التصنيفات: الصناعة والإبتكار

شاحنات ذاتية القيادة

كثر الحديث خلال الأشهر القليلة الماضية حول السيارات الذاتية القيادة، حيث قامت العديد من الشركات بتصنيع العديد من السيارات ذاتية القيادة، بعضها يمكنه أن يركن نفسه بنفسه ومنها ما يكون قادراً على اعطاء التفاصيل الدقيقة عن المنعطفات والطرقات الواجب اتباعها أثناء القيادة، أما الخبر الجديد فهو عن التصميم الذي أطلقته شركة مرسيديس بنز الألمانية الرائدة في صناعة السيارات لشاحنتها الذكية الجديدة والتي تحمل إسم Mercedes Future Truck 2025.  وقد تم تصميم هذه الشاحنة لمساعدة سائقي الشاحنات في رحلاتهم الطويلة.

إن التصميم الجديد لشاحنات ميرسيدس- بنز لا يبدو جنونياً، إلّا أنه غريب بعض الشيء، فإن أول ما يمكن أن يخطف الأبصار في التصميم الجديد لهذه الشاحنات هو استبدال المصابيح الأمامية الاعتيادية للشاحنة بمصابيح LED، ووضع كاميرات على جوانب الشاحنة عوضاً عن المرايا الجانبية، ولكن هذه التعديلات المتواضعة التي تم إضافتها على التصميم الأصلي تخفي وراءها نيّة حقيقية لإحداث ثورة في صناعة شاحنات النقل، حيث أن الشاحنات المستقبلية لعام 2025 ستقود نفسها بنفسها بذات التقنية المستخدمة في الطائرات حالياً، وعلى الرغم من أن التصميم الجديد لهذه الشاحنات ما يزال في مرحلة النماذج الأولية، إلّا أن ميرسيدس جادة حقاً في الوصول إلى إطلاق النموذج النهائي خلال العقد القادم.

لا تعتبر تقنية القيادة الذاتية من التطبيقات الجديدة، فهي توجد بالفعل في التطبيقات الزراعية والعسكرية، ويجب أن تكون متاحة للاستخدام بحلول عام 2020، والجدير بالذكر أن مثل هذه التطبيقات ستكون مفيدةً جداً إذا ما تم اعتمادها في الشاحنات، حيث تعد هذه الشاحنات الضخمة من أكثر العوامل التي تؤدي إلى سفك العديد من الأرواح على الطرقات سنوياً، فالقيادة على الطرقات السريعة تعد من المهام السهلة بالنسبة لأجهزة الكومبيوتر، ولكنها صعبة بالنسبة للبشر، ولكن بتوفر تقنية مثل القيادة الذاتية في الشاحنات الكبيرة يمكن عندها  خفض عدد الحوادث والمآسى التى تقتل آلاف الأشخاص كل عام على الطرقات السريعة، وهذا سيتيح الفرصة لسائقي الشاحنات بأخذ قسط من الراحة والنوم بدلاً من التهديدات و المعاناة التي يسببونها للسيارات الأصغر حجماً أثناء سفرهم لمسافات طويلة على الطرق.

إنطلاقاً من فكرة أن التقليل من تدخل العنصر البشري في القيادة يمكن أن يساهم في التقليل من حوادث الطرقات، قامت شركة ميرسيدس للسيارات بتزويد شاحناتها المستقبلية لعام 2025 بنظام الملاحة الآلية للطرقات السريعة، وهذا النظام يعتبر أكثر أماناً لأنه من المستحيل عليه أن يتعب، كما أنه يكون دائماً بحالة يقظة تامة، ولا يمكن أن يشعر بالغضب أو أن يتشتت.

 إضافة إلى ما سبق فإن القيادة الآلية على الطرقات السريعة (Highway) تعد أسهل بكثير من القيادة في طرقات المدن، حيث أن الطرقات السريعة لا تضج براكبي الدراجات أو المشاة، كما أن السرعة تكون ثابتة على هذه الطرقات طوال الوقت، كما أن المنعطفات تكون قليلة نسبياً، ولمواكبة جميع الاحتمالات وتوفير الأمان التام للشاحنة وما يحيط بها، تم الجمع بين العديد من التكنولوجيات الراسخة في هذا النظام التجريبي للطريق السريع، فهو يحافظ على سير الشاحنة على خط معين واحد، ويعتمد  على استخدام الكاميرات والرادارات لمتابعة السير لمسافات طويلة، وقد تم تجهيز الشاحنة بأجهزة الاستشعار لتوفر التغطية الكاملة لمحيط الشاحنة، وتقوم هذه الأجهزة بعدها بإرسال المعلومات إلى أنظمة المساعدة المرتبطة بها، كما يمكن لنظام الاتصال الموجود في الشاحنات أن يحدد مواقع الشاحنة بسرعة وبشكل دقيق.

أما مهمة السائق في الشاحنات المستقبلية، فتقتصر على الإدارة، فيصبح بمرتبة “مدير النقل”، حيث يجب عليه إيصال الشاحنة إلى الطريق السريع ويمر بها خلال حركة المرور المزدحمة في المدينة، وعندما يصل السائق إلى نقطة يكون معها من الممكن القيادة بسرعة 50 ميلاً في الساعة، يمكنه تفعيل النظام الآلي للطرق السريعة والاسترخاء، وعندها يمكنه الابتعاد عن عجلة القيادة وقلب مقعده بزاوية تصل إلى 45 درجة، ولا يعود مطالباً بالتحقق من الطريق باستخدام مزود جوجل للخرائط، وذلك على اعتبار أن الشاحنة تمتلك نظام آلياً للملاحة قادر لوحده على إيجاد أفضل مسار لقيادة الشاحنة، أما عند اقتراب الشاحنة من مكان التسليم، أو عندما يحين الوقت للخروج من الطريق السريع، تصدر الشاحنة اشارات تنبيه بصرية لتنبه السائق أن الوقت قد حان ليتولى القيادة من جديد، وفي حال لم يستجب السائق للتنبيه (كأن يكون نائماً مثلاً)، عندها تصدر الشاحنة تنبيهاً صوتياً، وإذا لزم الأمر يمكن أن تضع نفسها في حالة “التوقف المبرمج لحالات الطوارئ”.

لا تعد الشاحنة الجديدة ملفتةً للأنظار في شكلها الخارجي، إلّا أن شكلها الخارجي يحتوي على تقنيات عديدة، حيث تستخدم شركة ميرسيدس مقطورة هوائية كانت قد أعلنت عن تصميمها في عام 2012، تهدف إلى الحد من مقاومة الرياح وخفض استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى خمسة في المئة، أما مقصورة القيادة فهي مصممة بخطوط ناعمة ذات مقدمة مستوية تذكرنا قليلاً بوجه (اللورد فولدمورت) من أفلام (هاري بوتر)، كما أن مصابيح الـ (LED) التي تحل مكان الأضواء الأمامية تتحول من اللون الأبيض إلى اللون الأزرق عندما يتم تشغيل نظام الملاحة الآلية، وإلى اللون البرتقالي عند الانعطاف، وكذلك قامت ميرسيدس باستخدام كاميرات المرايا الجانبية لتعزيز الديناميكا الهوائية للشاحنة، ولكن من المرجح أن يتم التراجع عن هذه التغييرات عندما تتحول هذه الشاحنة من حالة المفهوم إلى حيز التنفيذ والإنتاج حيث يجب أن تكون جميع السيارات متوافقة تماماً مع اللوائح التي تشير بدقة إلى ضرورة وجود المرايا والأضواء، ولكن قد تكون ميرسيدس قادرة على الحصول على بعض الاستثناءات لصناعة هذه الشاحنات ضمن التصميم المخطط له.

للأسف فإن الشاحنات الآلية لن تطرح في الأسواق قبل عقد على الأقل من الآن، فعلى الرغم من أن التكنولوجيا التي تم تهيئتها للتحكم بها قد تم تصنيعها بالفعل، إلّا أنه يبقى على مرسيدس الإجابة على بعض الأسئلة، مثل كيفية التأكد من أن البيانات التي ستصل إلى المركبات ستكون آمنة تماماً، وكيف سيتصرف نظام الملاحة الآلي في حالة وقوع حادث تحطم (لا مفر منه)، ويبقى التحدي الآن هو للاستفادة من هذا الحماس لمواصلة الحوار المفتوح مع جميع الأطراف المعنية، بحيث يمكن وضع شاحنة القيادة الآلية على الطرقات في غضون عشر سنوات من الآن.

شارك
نشر المقال:
فريق التحرير