن الحصول على فهم أفضل للكيفية التي يؤدي بها ضغط الدم في الدماغ للتأثير على بنية العين والرؤية يمكن أن يكون مفيداً أيضاً بالنسبة للأشخاص على الأرض الذين يعانون من حالات تؤدي إلى ازدياد التورم والضغط في الدماغ أو الذين تستوجب حالتهم أن يبقوا في حالة التمدد على الفراش لفترة طويلة.

تبعاً لـ (مايكل ب. شتينجر)، وهو أحد الباحثين الرئيسيين في هذه الدراسة، فإن الهدف الرئيسي من هذا البحث هو تقييم التغييرات التي تحدث في السوائل، وتحديد الاتجاهات التي تذهب إليها والكيفية التي تختلف فيها هذه التحركات من شخص إلى آخر، أما الهدف الثاني فسيكون البحث عن إمكانية وجود علاقة بين حركة السوائل والتغيرات التي تصيب الرؤية وبنية العين، وغيرها من عناصر متلازمة VIIP.

يضيف (براندون ماسياس)، وهو باحث مشارك في هذا البحث من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، أنه إضافة إلى ما سبق، فإن هناك هدف آخر من هذا البحث، وهو تقييم أثر تطبيق الضغط السلبي على الجزء الأسفل من الجسم لمنع أو عكس حدوث انتقال السوائل في الجسم، ومعرفة ما إذا كان هذا سيمنع حدوث التغيرات في الرؤية، حيث كانت البيانات الأرضية التي تم نشرها مؤخراً قد أشارت إلى أن تطبيق الضغط السلبي على الجزء الأسفل من الجسم يساعد على تحويل السوائل بعيداً عن الرأس أثناء القيام بالتدريبات الأرضية التي تحاكي الرحلات الفضائية، ولذلك سيقوم الباحثون بالتعاون مع روسكوزموس (وكالة الفضاء الاتحادية الروسية) في هذا الجزء من الدراسة، وذلك لأن الروس يمتلكون جهاز يستطيع تطبيق ضغط سلبي على الجزء السفلي من الجسم يدعى (Chibis) موجود على متن المحطة الفضائية.

هناك مجموعة متنوعة من الأسباب، التي تمنع نقل جهاز (Chibis) من وحدة الخدمة الروسية في المحطة الفضائية، لذلك، ولإجراء هذه التجارب الفريدة من نوعها، يجب على أفراد الطاقم نقل معدات البحوث الطبية من الجانب الأميركي من المحطة إلى المركبة الروسية، والجدير بالذكر أن أمر تحريك الأشياء في الفضاء معقد أكثر مما هو عليه على الأرض، حيث أنه تبعاً للباحث المشارك الدكتور (دوغلاس إيبرت) من مختبرات (Wyle)، سيستغرق أمر نقل وإعداد المعدات أكثر من أربع ساعات من وقت الطاقم، في حين لن تستغرق التجربة نفسها أكثر من ساعة واحدة أو ساعتين، كما أن إعادة المعدات إلى مكانها سيأخذ أربعة ساعات أخرى أيضاً.

ولكن يأمل الباحثون أن يؤتي هذا الجهد ثماره بعد أن يستطيعوا الحصول على البيانات الهامة التي قد تؤدي إلى إيجاد إجابات عن السبب والكيفية التي تحدث فيها متلازمة (VIIP)، إضافةً إلى إيجاد طريقة يمكن من خلالها منع أو التعامل مع هذه الحالة خلال رحلات الفضاء.

بحسب (شتينجر)، فإنه من المهم أن يعرف الباحثون ما يحدث، وذلك لأنهم قد يضطرون إلى وضع تدابير وقائية خاصة بكل فرد على حدة، كما أنهم قد يتم اكتشاف أن بعض التمارين التي تفيد العظام أو العضلات، قد تحدث في الواقع نتائج سيئة على ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، فعلى الرغم من أن التمارين أمر مفيد جداً للمحافظة على القدرة على العمل وعلى صحة الجهاز العضلي، إلّا أنها قد تساهم في زيادة الضغط في الرأس.

حالياً، يستخدم رواد الفضاء الروس جهاز (Chibis) كجزء من استعدادهم لإعادة الدخول إلى الغلاف الجوي للأرض فقط، ولكن إذا ما اتضح أن تطبيق الضغط السلبي على الجزء السفلي من الجسم يساعد في الحيلولة دون تحول السوائل نحو الرأس ومنع حدوث أعراض الـ (VIIP)، فعندها سيقوم أفراد الطاقم باستخدام هذه التقنية بشكل أكثر تكراراً مما يفعلونه حالياً وخاصة في المهمات الطويلة الأمد.

هناك جانب آخر فريد في هذا البحث، وهو أنه سيتم إرسال كل من (سكوت كيلي) من وكالة ناسا و(ميخائيل كورنينكو) من روسكوزموس، لبعثة مدتها سنة كاملة، وهي فترة أطول بمرتين من الفترة القياسية التي يقضيها رواد الفضاء عادة في المحطة، وسيتم أخذ قياسات لتحولات السوائل التي تحدث لهم على ثلاث مراحل، ستكون الأولى في وقت مبكر من رحلتهما، والثانية في منتصف الرحلة، أما الثالثة فستكون قبل ما يقرب من 45 يوم من عودتهما، وذلك على أمل أن تساعد النتائج على توفير نظرة شاملة للباحثين لمعرفة ما يحدث في حالة الـ (VIIP).

أخيراً، سيشمل البحث أيضاً اختبار تقنيات غير جراحية لقياس التغيرات في ضغط الدماغ، مما سيكون له أهمية كبيرة لإجراء الفحوصات على المرضى في الأرض أيضاً، ولكن بشكل عام لا بد من الاعتراف بأن هذا البحث سيكون معقداً ومفيداً لأنه يمكن أن يخفف من الضغط داخل الجمجمة الذي يعاني منه رواد الفضاء والأشخاص على الأرض على حد سواء.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير