عرض تلخيصي لسمات التوحد

كان أول من ميز هذا المرض دون سواه من الأمراض النفسية ليو كانر، وقد وصفه بالسمة الأبرز وهي اضطراب التواصل العاطفي  لدى الطفل. مع تطور القدرة التصنيفية وضعت هناك مجموعة من السمات التي تظهر على المتوحدين، وترد ضمن عدة تصنيفات(سمات) سأذكرها تباعا. من المهم جدا لكن الانتباه الى قضية وجود فروقات فردية كبيرة بالاضافة الى طيف واسع من السمات التي يجتمع بعضا منها وليس بالضرورة جميعها في المتوحد، علاوة على ذلك أنها قد تظهر بحدة متفاوتة من مريض الى آخر.

يعاني المتوحد من صعوبات في السلوك الاجتماعي والارتباط مع الآخرين، أبرزهم الوالدين الذين يقعون ضحية لتجاهل ابنهم لهم ولمشاعرهم أو التواصل معهم عاطفيا، فهو حقيقة لا يشعر بهم أو لا يظهر حاجته بهم. يعجز الطفل المتوحد عن اللعب الجماعي الذي يتطلب تفاعلا مع الأطفال الآخرين (يعتبر أنه يفتقر الى هذه المهارة اذا ما تجاوز جيل الثلاث سنوات أو أكثر)، وأيضا لا توجد لديه القدرة على المشاركة في ألعاب الخيال التي تميز الأطفال بعد عمر الخمس الى ست سنوات. بالنسبة الى قضية اللعب فانه تجدر الاشارة أنه يمكن ملاحظة هذه الأمور في جيل متأخر في حين أنه يمكن اكتشاف التوحد في جيل أبكر اعتمادا على التخلف اللغوي لدى الطفل، تجدر الاشارة أن الاكتشاف المبكر للتوحد تحظى بأهمية بالغة تساعد على امكانية العلاج المبكر والأنجع. احدى السمات الأخرى المرتبطة بقضية السلوك الاجتماعي هي أنه لا يظهر لدى الطفل اهتمام في التواصل البصري(عين-عين) ويتميز بغض البصر عند التواصل مع المحيطين به.

لدى المتوحد صعوبات في التواصل، أبرزها فشله في اكتساب اللغة، فهو لا يمتلك مهارة “التعميم اللغوي للمفردات” وتكون لديه ذات معنى محدد فقط (مثال: عندما يسمي الطفل الكرة حمراء اللون بحجم معين “طابة” في غرفته، فيعتقد أنها فقط هي بعينها “طابة”، لكن مع مرور الوقت وانكشافه على كرات أخرى بألوان مختلفة وبأحجام مختلفة يفهم أنها هي الأخرى “طابة” وليست فقط التي ملكه)، بالنسبة للتشخيص، فان الفشل في اكتساب اللغة أو التأخر يعطي اشارة حمراء تستدعي الشك واستشارة الأخصائيين، وهناك توحديون يكتسب القدرة على الكلام مبكرا الا أنه سرعان ما يتراجع لذا وجب الانتباه. عدا عن قضية اكتساب اللغة فان التوحدي يفتقد أساليب التواصل غير اللغوي كالاشارات، الاشارة الدلالية، وايماءات الوجه. علامات أخرى بارزة هي المصاداة (Echolalia) بمعنى أنك اذا طرحت على هذا الطفل التوحدي سؤالا ستجده يعيد عليك السؤال بدلا من الاجابة عنها، وهناك المصاداة المباشرة أو المتأخرة بمعنى فرق زمني بين السمع والاعادة. لغة التوحديين أيضا مرتبطة فقط بالزمن الحاضر (أي تكاد تفتقر الى البعد الزمني الماضي أو المستقبلي)، وأحيانا يكون لديهم ألفاظ غريبة مستحدثة لأشياء محددة. علامات أخرى مرتبطة باللغة هي العروضية (dysprosody) والمقصود بها أن نبرة الصوت تكون مضطربة ولا تلائم السياق (صوت حزن وضجز في حالة فرح كمثال). كل هذا بالاضافة الى ما يرتبط بالخيال الضحل والقدرة التجريدية الضعيفة لديهم هي أن لغتهم حرفية ولا تحتوي على التشبيه أو الاستعارة أو الفكاهة.

من السمات أيضا ما يقع تحت تصنيف سلوكيات نمطية، متكررة ومحددة. عادة ما تكون لديهم حركات قهرية رئيسية كالتأرجح، هز الرأس أو ضربه بالحائط، التصفيق باليدين والدوران. وحركات أخرى دقيقة مثل تحريك واهتزاز الأصابع، التحديق في اليدين ووضعهما أمام العينين، شد الشعر، اللعب في اللعاب، التكشير والاحولال(حول العينين). هذه الحركات تسمى بسلوك الاستثارة الذاتي وهي عادة ما تجلب وصمة لدى الطفل توحي بالغرابة فتعوق تجاوب محتمل مع البيئة والتعلم. التوحديون يفضلون الروتين اليومي، ولديهم شعيرة يومية خاصة بهم اذا ما اعترضتها فانها ستجابه بنوبة غضب عارمة. يكرهون التغيير ويصطحبون معهم باستمرار شيء جماد، ويلاحظون التفاصيل الدقيقة جدا في تغيير ما، لهذا هم يتميزون أيضا بحفظ معلومات بلا أهمية.

سمة أخرى هي الاستجابات الشاذة للبيئة الطبيعية وهي تنم اما عن عجز في الاستجابة أو وجود استجابة لكنها تكون غير طبيعية، من ضمنها المثيرات السمعية أو البصرية، ويلاحظ لديهم غرابة في اهتماماتهم الحسية. صفة بارزة لدى بعضهم هو ما يسمى الاستماتة في مجابهة التعرض للمس (Tactile defensiveness)، أو صفة أخرى هي ضعف الاستجابة للألم مثلا.

هناك سمة الاضطرابات العاطفية وتتفرق في طيف واسع من الفروقات الفردية بين استجابة انفعالية اما شديدة أو ضعيفة أو انعدام وجود انفعال على الاطلاق. لديهم أيضا حالة مزاجية متقلبة دون سبب مفهوم.

من ناحية النشاط العقلي فانهم يتميزون بوجود عجز في قدراتهم العقلية، اذ أن حوالي 75% من التوحديين متخلفون عقليا. الفرق حقيقة بينهم وبين المتخلف عقليا هو أن الثاني عادة ما يفشل في جميع أفرع اختبارات الذكاء، بينما ينجح المتوحد في فرع أو فرعين وتكون لديه نتائج عالية أو مقبولة، هذه الأفرع عادة ما تكون متعلقة في الذاكرة البصرية والقدرة على الحفظ. لديهم مقابل ذلك ضعف واضح في القدرات اللغوية والتفكير المجرد. عرف أيضا عن بعض التوحديين أن لديهم قدرة متفوقة في مهارة حساب التقويم.

للأسف من السمات لدى التوحديين هو ما يعرف بالسلوكيات المدمرة وشديدة الايذاء، كايذاء الذات كضرب رأسهم بالحائط حتى ينزف الدم، لهذا يكون من الخطر تركهم وحدهم في مكان ما، وأيضا هناك من لديهم ثورات غضب تشكل خطرا اما عليهم أو على أهليهم. ولدى البعض الآخر منهم سلوك عنيف في تدمير الملكيات.

المصدر: “التوحد بين العلم والخيال – لاورا شرايبمان”

شارك
نشر المقال:
mtahhan