التصنيفات: طاقة نظيفة

لماذا علينا أن نبني عالماً يعمل بالطاقة النووية

رغم جميع السلبيات والإيجابيات التي تمتلكها، ولكن حتى الآن لا تزال الطاقة النووية هي الخيار الأفضل لدينا لإزالة الكربون من على كوكب الأرض، وتخليص العالم من اعتماده من الوقود الأحفوري، فخلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، شرعت الكثير من الحكومات حول العالم، بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة وحتى الاتحاد السوفييتي بتنفيذ مشاريع طموحة قادرة على توفير الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، ولكن حدوث العديد من الكوارث مثل تلك التي حدثت في ثري مايل ايلاند (1979) وتشيرنوبيل (1986) وفوكوشيما (2011) ساهمت في وقف هذه الوتيرة المتسارعة لاستخدام هذه التقنية، كما ساهمت في تغيير سياسة الاعتماد على الطاقة النووية للعودة مرة أخرى إلى استخدام الوقود الأحفوري على نطاق واسع، وبالطبع فقد ساهمت مشاعر الرأي العام المناهضة للأسلحة النووية قليلاً أيضاً، ولكن بالنظر إلى أن جميع أنواع الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية لا يمكنها بعد أن تخلصنا من الطاقة التي يوفرها النفط والغاز، ألن يكون من الأفضل إذا اعتمدنا على الطاقة النووية بالرغم من كل عيوبها (والتي تمت معالجة الكثير منها من قبل التكنولوجيا الحديثة)؟

بناءً على ما سبق، قام باحثان بطرح سؤال مفاده إذا ما كان العالم سيتحول نظرياً للاعتماد على الطاقة النووية، فكم سيستغرق من الوقت للتخلي تماماً عن الوقود الأحفوري، وبعد إجراء التحليلات تبين أنه إذا ما قمنا ببناء محطات للطاقة النووية بالمعدل الذي عملت به السويد بين عامي 1960-1990، سيتم الوصول إلى هذا الهدف في غضون 25 عاماً من الآن.

قام كل من (ستيفان كفيست)، وهو فيزيائي في جامعة أوبسالا في السويد، و(باري بروك)، أستاذ في الاستدامة البيئية في جامعة تسمانيا، بتحليل معدل تطور الطاقة النووية في بلدين كانت تجربتهما هي الأكثر نجاحاً في هذا الموضوع، فرنسا والسويد، ففي عام 1974، وفي أعقاب أزمة النفط التي جرت في عام 1973، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي (بيير مسمير) الخطة التي سيتم تسميتها على اسمه، وقد كان شعار الحملة كافٍ للتعريف بأهدافها وهو “كل شيء كهربائي، وكل شيء يعمل بالطاقة النووية” (tout-éléctrique, tout-nucléaire)، وعلى مدى السنوات الـ15 التالية قامت فرنسا بتثبيت 56 مفاعلاً نووياً، وتلبية احتياجاتها من الطاقة (حيث كانت تستمد 75% من احتياجاتها من الطاقة النووية)، وحتى تصدير الكهرباء إلى دول أوروبية أخرى، وفي ستينيات القرن الماضي، قامت السويد بعملية مماثلة، لدرجة أنه بحلول عام 1986، أصبحت نصف الطاقة الكهربائية المستخدمة في البلاد قادمة من الطاقة النووية، وبهذا انخفض نسبة تسبب كل فرد في الانبعاثات الكربونية بنسبة 75% عن الذروة التي بلغتها في عام 1970، كما كانت تكاليف الطاقة النووية من بين أدنى المعدلات في العالم.

تبعاً لتقديرات (كفيست) و(بروك)، فإنه إذا بنى العالم محطات لتوليد الطاقة النووية بالمعدل الذي قامت السويد به منذ 40 عاماً، يمكن التخلص من جميع محطات الفحم والطاقة والغاز الطبيعي في غضون 25 عاماً، وإذا ما اتبع العالم الوتيرة التي اتبعتها فرنسا في بناء محطات الطاقة النووية، فإن الأمر سيستغرق حوالي 34 عاماً.

أشار الباحثان في تقريرهما الذي نشروه في مجلة (PLOS ONE)، أن بناء المفاعلات النووية بهذا المعدل المتواضع الثابت، إلى جانب إدخال الكهرباء إلى أنظمة النقليات (مثل السيارات الكهربائية، وزيادة استخدام السكك الحديدية السريعة وغيرها) يمكن أن يقلل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالمياً لما يقارب 70% قبل عام 2050.

من المؤكد أن هذا النوع من التحليلات ليس بالغريب على صانعي سياسات الطاقة، والسياسيين، ناهيك عن المهندسين النوويين، فإذاً، لماذا لم يصبح العالم مغطى بعد بمحطات الطاقة النووية؟ حسناً، هناك الكثير من الأسباب، ولكن الأسباب الرئيسية تكمن في:

  • عدم وجود الدعم الشعبي اللازم: وذلك لأن الكثير من الأشخاص يخافون من الطاقة النووية، حيث أنهم يخشون أن تنفجر تلك المصانع وتولد تلك الغيمة التي تشبه شكل الفطر، ولكن تجدر الإشارة إلى أن مصانع الطاقة النووية لا تنفجر لتولد غيمة على شكل فطر كما تفعل القنبلة الذرية.
  • بناء محطات توليد الطاقة النووية يمكن أن يكون مكلفاً: حيث يمكن أن تصل تكلفته لمليارات الدولارات، وهذا النوع من رأس المال يصعب الحصول عليه.
  • عدم وجود العدد الكافي من المتخصصين: فحتى لو تم بناء 1000 محطة لتوليد الطاقة النووية، فلن يكون هناك عدد كاف من الأشخاص لإدارتها.
  • بناء محطات توليد الطاقة النووية يأخذ وقتاً طويلاً: حيث أن أجزاء، مثل وعاء المفاعل، وعناصر جهاز التبريد وهلم جرّا، يصعب تصنيعها، وغالباً ما يكون هناك مورّد واحد في العالم كله لتصنيع أجزاء محطة الطاقة النووية الرئيسية، فإذا كنت ترغب في بناء محطة لتوليد الطاقة، سيكون عليك الانتظار في الدور.

لذلك، بدلاً من بناء المزيد من المحطات النووية، نرى أن البلدان بدأت بإغلاق هذه المحطات، حيث تهدف فرنسا لخفض حصتها من الطاقة النووية بنسبة 25% بحلول عام 2025، أي إغلاق نحو 22 محطة للطاقة النووية، والجدير بالذكر أن عدد من هذه المحطات النووية كان قد تم بناؤه في بداية الثمانينيات أو حتى قبل ذلك، وهذا يجعل عمرها يناهز الـ40 سنة – أي أن هذه المحطات كان سيتم إغلاقها على أي حال إذا لم تقم اللجان المسؤولة عنها بتمديد فترة عملها-، ففي النهاية هي مصانع قديمة وينبغي الاستغناء عنها لأنها أصبحت تمثل خطراً محتملاً، ولكن في الوقت نفسه ينبغي الاستعاضة عنها بمصانع حديثة، وذلك لوجود الكثير من الأسباب الوجيهة:

  • تعتبر الطاقة النووية أرخص شكل من أشكال الطاقة.
  • تعتبر مفاعلات الطاقة النووية الحديثة آمنة، وذلك لأنها تحتوي على الحد الأدنى من التدخل البشري وآليات السلامة الآلية، كما أن هناك إجراءات احتياطية للإجراءات الاحتياطية.
  • قد تكون النفايات النووية مشكلة، ولكن هذا هو الحال بالنسبة لأي نوع من النفايات، على الأقل، فإن النفايات النووية يمكن التحكم بها، فمثلاً تقوم مصانع الفحم بنفث كل نفاياتها في الغلاف الجوي وهذا الأمر يمكن أن يكون مكلفاً ليس من حيث التخزين بل من حيث ارتفاع درجة حرارة الأرض، ناهيك عن القول بأن هذا النوع من النفايات لا يمكن السيطرة عليه.
  • يمكن للطاقة النووية أن تنقذ حياة العديد من الأشخاص، حيث أن استخدام الطاقة النووية منع حدوث 1.8 مليون حالة وفاة ناجمة عن تلوث الهواء على مستوى العالم، والاستمرار في استخدامها يمكن أن ينقذ الملايين من الأرواح في العقود القادمة، كما وقد أكدت وكالة ناسا أن محطة الطاقة النووية أكثر أماناً بـ4000 مرة من المحطات العاملة بالفحم.

دعونا لا نخدع أنفسنا، فإذا كان لدى العالم أي فرصة لتفادي حدوث كارثة بيئية، مثل ارتفاع نسبة الاحتباس الحراري بأكثر من 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 نتيجة لحرق الوقود الأحفوري، ففرصتنا الوحيدة هي نشر الطاقة المتجددة أو بناء محطات للطاقة النووية على نطاق واسع، وفي الحقيقة فإن الخيار الأخير يمتلك فرص نجاح أفضل، كما أنه ليس من الضروري أن يستمر بالعمل إلى الأبد، حيث يمكن له أن يكون مجرد مرحلة انتقالية، حتى يتوصل العالم لبناء مفاعل للانصهار النووي أو لتخزين الطاقة القابلة للتجدد بنجاح.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير