عندما تحقق الحلم في القيام برحلات إلى الفضاء كانت ذلك بمثابة قفزة عملاقة للبشرية، ولكن منذ ذلك الحين، يبدو أننا قد تراجعنا قليلاً إلى الوراء، ففي عام 2011، عندما توقفت مكوكات الفضاء التي تحمل البشر عن الإقلاع للنزول فوق الكواكب، نسي الكثير من الأشخاص نوعاً ما أمر وكالة ناسا، ولكن الوكالة الفضائية الأمريكية لا تزال هنا، ففي يوم 27 من هذا الشهر ستقوم ناسا بإطلاق أحد البعثات الأكثر طموحاً في تاريخها، وهي إرسال رائد الفضاء (سكوت كيلي) البالغ من العمر 51 عاماً إلى محطة الفضاء الدولية لمدة 12 شهر متوالي، وهي مدة تعتبر أطول بمرتين من المدة التي قضاها في رحلته الأخيرة إلى الفضاء في عام 2010، ورقماً قياسياً جديداً لرواد الفضاء الأميركيين.
يشير (كيلي) إلى أنه في رحلته السابقة إلى الفضاء شعر وكأنه في رحلة عمل طويلة، ولكن هذه المرة فإن هذا أشبه بشعور الانتقال إلى مكان آخر، وفي ظل غياب مكوكات الفضاء أمريكية الصنع، فمن المخطط أن يصل (كيلي) عن طريق مركبة الفضاء الروسية (سويوز) التي ستنطلق من أقدم منشأة إطلاق فضائية في العالم، وهي قاعدة (بايكونور) في جنوب كازاخستان.
سينطلق (كيلي) في رحلته برفقة رائدين من رواد الفضاء الروس، وهما (ميخائيل كورنينكو) و(جينادي بادالكا)، وفي حال كنتم تتسائلون عن الخلافات السياسية بين البلدين، فيشير (كيلي) بأن التوترات السياسية بين البلدين سيتم تركها على الأرض خلال الرحلة، وذلك على اعتبار أن المركبة التي ستأخذهم إلى المحطة الفضائية الدولية ضيقة وأن الرحلة ستستغرق ست ساعات على الأقل، لذا من الواضح أنه لا مجال –حرفياً- للخلافات على سطح المركبة.
فيما يخص المركبة يقول (كيلي) أنه على الرغم من أنها تبدو قديمة بعض الشيء وأن بعضاً من أجزائها يعود إلى فترة الستينات، إلّا أن ما يهم في الأمر هو أنها ما تزال تعمل بشكل جيد، وفي النهاية لا يمكن لأحد أن ينكر بأن التحليق في الفضاء هو أمر خطير بحد ذاته.
(مارك كيلي)، شقيق (سكوت كيلي) التوأم، هو رائد فضاء متقاعد، وزوج عضوة الكونغرس السابقة (غابي جيفوردز)، سيكون جزء من البعثة أيضاً، فعلى الرغم من أنه لن يكون على متن محطة الفضاء، إلّا أن عمل مارك سيتمثل على الأرض بالقيام بدور المجموعة الضابطة، بمعنى أنه سيتم المقارنة بينه وبين أخاه على مدى العام الذي سيقضيه (سكوت) في الفضاء، فبمقارنة بيولوجيا التوأمين خلال العام، يأمل العلماء بأن يعرفوا المزيد حول ما يمكن أن يحدث للشخص عندما يقضي فترة طويلة في الفضاء، مثل فقدان العظام لبعض من كثافتها، وهو أمر سيكون في غاية الأهمية بالنسبة لمهمة إرسال البشر إلى المريخ، ولكن مراقبة التغيرات الجسدية ليست سوى جزء واحد من هذه المهمة، فهناك موضوع التحدي العقلي الذي يفرضه العيش في مربع مؤلف من ست غرف لمدة عام في الفضاء.
ولكن ماذا سيحدث إذا ما بدأ (سكوت كيلي) يظهر بعض الدلائل على أنه يبدأ ينهار؟ يشير عالم النفس في ناسا (آل هولند)، الذي سيكون فريقه على اتصال دائم بـ (كيلي)، أنه لا يتوقع أن يحدث ذلك بالأصل، فبشكل عام جميع الأشخاص الذين يقومون بمثل هذه الأمور لديهم تجربة سابقة في مواجهة التجارب المرهقة، وتحمل التوتر بشكل فعال، وقد أثبت (كيلي) جدارته في هذه الناحية من قبل.
للتأقلم على الحياة على متن المحطة الفضاء الدولية قبل الصعود إليها، قامت ناسا ببناء نموذج بالحجم الطبيعي للمحطة يوجد في مركز جونسون للفضاء، وهذا النموذج عادة ما يستخدم للتدريب، وتبعاً لـ(كيلي) فإن غرف النوم التي تحتويها المحطة تبدو مريحة للغاية بالنظر إلى أنها توجد في محطة فضائية في الفضاء، أما بالنسبة للحياة بشكل عام يشير (كيلي) بأنه على سبيل المثال لا يوجد آلة لغسيل الملابس ولا مكان للاستحمام، لذلك يقوم رواد الفضاء عادة برمي الملابس واستخدام إسفنجة مبللة بالقليل من الماء للاستحمام.
أما في ما يخص الطعام فلم يعد الأمر كما كان في السابق حيث كان طعام الفضاء الأصلي يأتي مشابهاً لأغذية الأطفال ويتوجب على رواد الفضاء أن يضغطوا على الأنابيب التي تحتويه ليفرغوها في أفواههم، لأن مطبخ محطة الفضاء اليوم أصبح أشبه بمشاهد العشاء التي نشاهدها على التلفاز، وذلك وفقاً لمديرة الغذاء (فيكي كلورس)، التي أشارت أيضاً إلى إمكانية تناول الأطعمة مثل المعكرونة واللحوم والصلصات والدجاج الحلو والحامض ضمن المحطة الفضائية.
تمت تغطية جميع تفاصيل حياة (كيلي) من طعامه إلى لياقته البدنية وحالته الصحية في الفضاء من قبل فريقه على الأرض، ولكن قد يكون أهم الأشخاص لدى (كيلي) على الأرض هم عائلته، ولذلك سيكون قادراً على الاتصال بهم هاتفياً متى شاء، وسيكون بإمكانهم إجراء محادثة معه على الفيديو معه مرة واحدة في الأسبوع.