علم النفس

ما هو الفرق بين المختل عقلياً والمعتل اجتماعياً؟

يستخدم الكثير من علماء النفس القضائيين والأطباء النفسيين وعلماء الجريمة مصطلح الاعتلال الاجتماعي والاختلال العقلي بشكل متبادل، وهذا ما دعى كبار الخبراء يختلفون حول ما إذا كان هناك اختلافات ذات معنى بين الحالتين.

إذا ما بحثنا في علم النفس المعاصر عن إجابة لهذا السؤال، فسنحصل على الكثير من الآراء المتضاربة، حيث يعتقد بعض الأشخاص بأن المرضى النفسيين يولدون وهم مصابون بالاختلال العقلي، في حين أن الاعتلال الاجتماعي يكون مكتسباً، ويأتي كنتيجة لطفولة صعبة وبيئات منزلية مؤذية، في حين يقول آخرون بأن “الاعتلال الاجتماعي” هو مجرد تعبير أحدث لعبارة “الاختلال العقلي”، لذلك ليس هناك إجماع حقيقي حول الأمر.

ولكن قد يكون هناك سبب لذلك، حيث أن كلاً من “الاختلال العقلي” و”الاعتلال الاجتماعي” ليسا عبارة عن تشخيص سريري، بل هما مصطلحات شائعة تطلق على الأشخاص الذين يظهرون سمات “مرضية” للشخصية، وفي الولايات المتحدة، تندرج هذه الصفات تحت تشخيص اضطراب الشخصية المعادي للمجتمع، أو ما يعرف بالـ(APD)، وذلك وفقاً للجمعية الأمريكية للطب النفسي، في حين تطلق منظمة الصحة العالمية عليه اسم اضطراب الشخصية المضاد للمجتمع، أو ((DPD.

عملياً، فإن الـ(APD) والـ(DPD) متطابقان، ومن أجل أن يتم تشخيص أي أحد بهذا النوع من الاضطراب، يجب على الشخص يكون متجاهلاً لحقوق الآخرين ومنتهكاً لها، وإليكم هنا 6 معايير رئيسية لهذا الإضطراب:

  1. عدم الشعور بالندم، والأنانية (تحديد الأهداف على أساس إرضاء الذات)، وعدم القدرة على تكوين علاقات حميمة متبادلة.
  2. الخداع والقسوة والعداونية وعدم الشعور بالمسؤولية والاندفاع والمخاطرة.
  3. يجب أن تكون هذه السمات الشخصية مستقرة وثابتة على مر الزمن.
  4. يجب أن تكون هذه السمات الشخصية والعاهات غير طبيعية بالنسبة لمرحلة تطور الشخص (حيث يمكن بسهولة وصف العديد من الأطفال الصغار بالمرضى النفسيين) أو بيئته الثقافية.
  5. يجب أن لا يكون بالإمكان إرجاع شخصية المريض وسلوكه لحالة طبية أو لتعاطي للمخدرات.
  6. يجب أن لا يقل عمر الشخص عن 18 عاماً، ولكن هذا المعيار لا يزال موضعاً للجدل، حيث أن العديد من علماء النفس يرون بأن الأطفال يمكن أن يظهروا علامات على الإصابة بالـ(APD) في سن مبكر جداً.

هناك إختبار نفسي آخر كثيراً ما يتم استخدامه في هذا المجال، وهو معيار هير للسايكوباثية، أو (PCL-R)، وهذا الاختبار عبارة عن  قائمة مكونة من 20 سؤال يستخدمها الباحثون والأطباء، وحتى القضاة في المحاكم، لقياس الميول المعادية للمجتمع لدى الشخص.

الجدير بالذكر هو أن هناك فرقاً كبيراً بين السيكوباتية والذهان، فعلى عكس السيكوباتية، يوصف الأشخاص المصابين بالذهان هذا المرض بأنها حالة أشبه بفقدان الاتصال مع الواقع، وحدوث تغيرات سريعة في الشخصية، ومواجة صعوبات في أداء المهام الوظيفية، في حين أن معظم الأشخاص المصابين بالـ(APD) لن يعانوا أبداً من أعراض الذهان، والعكس بالعكس.

لا يزال العلماء غير متأكدين من السبب الذي يقف وراء الإصابة بالـ(APD)، فبعض العلماء يصنفون السيكوباتية إلى نوعين، ابتدائية وثانوية، وكل منهما يمتلك مجموعته الخاصة من الأسباب ومظاهره، وعلى الرغم من أن الأحداث الطفولية المؤلمة والبيئات المنزلية الصعبة قد تسهم بالتأكيد في التسبب بهذا الإضطراب،إلّا أن هناك أيضاً عنصراً فيزيولوجياً واضحاً، حيث تم ربط متغير وراثي يدعى (MAOA-L) بزيادة خطر لتعرض لإبداء سلوك عنيف وعدواني، وأظهر المسح الدماغي للأشخاص الذين يعانون الـ(APD) انخفاضاً في النشاط في المجالات المرتبطة بالتعاطف والأخلاق وضبط النفس في الدماغ.

هذا لا يعني أن جميع الأشخاص المصابين بإضطراب الـ(APD) هم أشخاص عنيفين، كما لا يعني أنهم لا بد وأن يكونوا أشراراً، فالعديد من حالات الـ(APD) تبقى دون تشخيص لأن الأشخاص المصابين بها يعيشون حياة ناجحة وعادية.

لإثبات ذلك، ألقوا نظرة على عالم الأعصاب (جيمس فالون)، فقد قضى (فالون) عقوداً في البحث في الجانب التشريحي لما يسمى بالسيكوباتية، وقد ساعدت أبحاثه في تحديد مجالات الاختلاف في أدمغة المصابين بالـ(APD) مقارنة بالأشخاص الطبيعيين، وفي أحد الأيام من عام 2005، كان (فالون) ينظر في الصور الدماغية للأشخاص الذين يعانون من الـ(APD)، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب وانفصام الشخصية، وكان على مكتبه في الوقت نفسه كومة من الصور الدماغية المأخوذة لأفراد من أسرة (فالون)، والتي تم أخذها كجزء من دراسة عن مرض الزهايمر.

كانت الصورة تظهر بوضوح بأن هذا الدماغ يعود لشخص مريض نفسياً، ولذلك قرر (فالون) بيد مهتزة أن يقارن الرمز على الصورة بالرموز التي تم إعطاؤه لكل شخص من عائلته وتحديد الدماغ الذي كان ينظر إليه، والمفاجأة كانت أن الدماغ كان دماغ (فالون) نفسه.

لم يكن باستطاعة (فالون) تصديق ذلك تماماً، وكانت أول فكرة تخطر بباله هي أن أبحاثه كانت خاطئة، وأن انخفاض النشاط في تلك المناطق في الدماغ لا علاقة له بالإصابة بالـ(APD)، ولكنه بعد ذلك تحدث إلى عائلته، وبشكل طبيعي أخبروه بأنه بالطبع كان مريض نفسي، وأن والدته وزوجته وأطفاله كانوا يعرفون هذا الشيء منذ زمن ولكنهم كانوا يتعايشون مع حالته الشخصية طوال الوقت.

خضع (فالون) للمزيد من الاختبارات، التي أكدت التشخيص، ومع مرور الوقت، أدرك أنه كان يعرف طوال الوقت، وأنه وطوال حياته، كان يكتب افتتاحيات في صحيفة الغارديان، وكان الغرباء يعلقون بأنها بدت “شريرة”، على الرغم من أنه لم يكن عنيفاً أبداً، ولكن كان يمتلك ملامحاً باردة، وكان يضع الآخرين في خطر، وبشكل عام كان “حقيراً” بعض الشيء.

يعتقد (فالون) بأن نجاحه النسبي كان نتيجة لنشأته في بيئة صحية ومستقرة تحتوي على الكثير من الدعم، فقد شب في بيت مليء بالحب، وهذا ما قد يكون قد ساعده في التغلب على بعض من أبشع أعراض حالته.

نهاية تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد حاليا أي علاج للـ(APD)، حيث أن إيجاد وسائل ناجحة للعلاج كان أمراً صعباً، وهذا يعود في جزء منه إلى أن الأشخاص المصابين بالـ(APD) عادة ما يميلون إلى الشعور بالراحة جداً مع شخصياتهم ولا يمتلكون الدافع للتغيير، ومع ذلك، فالبعض، مثل (فالون)، عازمون على القيام بالتغيير ليصبحوا أفضل بقليل.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير