فضاء

حطام الفضاء تلوث جديد يحيط بالأرض

بدأ عصر الفضاء مع إطلاق روسيا لأول جسم يدور حول كوكب الأرض عام 1957، وهو ما شكل صدمة للأمريكان دفعتهم لإعادة حساباتهم في أمرين: الأول نظام التعليم، والثاني ضرورة الدخول في حلبة السباق الفضائي مع الروس، وقد نجحوا في كلا الأمرين بل وتفوقوا على كل أمم الأرض في مجال الصناعة الفضائية.

لكن – وكما هو حال في بقية الصناعات الأمريكية الأخرى- فقد كان للصناعة الفضائية آثارها الجانبية على البيئة، ونخص هنا “البيئة الفضائية” المحيطة بكوكب الأرض. مكملة بذلك سلسلة التلوثات الأخرى (البر، البحر، الهواء).

فهل هو الإهمال، وعدم الاكتراث لصيحات العلماء؟ أم خطأ لم يكن في الحسبان، كما هو الحال في بقية أنواع التلوث التي نعاني منها اليوم؟

في جميع الأحول نحن أمام مشكلة عالمية أخرى تتطلب البحث عن حلول جادة وفورية.

تتنوع مصادر النفايات الفضائية، فقد تكون قمراً صنعياً انتهى عمره الافتراضي ولم يعد ضمن نطاق الخدمة، وقد يكون بقايا مراحل لصاروخ، أو محركات صورايخ قديمة، أو صواميل ومسامير منفصلة، أو مخلفات الوقود، أو قشور من طلاء المركبات والصواريخ.

وكلها مواد من طبيعة الصناعة نفسها، بمعنى تختلف عن طبيعة النفايات التي تطرحها المعامل أو المنازل على سطح الأرض.

أولى النفايات المتشكلة في الفضاء كان مصدرها القمر الأمريكي (فانغارد-1) الذي أُطلق إلى الفضاء في 17/3/1958، ولكنه لم يعمل سوى ست سنوات فقط، وهو أقدم جسم تدور بقاياه حتى الآن.

ثم توالت الأشياء التي تطرح؛ مثل قفاز رائد الفضاء الأمريكي إدْ وايت عندما خرج من مركبته إلى الفضاء، وآلة التصوير الخاصة بميكل كولنز من مركبته (جميني-10)، إضافةً لأكياس القمامة التي تتخلص منها المحطات الفضائية المأهولة.

ولعل أكبر – وليس آخر- مصدر طرح كمية كبيرة من النفايات الفضائية هو التجربة الصينية التي أجريت في 11/1/2007 لاختبار سلاح فضائي جديد ضد الأقمار الصنعية، فقد أدت التجربة إلى تكوين كميةٍ ضخمةٍ من الحطام تصل لأكثر من مليون جسم تتراوح أحجامها بين كرة الغولف و1ملم، ونظراً لإجراء التجربة في مدار أكبر من المدارات العادية فإنه يتوقع أن يبقى الحطام يدور لمدة 35 سنة قبل أن يخرج عن مداره ويسقط على الأرض.

وعلى ذكر كرة الغولف، فإن قطعة بحجمها يمكن أن تحطم قمراً صنعياً قيمته /100 مليون دولار/ وتحيله إلى آلاف القطع إذا اصطدمت به. لكن ماذا عن بقية القطع الأخرى؟ لنتابع..

أخطار النفايات الفضائية

بحسب إحصائيات ناسا: يحيط بكوكب الأرض حوالي 600 ألف قطعة تدور حول الأرض، ويبلغ وزنها حوالي /100 طن/، ويزداد معدل ثخانتها 4% سنوياً، ويتراوح حجم أكبر هذه القطع بين 10سم وأصغر من 1سم.

وتشكل تهديداً متزايداً، إذ يمكن أن تصطدم بالأقمار الصنعية أو المركبات الفضائية التي لا تزال تدور في الفضاء. كما تشكل خطراً داهماً في طريق صعود الصواريخ أو مكوكات الفضاء.

هذه الأجسام تدور بسرعة كبيرة حول الأرض، بمعنى أنها تملك طاقة حركية كبيرة تمكنها من اختراق أي جسم يعترضها، سواء جدار مركبة أو البذلة الفضائية لرائد فضاء. وقد وقعت حادثة عام 1996 في أحد أذرع القمر الصنعي الفرنسي (سوريز) وتحطمت بسبب ارتطام شظية من نفايات الفضاء به، فقد كانت الشظية تسير بسرعة قدرها نحو 15 كيلومتراً في الثانية تسببت بإصابة القمر بأضرار، إلا أن الذراع تمكّنت من مواصلة مهمتها بفضل الجهود البطولية التي بذلها الطاقم الذي كان يتحكم فيها من الأرض.

نسب توزع النفايات الفضائية المتزايدة طردياً بين حقبتي الستينات والتسعينات من القرن العشرين، ويلاحظ كيف تزداد كلما ارتفعنا نحو الأعلى.

ولعل الخطر الأكبر هو ذاك الكامن في الأقمار أو المركبات الفضائية التي تحمل مواد نووية مشعة، فقد وقع أول حادث نووي في الفضاء في 7/2/1983 وهطلت بقاياه على سطح الأرض، من القمر الصنعي الروسي (كوزموس 1402) الذي كان يحمل مادة اليورانيوم-235 للتزود منها بالوقود. وكأن الأرض لا يكفيها ما تعانيه من مكبات النفايات النووية على الأرض، ليضاف لها مصدر آخر هو السماء.

تكرار هذه الحوادث وغيرها دفع بناسا تزويد المحطة الفضائية الدولية (ISS) بجهاز مراقبة وإنذار عن بعد يستشعر وجود أي جسم غريب على بعد 3كم قبل أن يقترب منها، لتتحرك وتبتعد عنه.

ضرورة التخلص منها

نظراً للخطورة الشديدة التي تشكلها النفايات الفضائية على رواد الفضاء والمحطات والمركبات الفضائية العاملة، وحتى على سكان كوكب الأرض؛ فقد تسقط بعض هذه البقايا على الأرض لدى اقترابها من (خط الصفر) وهو منطقة محيطة بكوكب الأرض يُشَدّ أي جسم يقع فيه إلى سطحها.

وتشير إحصائيات ناسا أنه دخل جو الأرض خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1999 (57 قطعة) من تلك النفايات، و(91) منها في عام 1998، و(69) قطعة في عام 1997م. ولعل بعضنا يذكر سقوط المختبر الأمريكي وهو ما يزال قيد العمل عام 1979 في المحيط الهندي وجزء من أستراليا، لكن لحسن الحظ لم يصب أحداً بأذى. وكذلك حال القمر الصنعي (كوزموس 1220) الروسي الذي سقط في الشهر الثاني  من عام 2014 في شمال المملكة العربية السعودية.

لم يعد أحد بمنأى عن ضرر النفايات الفضائية، فقد سقطت هذه القطعة الكبيرة على الأرض، ولاشك بأنها قاتلة لو أصابت أي كائن حي. (إلى اليسار في الأسفل) في هذه الصورة المولدة حاسوبياً، فإن كل نقطة بيضاء هي قطعة من الحطام الفضائي الذي يهيم في الفضاء على وجهه.

ومع قرع ناقوس الخطر لهذه النفايات؛ تنوعت أساليب وطرائق إزالتها، إحدى طرائق التخلص منها يتم بتوجه القمر الصنعي أو المحطة التي انتهى عمرها للاحتراق في جو الأرض، وقد نفذت هذه الطريقة مع القمر الفرنسي (سبوت-1) عام 2003، أو من خلال الاصطدام بجرم سماوي (قمر الأرض، أو مذنب، أو كويكب) بهدف دراسة الغبار الناجم عن عملية الاصطدام، وهي الطريقة التي نفذتها ناسا بتوجيه قمر صنعي انتهى عمره نحو أحد الكويكبات لمعرفة تركيبه.

طريقة أخرى أعلن عنها مركز الفضاء السويسري في مدينة لوزان يوم الأربعاء 15/2/2012  حيث يعمل مهندسون سويسريون على تطوير مركبة فضائية لجمع المخلفات التي تدور في مدارات حول الأرض، وكذلك إعادة الأقمار الصنعية القديمة إلى الأرض. ويعتزم المركز الفضائي التابع للمعهد الاتحادي التقني الوطني بلوزان، إرسال قمر صنعي صغير يدعى “كلين سبيس ون” لإعادة القمر الصنعي الأصغر حجماً “سويس كيوب” التابع للمركز، والذي تم إطلاقه في عام 2009 ويبلغ حجمه عشرة سنتيمترات مكعبة، وقال مدير المركز فولكر جاس: “لقد أطلقناه إلى هناك وسنعيده” إلى الأرض.

أما العلماء الأستراليون فقد اقترحوا استخدام أشعة الليزر في مسعىً منهم لتفادي سيناريوهات كارثية، لطالما روجت لها أفلام سينمائية، وذلك عبر تتبع واستهداف الأجسام التي تدور بالفضاء، وتفتيتها إلى قطع صغيرة، عن طريق أشعة ليزر تطلق من الأرض، لمنع أي تصادمات محتملة. ويهدف المركز الفضائي الجديد ” SEMCRC ” إلى التنبؤ بمسار تلك الأجسام من أجل التمكن من استهدافها باستخدام الليزر، وإجبارها على إبطاء حركتها، قبل أن تحترق، بشكل آمن، عند دخولها مجال الأرض.

ويهدف المسعى الجديد إلى تجنب حدوث مآسي صورتها أفلام سينمائية كان آخرها ” غرافيتي ” للنجمين ساندرا بولوك وجورج كلوني، اللذين انجرفا في الفضاء عقب حادث اصطدام تعرضت له المركبة الفضائية الخاصة بهما.

آخرون يرون في مادة (الأيروجيل) فكرة جيدة، وهي مادة تحوي بداخلها على غاز بدلاً من سائل، وتقتضي الطريقة إطلاق كميات كبيرة منه في الفضاء المحيط بالأرض لجعل النفايات تلتصق بها، وثم جعلها تهوي إلى الأرض.

ولم يفت البعض الآخر فكرة إرسال مركبة تقوم بجمع كل النفايات ووضعها في مكان محدد، وجعلها تدور في مدار معين بهدف إبعادها عن المدارات الأخرى المستفاد منها، ولتزويد رواد الفضاء “بقطع غيار” إذا كان ثمة حاجة لها.

ومهما تنوعت الحلول يبقى (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، لذلك بات من الضروري على أي مشروع فضائي مستقبلي أن يأخذ باعتباره هذه المشكلة بالحسبان، قبل الشروع به والتعرض لمشكلات قد لا تحمد عقباها على بيئة الفضاء والأرض.