انى لا اكذب ولكنى أتجمل، بل انى امتلك من الذكاء الاجتماعى ما يمكننى من الحصول أو من الوصول الى كل ما أريد. سرعان ما تصطدم آذانك بهذه العبارات عندما تتساقط أقنعة الخداع والمسكنة من فوق وجه المحتال أو المنافق الذى ترعرع كامل بنيانه على الكذب على الرغم من علمه بكامل الحقيقة وبأنه كذاب أشر ولكنه لا يبالى. سقط القناع من على وجه ” قابيل” بعدما سولت له نفسه الأثمة قتل أخيه ” هابيل ” وذهب بنا هذا التعيس حزين البصر والبصيرة الى فعل صرخت من أجله كل الكائنات الحية بل وكل المكونات غير الحية آنذاك، حتى أصبح هذا الفعل وهذه الجريمة عادة لكل الكذابين والمنافقين. فعندما يسقط قناع الكذاب، فلا تنتظر منه الا كل ما هو حقير وليس هناك أحقر من قتل النفس التى حرمها الله. وقتل النفس قد لا يكون بوأدها بل قد تختلف ألوانه وأشكاله مع بقاء النفس على قيد الحياة. ومع تنوع صور قتل النفس نجد صور متعددة ومتطورة من مجرمى قتل النفس. وكأننا أمام قانون بقاء قتل النفس، حيث تتفاعل من خلاله كل مكونات الكذب الصادرة من الكذاب مع كل مكونات الصدق والرحمة والود والثقة الصادرة من المخدوع الذى سيصبح قتيلا فى نهاية التفاعل الذى بدأ منذ زمن ” قابيل” وتكررت صوره المأساوية المختلفة كأنها طاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم. يسقط القناع وتتكشف للقتيل الملامح القذرة للقاتل عندما تنكسر كل الروابط الموجودة بين مكونات الكذب وينتج عنها جسيمات من الكذب النانوى الحجم التى سرعان ما تلتصق بجسيمات الصدق والود والثقة ، ثم تتفاعل معها من خلال روابط جديدة من الغش والخداع والاستغلال من طرف واحد. وعند الوصول الى النقطة الحرجة واجتياز حاجز طاقة قتل النفس يتم قتل النفس بوأدها أو بتدمير حياتها من خلال صور الظلم التى لا حصر لها. حيث يتم اجتياز حاجز طاقة قتل النفس بعد وقت طويل من الكذب والنفاق وذلك فى حالة عدم وجود أى عوامل مساعدة أما فى حالة وجود هذه العوامل المساعدة أو المحفزة فان الاجتياز سيكون أسرع بكثير، عندها سيسقط قناع الخداع والنفاق ولن نكون الا أمام منتج من نفس قد صعدت الى بارئها أو منتج من نفس محطمة تتجرع مرارة الظلم القاسى. وعلى الجانب الأخر قد تختلف الأقنعة وقد تختلف صور قتل النفس باختلاف المكان والزمان ولكن لن تختلف النفوس المحطمة باختلاف أى مكان أو أى زمان. كما أن لحظة سقوط الأقنعة قد تختلف باختلاف عناصرها أو متفاعلاتها ، فهى لحظة بجاحة ووقاحة من الجانى وفى نفس الوقت نجدها لحظة ألم وحسرة وندم بالنسبة للمجنى عليه. ففى لحظة سقوط الأقنعة تجد الكذاب الذى فقد تجمله يختال هنا وهناك ويمشى مرحا فى حين نجد قتيل النفس الذى فقد حياته قد افترش قبره أما الذى لم يفقدها يتمنى أن ينتقم أو أن تخسف به الأرض على بلاهته وثقته التى كانت فى غير محلها. وفى الزمن القديم، كانت سرعة سقوط الأقنعة بطيئة أما فى الزمن الحديث ومع كل ما نحن فيه من تقدم علمى وتكنولوجى أصبحت وتيرة سقوط الأقنعة أسرع وأسرع. فلقد أصبح زمن سقوط الفريسة قليل مع التقدم الثقافى الواهى الذى أخذنا منه أبشع ما فيه من اتقان لفن الخداع والمرواغة.
سقوط الأقنعة وحاجز الطاقة

شارك المقالة
** أستاذ تكنولوجيا المواد المتقدمة والحفز. المركز القومى للبحوث
** أحد أفضل 2% من العلماء حول العالم طبقا لقوائم جامعة ستانفورد الأمريكية.
** خبير فى البحث العلمى وريادة الأعمال والابداع والابتكار.
** خبير قانونى.