العلماء يريدون إنقاذ أكياسك وزجاجاتك من القمامة لتصير وقود سيارتك الجديد

في الخمس عشر دقيقة التي تقرأ فيها هذا المقال، 15 شاحنة كاملة مليئة بالقمامة تتوجه إلى المحيط لتفرغ سمومها فيه، بمعدل شاحنة لكل دقيقة، ممتلئة بأكياس التسوق وزجاجات المياه البلاستيكية، والأقلام، وأغلفة الطعام، معظمها من ذوي الاستخدام الواحد، تتراكم في مقالب القمامة لتقتل البشر، أو تدفن في الأرض، أو يبتلعها المحيط في صمت، لتظهر لنا على شكل جزر ضخمة طافية من القذارة، مشكلة النفايات البلاستيكية أشبه بشخص يراكم كل شئ تحت السرير ويأمل أن يصحو ذات يوم ليجدها قد اختفت بطريقة سحرية. الكارثة أن هناك إحصائيات أشارت إلى أنه بحلول العام 2050، سيكون هناك بلاستيك يتفوق على عدد الأسماك في المحيط. فريق من العلماء في جامعة كاليفورنيا قرر أن يجد حلاً للمسألة، عندما ابتكروا طريقة جديدة لتحويل النفايات البلاستيكية المدمرة، إلى وقود سائل !

ما سر هذا الابتكار؟

الفريق قرر التصرف مع هذه الأكوام بطريقة تعتمد على تكسير مادة “البولي إيثيلين”، التي تدخل في صناعة كل شئ بداية  من أكياس التسوق إلى أغلفة الطعام، وزجاجات المياه، ليحولها إلى وقود هيدروكربوني مستفيدين من المحتوى الهيدروجيني والكربوني لها، الفكرة قديمة لكن العلماء لم ينجحوا فيها من قبل، فالبلاستيكات أصلاً مصنوعة من الوقود الأحفوري، من المنطقي أن نفكر بإعادتها إلى صورتها الأصلية، لكن العائق دائماً كان أن البلاستيك مركب كيميائي بالغ الثبات. إذا تركت البلاستيك في المحيط أو دفنته تحت الأرض، فإنه يستطيع البقاء في مكانه هكذا لمئات أو آلاف من السنوات، كما قال تشي بين قوان، عالم الكيمياء وأحد أعضاء الفريق.

البولي إيثيلين يبقى على وضعه بفضل الروابط الذرية الأحادية المستقرة بشكل لا يصدق، والتي تعطيه هذا الهيكل، إذا قمت بتسخينه بشكل كاف، يصل لـ4000 درجة سليزيوس، فإن هذه الروابط سوف تنفصل، لتعطيك مزيجاً مختلطاً من الغاز والنفط والشمع والفحم، لكن ليس بشكل يفيدك في أي تطبيق عملي.

كيف تغلب الباحثون على هذه العقبة؟

الفريق تعاون مع باحثين من معهد شنغهاي للكيمياء العضوية في الصين، لابتكار تقنية لتدوير البلاستيك تتطلب حرارة أقل من ذلك بكثير، وتسيطر بشكل ما على منتجات العملية، اعتماداً على “المحفزات الكيميائية” التي تستخدم عادة لإنتاج البوليمرات، وقاموا بضبطها بحيث تقوم بكسر البوليمرات بدلاً من ذلك، العامل الحفاز الأول يقوم بكسر روابط ذرات الهيدروجين مع ذرات الكربون، فتضطر ذرات الكربون لتكوين روابط مع بعضها، روابط الكربون الجديدة تكون ثنائية غالباً وليست أحادية، وهنا يأتي العامل الحفاز الثاني ليكسرها. الهيدروجين المفصول يعود ثانية للخليط، ويتم تكرار العملية عدة مرات. وبعد الكثير من التقطيع والتغيير والحذف وإعادة الترتيب، يستطيع الفريق أن يحصل على ما يريد، سواء كان وقود ديزل أو شمع للأغراض الصناعية.

خبر جيد وآخر سئ

الشئ الجيد هو إن العلماء تمكنوا من جعل هذه العملية، لا تتطلب أكثر من تسخين بدرجة 175 سليزيوس، بدلاً من 400 ! لكن الشئ السئ هو أن العملية بطيئة، لدرجة أنها تستغرق أربعة أيام حتى تكتمل، كما إن العوامل الحفازة غالية الثمن، وهي تعيش لفترة قصيرة حيث تتكسر بعض كسرها لبضع آلاف من سلاسل البوليمر، على عكس العوامل الحفازة التجارية التي تعيش لتكسر الملايين من السلاسل.

من المنطقي أن نعرف أن الفريق يحاول الآن كل ما بوسعه كي يجعل العملية أكثر كفاءة، وإلا لن يكون لدينا أمل من ناحية كارثة البلاستيك إلا أن تظهر فجأة مخلوقات سحرية تقرر أن تلتهمه بدل الأسماك، تخيل مضحك، لكنه كوميديا سوداء.