التصنيفات: علم النفس

لماذا تتحرك أعيننا عندما نحلم

تشير البحوث الجديدة، بأن الصور الغريبة النابضة بالحياة التي تتألف منها أحلامنا، تتشكل عندما يصل الأشخاص لمرحلة النوم الذي يتميز بحركات العين السريعة (REM)، وهذه النتائج تؤكد الفرضية العلمية التي أشارت منذ فترة طويلة إلى أن مثل هذه الحركة السريعة للعينين أثناء النوم تعكس حركة عين الشخص أثناء رؤيته لعالم الأحلام بذات الطريقة التي يحرك فيها عينيه أثناء رؤية المشاهد الحقيقية في حالة الاستيقاظ.

يشير الباحث المشارك في الدراسة (يوفال نير)، وهو باحث في علم النوم والأعصاب في جامعة تل أبيب في إسرائيل، بأن الباحثين كانوا يعتقدون منذ فترة طويلة بأننا نقوم بتفحص عالم الأحلام أثناء رؤيتنا للصور التي يتكون منها الحلم، بذات الطريقة التي نرى فيها العالم الحقيقي، ولكن حتى الآن لم يكن هناك إثبات علمي على ذلك.

مما تتكون الأحلام؟

إن السر الذي يجعل البشر يحلمون كان قد فتن العلماء والفلاسفة منذ فترة طويلة، فهل الأحلام عبارة عن تلميحات صادرة من أعماق اللاواعي لدى الشخص كما أشار (سيغموند فرويد)؟ أم هي ببساطة الطريقة التي يعمل من خلالها الدماغ لحل مشاكل الحياة؟ أم هي مخلفات الصور اليومية التي يعالجها الدماغ ويزيلها كل ليلة أثناء نوم الشخص؟

على الرغم من السنوات الطويلة التي قضاها الباحثون في دراسة هذا الموضوع، إلّا أنهم لا يزالوان لا يمتلكون سوى بعض الإجابات حول هذا الفضاء الغامض بين النوم واليقظة، فلمدة 60 عاماً، كان الباحثون يعرفون بأن الأشخاص يحلمون خلال مرحلة حركة العين السريعة (REM) من النوم، وتبعاً لـ(نير)، فقد افترض الكثيرون بأن حركة العينين راجعة لرؤية الأشخاص صوراً في أحلامهم، ولكن لم يكن هناك أي وسيلة تمكنهم من معرفة ذلك على وجه اليقين.

ولكن مؤخراً، قام (نير) وزملاؤه بإيجاد طريقة فريدة من نوعها لاختبار هذه الفكرة، حيث قاموا بإجراء تجربتهم على بعض الأشخاص المصابين بالصرع الذين لا يتجاوبون مع الدواء، لذلك كان لا بد من إجراء زرع لأقطاب كهربائية في أدمغتهم، تقوم بإرسال صدمات كهربائية صغيرة إلى أجزاء الدماغ المسؤولة عن النوبات، مما يؤدي في الغالب على القضاء تماماً على تلك النوبات.

ولكن من جهة ثانية، كان يمكن لهذه الأقطاب أيضاً أن تقوم باكتشاف وتسجيل الإطلاقات الكهربائية الصادرة عن الخلايا العصبية الفردية، أو خلايا الدماغ.

الرؤية في النوم

لذلك، سأل كل من (نير)، والدكتور (اسحق فرايد)، وهو عالم في مجال الأعصاب الإدراكية في جامعة كاليفورنيا، وزملائهم، 19 شخصاً من الذين كانوا سيخضعون لعملية زرع أقطاب في الدماغ لعلاج الصرع، فيما إذا كانوا على استعداد أيضاً لكي يتم تسجيل بعضاً من النشاط الدماغي لديهم أثناء نومهم.

بينت النتائج التي تم نشرها في مجلة (Nature Communications)، بأن التسجيلات الدماغية كشفت بأنه في كل مرة يحرك فيها الحالمون عيونهم، كانت الخلايا العصبية التي توجد في الفص الصدغي المتوسط من الدماغ تبدي زيادة في النشاط.

كان (فرايد) قد وجد في دراسات سابقة، بأن الفص الصدغي الأوسط يظهر زيادة في النشاط عندما ينظر الأشخاص إلى صور أشخاص وأماكن شهيرة، مثل جسر جولدن جيت أو صورة الممثلة الهوليودية (جنيفر أنيستون)، وفي الوقت ذاته، وجد بأنهم يبدون أيضاً حركات عين مماثلة لتلك التي تحدث أثناء النوم (REM).

تبعاً للدكتور (جي ألان هوبسون)، وهو طبيب نفسي وباحث في مجال النوم في كلية الطب بجامعة هارفارد في ماساتشوستس، فإن هذه الدراسة الجديدة كانت بمثابة تأكيد للفرضية السابقة التي تشير إلى أن حركات العين أثناء النوم (REM) تتوافق مع رؤية الأشخاص للصور في أحلامهم.

بالإضافة إلى هذا، فقد أشار (نير) بأن أجزاء أخرى كثيرة من الدماغ كانت تنشط أثناء نوم الـ(REM)، وفريقه لا يزال غير متأكد تماماً من الكيفية التي تشارك فيها تلك المناطق في الحلم.

من الناحية النظرية، قد يتمكن الباحثون يوماً ما من قراءة نشاط حلم شخص ما باستخدام بيانات نشاط الدماغ، وتحديد ما إذا كان الشخص يرى مثلاً قط صغير أو وحش مخيف، وللقيام بذلك، فإن على الباحثين أن يقوموا بتسجيل إشارات نشاط الخلايا في دماغ شخص ما أثناء نومه، ومن ثم سؤاله عندما يستيقظ عن الحلم الذي كان يراوده، كما أنهم سيكونون أيضاً بحاجة إلى جمع بيانات عن إشارات النشاط الكهربائي في الدماغ أثناء رؤية الشخص لتلك الصور ذاتها أثناء اليقظة.

ولكن هذا قد يكون أمر صعباً، فبعد كل شيء، غالباً ما يكون الأشخاص الذين سيخضعون لعملية جراحية في الدماغ متوترين بالفعل حول صحتهم ومشتتين بسبب مخاوف أخرى، لذلك سيكون إيقاظهم من النوم في منتصف الليل تطفلاً غير مرغوب به.

ما هو هدف الأحلام؟

بحسب (هوبسون)، فإنه على الرغم من تركيز الدراسة على آليات الحلم، إلّا أنها كانت أيضاً تمتلك آثاراً أخرى، فتبعاً له، هذه البيانات تمثل مسماراً آخر يدق في نعش الفكرة التي تقول بأن الحلم هو نوع من التشويه الرمزي لنشاط من الماضي، وهذا يشير إلى عدم صحة أفكار (فرويد) التي تقول بأن الأحلام تمتلك لأهمية رمزية قابلة للتفسير.

فبدلاً من ذلك، وعلى اعتبار بأن نشاطاً مماثلاً من الرؤية البصرية يتم تحت سيطرة الشخص الواعي عندما يكون الشخص مستيقظاً، فإن نشاط خلايا الدماغ في حالة الحلم  تظهر بشكل واضح جداً أن الحلم هو شكل من أشكال الوعي، ويمكن أن نسميها بأنها حالة مختلفة من الوعي.