فضاء

كيف ستبدو مصانع الفضاء المستقبلية؟

تحول الخيال العلمي إلى واقع ملموس في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1957 عندما تم إطلاق قمر سبوتنيك الصناعي،  والذي شكّل الخطوة الأولى للبشرية خارج الأرض، ومنذ ذلك الحين، بدأ التقدم يصبح سريعاً، فالآن أصبح عدد الرجال والنساء الذين تم إرسالهم لاستكشاف الفضاء وإجراء البحوثات كبيراً جداً.

ولكن في الوقت الذي ينظر فيه معظمنا إلى الفضاء بصفته مكاناً مخصصاً لإجراء البحوث العلمية والوصول إلى المزيد من الاكتشافات، فهل يمكن أن يقدم هذا المكان المزيد من الفائدة للبشرية في المستقبل؟ وهل يمكننا مثلاً الحصول على فوائد اقتصادية منه من خلال القيام بنشاطات صناعية في مصانع موضوعة في الفضاء والاستفادة من قلة الجاذبية هناك يوماً ما؟

كانت الحكومات التي تمول البعثات الفضائية المكلفة جداً تبحث طويلاً عن طرق تستطيع من خلالها ضمان الحصول على عائدات اقتصادية من ذاك المكان، وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي، حرصت وكالة ناسا على تشجيع مشاركة أي صناعة أشارت بأنه يمكنها أن تجعل الفضاء يدر بعض الأرباح المادية، وتحت هذا الحافز المالي، تم قطع العديد من الوعود لاختبار الصناعات في بيئة قليلة الجاذبية في المدار.

أشارت إحدى الآراء بأن البيئة منعدمة الجاذبية قد تسمح بنمو بلورات البروتين التي تعتبر مهمة في المعركة ضد السرطان، كما كان يعتقد بأنه قد يكون من الممكن تصنيع مواد جديدة في بيئة منعدمة الجاذبية تحمل خصائص جديدة ومفيدة، وهذا بالإضافة إلى العديد من الوعود الأخرى.

لكن تكاليف إطلاق المواد والمعدات اللازمة وتجهيز المكونات وإعادة المنتجات النهائية إلى الأرض، بيّنت تدريجياً بأن هذه الأفكار غير قابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية، فتكلفة الوصول إلى الفضاء تقاس بالكيلوغرام الواحد، وهي حالياً تقارب سعر الذهب، وفي الواقع، تبين بأن تصنيع أي شيء تقريباً في الفضاء قد يكون مكلفاً جداً لخلق أسواق جديدة قابلة للتطبيق هنا على الأرض، ولكن هل يمكن لهذا أن يتغيير؟

المستقبل القريب

نحن نمتلك بالفعل فرصاً للبدء في نشاط صناعي في الفضاء على متن المحطة الفضائية الدولية، فهي تدور حول الأرض 16 مرة يومياً وتحمل على متنها ما بين ستة وتسعة رواد الفضاء، وهناك يتم تنفيذ مجموعة واسعة من التجارب في مجالات علوم الحياة والفيزياء كل يوم، مما يجعلها نوعاً من المختبر الذي يحلّق في بيئة منعدمة الجاذبية، والعديد من هذه التجارب يمكن أن يولّد معلومات ذات صلة مباشرة بالمجال الصناعي.

على سبيل المثال، فإن الحصول على فهم لكيفية تدفق المعادن المنصهرة أثناء صبها في أشكال معقدة يتطلب قياس خواص المعادن قرب نقطة انصهارها، ومن الأفضل القيام بذلك على عينات عائمة في بيئة من الجاذبية الصغرى مع عدم وجود حاوية تلوث العينة، والبيانات التي سيتم الحصول عليها ستحسن الاقتصاد وموثوقية الصب هنا على الأرض في المستقبل، لذلك فإن البيئة ذات الجاذبية الصغرى تعتبر أداة هامة في فهم العمليات الفيزيائية والحياة هنا على الأرض.

مؤخراً، قامت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بإجراء استطلاع صناعي، سعياً للحصول على أفكار جديدة للمشاركة التجارية في محطة الفضاء الدولية، وقد تركزت معظم المقترحات على توفير وسيلة أرخص للوصول إلى المحطة الفضائية الدولية باستخدام معدات مبسطة، وليس إجراء عمليات صناعية جديدة، لذا فإن الصناعة تمتلك الفرصة لمشاركة واختبار الأفكار الجديدة، ولكن من خلال إيجاد طرق أرخص للوصول إلى الفضاء والعودة منه – وليس من خلال ممارسة الأعمال التجارية في بيئة ذات جاذبية صغرى.

الجدير بالذكر أن عمر محطة الفضاء الدولية محدود، وستتخذ وكالة الفضاء الأوروبية قرارها في ديسمبر/ كانون الأول  من هذا العام فيما إذا كانت ستمدد العملية، بالتعاون مع وكالة ناسا، حتى عام 2024، حيث أنه يكان يكون من المؤكد أن المحطة الفضائية الدولية سيتم إنزالها وتدميرها بحلول عام 2030.

يجري حالياً مناقشة الخطوة التالية لما بعد محطة الفضاء الدولية تحت العنوان المبهم “مسكن الفضاء السحيق” (DSH)، وهو ما قد يكون “مستعمرة” مؤقتة، بعيدة عن الأرض وأبعد من المدار المنخفض للأرض، حيث تطفو محطة الفضاء الدولية حالياً، ومن المخطط أن يتم بناؤه باستخدام أجهزة من محطة الفضاء الدولية، وربما نتمكن من استخدام المواد التي توجد في الأقمار المحلية أو الكويكبات للاستمرار والحد من تكاليف الامداد، وفي البداية سيكون توفير الماء والأكسجين هما الهدفان الأساسيان، وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى حوالي 30  كغ يوماً من هذه الأشياء للاستمرار في الحياة.

المستقبل البعيد

قد تستفيد بعثات التنقيب في المستقبل أيضاً من معالجة المواد على الكويكبات لتوفير الوقود للصواريخ لرحلة العودة أو لاستخدامها كمواد بناء – ولكن هذا خطوة بعيدة جداً في الوقت الحالي-، كما تشير بعض هذه المقترحات بأن التعدين الكوكبي قد يكون له فوائد اقتصادية طويلة الأمد على للجميع.

توجد هذه المواد على العديد من أسطح الكواكب، ولكن المصانع الحالية لمعالجتها تحتاج إلى موارد نقل ضخمة، أكثر ضخامة من المنتجات النهائية، وحتى مع ذلك، فإن البعثات التي يتم دراستها الآن قد تبدأ باختبار هذه الأفكار على سطح القمر، أو قمر المريخ فوبوس، في غضون عشر سنوات أو نحو ذلك.

لا يزال يتعين علينا تحديد المواد التي لا يمكن أن يتم إنشاؤها إلّا في بيئة ذات جاذبية صغرى والتي يمكن أن يكون لها استخدامات مهمة في أماكن أخرى، وهناك حالياً بالتأكيد العديد من الاحتمالات حيث أن تصنيع رغوة صلبة عن طريق إدخال الغازات إلى خليط من الزجاج المصهور والمعدن المنصهر والسماح للخليط بأن يبرد دون وجود جاذبية تفصل مكوناته عن بعضها قد يؤدي لصناعة مواد هيكلية تمتلك قوة الفولاذ ومقاومة للصدأ.

ولكن المنتجات التي من الأكثر ترجيحاً أن يتم تصنيعها في الفضاء ستكون بناء أقسام هيكلية كبيرة لتشييد المزيد من المصانع والمحطات الفضائية.

تصور المفكرون منذ عقود عديدة “مستعمرات فضائية” طويلة الأمد تسافر بعيداً عن الأرض، حيث أن هذا سيوفر بعض الاستقلالية عن الأرض أثناء الأزمات، وسيحتاج إلى نظم دعم مستدامة، وقد قدم الفيزيائي الأمريكي (جيرارد ك أونيل) اقتراحات لاسطوانات ضخمة، يصل طولها إلى العديد من الكيلومترات، ورسوم توضيحية جذابة تظهر الحقول والمصانع التي تتعايش في هذا العالم الصناعي.

في النهاية لا يسعنى سوى أن أقول بأن سبوتنيك، المحطة الفضائية الدولية، ومسكن الفضاء السحيق المستقبلي هي مجرد خطوات على الطريق إلى تلك المستعمرات، وبمجرد إنشاءها، فقد نحتاج بعد ذلك لإنشاء المصانع في الفضاء لتبقينا على قيد الحياة أثناء وجودنا في مكان بعيد جداً عن الأرض.

 

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير