المعادن لها أسماء، لدينا الحديد والنحاس والذهب والفضة والجرافيت والألماس، ولدينا أسماء لمعادن أخرى كثيرة، لكن هل تصدق أن أكثر المعادن انتشاراً على الإطلاق على سطح الأرض بقي بلا اسم حتى الآن؟
الشئ الغريب أن هذا المركب يشكل حوالي ثلث حجم الأرض أكثر من أي معدن آخر ولم يكن له اسم حتى الآن، وذلك لأنه كان عميقاً جداً في الأرض، حيث اعتقد العلماء أنه يمثل معظم طبقة “الدثار” الطبقة الأرضية التحتية العميقة، ولم يتمكن العلماء من الحصول على أية عينة منه أو حتى رؤيته من قبل، إذ لم يكونوا قادرين على إيجاد طريقة يحفرون بها مئات الأميال تحت سطح الأرض ليحصلوا على عينات من هذا المعدن دون أن يدمروه بهذه الطريقة، حيث أنها مواد بزوال الضغط الكبير جداً الذي تقع تحته تصبح مواداً طيّارة، ولذلك فمع كل الأبحاث طوال السنين الفائتة التي أثبتت وجوده وكميته بالأسفل، لم تستطع الرابطة الدولية للمعادن أن تطلق عليه اسماً بدون دليل مادي على وجوده.
لكن فريقاً علمياً بقيادة عالم المعادن أوليفر تشونر استطاع الحصول على عينات أخيراً من هذه المادة، ليس الأمر أنهم اكتشفوا فجأة طريقة لحفر مئات الأميال وإخراجه ولا أنهم جلبوه من حمم بركان منفجر، بل إن هذا العالم من جامعة لاس فيجاس حصل عليه من نيزك!
فالظروف المتطرفة والضغط التي واجهه هذا النيزك في الفضاء يشبه الظروف التي تعرضت إليها الأرض، وذلك بتعرضه لصدمات الكويكبات في نظامنا الشمسي، ولأنها تحدث بسرعات هائلة فقد تجمد هذا التفاعل وتمت إحاطة هذه المادة داخل المذنب دون أن تتأثر بالضغط حين يقل، وهبطت إلينا داخل المذنب الذي سقط على كوكبنا.
لكن للأسف، مع أن المادة قد هبطت إلينا أخيراً، فقد دمرتها محاولات فحصها بالمجهر الإلكتروني النافذ، إذ أنه سبب ضرراً للعينات وكانت النتائج غير كاملة وغير حاسمة.
لكن ما فعله فريق جامعة لاس فيجاس لتلافي ضرر العينات الحساسة كان فارقاً، إذ أنهم استخدموا تقنية مختلفة في الفحص باستخدام أشعة سينية دقيقة غير مدمرة وذات إشعاع قليل، مركزين اهتمامهم على مذنب كان قد سقط في أحد الأماكن النائية في أستراليا عام 1876، والذي رجحوا أن هذه المادة سوف تكون فيه.
حتى مع هذه المعدات عالية القدرة، كان العثور على عينات سليمة صعباً، ليس فقط لأنها نادرة في النيزك، لكن لأنها كانت أقل من 1 ميكرومتر في القطر كذلك، لكن الفريق ثابر واستطاع أخيراً أن يحصل على تحليل تكويني وتركيبي لهذه المادة.
وأخيراً، وبعد أن أصبح في أيدينا دليل، استطاع العلماء إطلاق اسم على هذا المعدن، مسمين إياه Bridgmanite على اسم عالم كان رائداً ف أبحاث الضغط العالي وحصل على جائزة نوبل عام 1946 تكريماً له.
وأظهر تحليل المعدن أنه يحتوي على الكثير من حديد الحديديك والكثير من الصوديوم، أكثر مما كان العلماء يتوقعون، كما أن التركيب البلوري له سوف يعطينا فكرة عن تركيب الطبقة العميقة من الأرض، وسوف يساعد العلماء على فهم المواد والقوى غير المرئية المخفية التي تحدث في باطن الأرض دون أن نكون قادرين على رؤيتها.
الشئ الجميل، أننا وجدنا اسماً أخيراً لهذا المعدن الهائل المخفيّ تحت أقدامنا، كما أنه من الجميل أيضاً إدراكنا كم أنه لا يزال لدينا الكثير والكثير كي نكتشفه.