يعتبر الإفراط القهري في تناول الطعام والإدمان على السكر من المشاكل التي تشكل تهديدات كبيرة على صحة الإنسان، كما أن العلاجات المحتملة جميعها تضعنا أمام خطر إضعاف سلوكيات التغذية الطبيعية التي تعتبر من الأمور الحاسمة من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكن الدراسة التي تم نشرها في 29 كانون الثاني في مجلة (Cell) استطاعت الكشف عن وجود دائرة عصبية ذات صلة بمنطقة المكافأة في الدماغ تستطيع السيطرة تحديداً على سلوك الاستهلاك القهري للسكر لدى الفئران دون إحداث أي ضرر في سلوك التغذية الضروري للبقاء على قيد الحياة، وهذا يمكن أن يوفر وسيلة جديدة لإيجاد علاج آمن وفعال من أجل محاربة الإفراط القهري في تناول الطعام لدى البشر.
على الرغم من أن أمراض السمنة والسكري من النوع 2 هي المشاكل الرئيسية في مجتمعنا، إلّا أن العديد من العلاجات لا تعالج السبب الرئيسي، والذي عادةً ما يكون راجعاً إلى عادات الأكل الغير صحية، ولكن تشير كبيرة المؤلفين للدراسة (كاي تي) من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن النتائج التي توصل إليها الباحثون تعتبر مثيرة حقاً، وذلك لأنها تطرح إمكانية تطوير علاج يكبح بشكل انتقائي الإفراط القهري في تناول الطعام دون تغيير سلوك الطعام الصحي.
إن الإفراط القهري في تناول الطعام هو نوع من أنواع سلوك التماس المكافأة، وذلك على غرار الإدمان على المخدرات، ولكن الفرق الرئيسي بين الاثنين هو أن سلوكيات الأكل تعتبر ضرورة من أجل البقاء، مما يؤكد على الحاجة للفصل بين الدوائر الدماغية المسؤولة عن الإفراط القهري وتلك المسؤولة عن التغذية الطبيعية، وذلك لتطوير علاجات آمنة وفعالة، وتعتقد (تي) وفريقها أن المسار العصبي الصادر من منطقة ما تحت المهاد المجاور للمنطقة السقيفية البطنية يمكن أن يلعب دوراً هاماً في الإفراط القهري في تناول الطعام، وذلك لأنه سبق وأن تم ربط هذه المناطق الدماغية مع سلوكيات مرتبطة بمكافأة مثل الأكل والنشاط الجنسي، وإدمان المخدرات.
لاختبار هذه الفكرة، قامت (تي) وفريقها باستخدام تقنية تسمى بعلم البصريات الوراثي، وهو يتضمن إجراء تعديلات وراثية على فئات معينة من الخلايا العصبية لإنتاج بروتينات حساسة للضوء تتحكم في عملية التهيج العصبي، ومن ثم قاموا بتعريض هذه الخلايا للضوء الأزرق أو الأصفر من خلال ألياف بصرية لتنشيط أو تثبيط عملها على التوالي، وبينت التجارب أن تنشيط المسار العصبي في منطقة ما تحت المهاد المجاور للمنطقة الجوفية السقيفية تسبب بجعل الفئران التي كانت قد تغذت جيدًا تقضي المزيد من الوقت وهي تأكل الطعام، كما وازدادت عدد المرات التي مدت خلالها الفئران أنوفها خارج الحجرة للحصول على مكافأة السكر، حتى وإن اضطرت هذه الفئران لعبور منصة تؤدي إلى تعريض أقدامها للصدمات الكهربائية للحصول على المكافأة، وعلى النقيض من ذلك، أدى تثبيط نشاط هذا المسار ذاته إلى تخفيض السلوك القهري لالتماس السكر دون التأثير على معدل الاستهلاك الطبيعي للغذاء، مما يشير إلى أن هناك دوائر عصبية مختلفة تسيطر على عملية التغذية لدى الحيوانات الجائعة.
تبعاً لـ (تي) فمن المنطقي أن يطور الدماغ دوائر عصبية تعمل على دعم صفة النهم عند ندرة وجود الطعام، وعادةً ما تكون تلك الأطعمة التي يسعى الدماغ إلى تناولها عبارة عن مصادر سكرية وخاصةً عندما يقل مخزون الجسم من الطاقة خلال مواسم معينة من السنة وتندر الموارد الأخرى منه، ولكن في فصل الشتاء، قد يحدث تكيّف منفصل للدوائر العصبية تدفع الحيوانات الجائعة لأكل أي نوع طعام متاح أمامها، وبذات الوقت يحفزها لتخفي استهلاك الطاقة للاقتصاد في الموارد المحدودة.
ولكن حالياً في مجتمعنا المعاصر، لم يعد هناك ندرة في الأطعمة، حتى أن الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون أصبحت متاحة أكثر من الفواكه والخضروات الطازجة أو البروتينات في غذائنا اليومي، وتشير (تي) أنه على ما يبدو فإن الإنسان لم يتكيف مع حقيقة وفرة الأغذية الغنية بالسكر، ولذلك فإن هذه الدوائر التي تدفعنا لأن نحشو أنفسنا بالحلويات، أصبحت الآن تخلق مشكلة صحية جديدة، ولكن اكتشاف هذه الدوائر العصبية الكامنة وراء استهلاك السكر القهري يمكن أن يمهد الطريق لتطوير علاجات دوائية موجهة لعلاج هذه المشكلة الواسعة الانتشار بشكل فعال.