كانت الطبيعة لفترة طويلة مصدر إلهام للمهندسين، حيث صنعوا من خلال مراقبتها وتحليلها الدروع المصنوعة من قشور الأسماك إلى طلاء الطائرات الواقي من الجليد المستخلص من جلد الضفادع، أما بالنسبة لتصميم الأجهزة الطبية القابلة للزرع، فإن الأمر كان دائماً يعتبر أكثر تحدياً، ولكن مؤخراً استطاع فريق دولي من علماء الفيزياء تطوير جسيمات مجهرية دقيقة تتحرك مثل الكائنات الحية الدقيقة في الجسم وتمتلك القدرة على السباحة ضد تدفق سوائل الجسم، ومن خلال هذه التكنولوجيا الجديدة يأمل الباحثون أن يكونوا قادرين على إيجاد طريقة جديدة لفتح الشرايين أو توصيل الأدوية إلى أجزاء معينة من أجهزة الجسم، وذلك وفقاً للدراسة التي تم نشرها في مجلة (Science Advances).
إن هذه المرة لا تعتبر المرة الأولى التي يقوم فيها الباحثون بتطوير جزيئات شبه بيولوجية، إلّا أن الدفع الذاتي كان قد سبب مشكلة في ما مضى، ولتصنيع هذه الجسيمات، قام الباحثون بلف الهيماتيت، وهو معدن ذو أساس حديدي، على وتد رقيق من البوليمر، وفي ظل الظروف العادية، كان بمقدور الجزيئات ببساطة أن تطفوا عند وضعها في محلول، ولكن إذا ما تم تعريض الجسيمات للضوء الأزرق، تبدأ جسيمات الهيماتيت بالتصرف كموصلات كهربائية، وفي محلول من بيروكسيد الهيدروجين، يبدأ انقسام الأوكسجين عن الهيدروجين، وتكون النتيجة هي تدرج كيميائي يمكن للجسيمات فيه أن تتدفق بطريقة غير مرتبطة مع اتجاه تحرك المحلول، وتدعى هذه الظاهرة بالمشي العشوائي المتواصل، وإذا ما نظرنا إلى العالم الطبيعي، نجد أن الطفيليات والعوالق البحرية تتحرك بنفس الطريق ضمن الأجسام والمحيطات.
من الواضح أن هذه الجزيئات لا يمكنها حتى الآن أن تستخدم في جسم الإنسان، وذلك لأن جسم الإنسان يفتقر إلى مادة بيروكسيد الهيدروجين والضوء الأزرق، لكن الباحثين واثقون من تمكنهم من استخدامها في العديد من التطبيقات الطبية المختلفة قريباً، إذا ما استمروا بصقل هذه التقنية، وأضاف (جيريمي بالاشي) وهو أستاذ في الفيزياء في جامعة كاليفورنيا-سان دييغو، والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، أنه إذا ما تمكن الباحثون من تصميم جسيمات ذكية قادرة على توجيه نفسها نحو أجهزة معينة، سيكون بالإمكان عندها أن نفكر بسهولة بتصنيع جسيمات تسبح ضد تيار الدم لإصلاح انسداد الشرايين، ولكن (بالاشي) أضاف أيضاً أنه ما يزال هناك الكثير من الوقت قبل أن يتم استخدام هذا النوع من التطبيقات.