لم تسقط علينا بكتيريا الحياة من السماء ولم تخرج الينا من تحت الأرض، لم تفاجئنا فى يوم من الأيام بل انها كانت وما زالت كائنة بيننا، تؤثر فينا ونؤثر فيها، نصارعها وتصارعنا، وأحيانا تصادقنا ونصادقها. فبكتيريا الحياة تضم بين عائلاتها كل ما جاء به العلماء وتم التعرف عليه والذى سوف نعرضه فى عجالة، كما تضم أيضا صنفا جديدا يمكننا أن نطلق عليه البكتيريا الضارة المتحورة (المستجدة) أو البكتيريا البشرية الضارة. وقبل أن ننطلق بمركبتنا وسط أمواج النهر البكتيرى، هيا بنا لنتعرف وباختصار على ماهية وأنواع البكتيريا التى اكتشفها العلماء ثم نعود سريعا وقبل أن تهب علينا عواصف البكتيريا البشرية السيئة لنتعرف عليها وعلى مدى تأثيرها فى حياتنا القائمة.
فالبكتيريا وكما يعلم القاصى قبل الدانى لن تكون أكثر منكائن حى أحادى الخلية لا ينتمى الى أى نبات أو حيوان، لا لشئ غير أنها بدائية النوى لعدم احتواء خليتها على نواة. ليس هذا فقط ولكن هناك مادتها الوراثية (DNA) التي تطفو فوق السائل الخلوي للخلية البكتيرية التى تحتوى على الريبوسومات المسؤولة عن تركيب بروتينات هذه الخلية. ولأن الخلايا البكتيرية لا تكف عن السعى والحركة هنا وهناك، كان لابد أن يمتلك معظمها أسواطاً تساعدها على الحركة والإمساك بالعائل.
ولولا اختلاف الكائنات والمكونات الحياتية، لغاب عن الحياة سرها الأكبر الذي أودعه فيها خالق الكون، ومن هنا كان التنوع البكتيرى سرا من أسرار الحياة الكامن بين طبقات العقول المستنيرة التى تشع نور وضياء نهتدى بهدية ونتعرف به على قدرة وعظمة الخالق فيما خلق. هذا التنوع والتعدد للتصنيفات البكتيرية اعتمد تارة على شكلها وتارة على ما تحتوية من مادة وراثية، وتارة على استجابتها لصبغة غرام، وتارة على نفعها وضررها أو ما تسببه من أمراض.
وعند أول منعطف من منعطفات النهر البكتيرى، تقابلنا مع ما يسمى بالشكل البكتيرى الذى أدلى لنا بكل ما لديه من أقواله حول تقسيم البكتيريا حسب شكلها الى ثلاثة انواع لايوجد بينهم أى رابع، الأول منها كانت البكتيريا المكورة ( المكورات العقدية المسئولة عن التهاب الحلق)، والثانى منها كانت البكتيريا العصوية (المسببة للجمرة الخبيثة)، وآخرها كانت البكتيريا الحلزونية (المسببة لمرض الزهرى). وبالمضى قدما فى الابحار فى النهر البكتيرى وجدنا تصنيفا آخر للبكتيريا كان على حسب استجابتها للأكسجين، حيث كانت البكتيريا الهوائية التى تعيش فى وجود الأكسجين، وكانت البكتيريا اللاهوائية التى تعيش فى غياب الأكسجين ، وكانت أيضا البكتيريا اللاهوائية الاختيارية التى تعيش فى وجود أو غياب الأكسجين. ومع الاستمرار فى الابحار والبحث عن أى تصنيف آخر وجدنا تصنيف البكتيريا حسب استجابتها لصبغة غرام، حيث كانت البكتيريا الايجابية لغرام، التي عند صبغها بصبغة غرام تأخذ لون صبغة غرام ألا وهو اللون البنفسجي، كما كانت أيضا البكتيريا السلبية لغرام، التي عند صبغها بصبغة غرام لا تأخذ لون صبغة غرام وتبقى شفافة، نظرا لامتلاكها غشاء دهنى يكسبها الحماية والمناعة ويعمل على عدم اختراقها. وقبل وصولنا الى نهاية الرحلة وجدنا تصنيف آخر قائم على وجود عامل النفع والضرر، حيث كان هناك صنف بكتيرى نافع وضرورى للحياة (بكتيريا تثبيت النيتروجين فى النبات، وبكتيريا تصنيع الموادا الغذائية)، وكان هناك أيضا صنف بكتيرى ضار ومسبب للأمراض قائم على البكتيريا المسببة للكثير من الأمراض والتى منها الكوليرا، والدفتيريا، والطاعون الدبلي ، والسل، والتيفوئيد، والالتهاب الرئوي، التهاب اللفافة الناخر.
وفى نهاية الرحلة وجدنا ما توقعناه من محاكاة البشر للطبيعة البكتيرية الضارة، حيث اصطدمنا بفصيل بشرى شاذ أخذ من البكتيريا الضاره كافة امكانيتها على العيش في أي بيئة مع التكاثر السريع بعد دخول الجسم المُضيف، ومن ثمّ يقوم باطلاق السموم التي تضر الأنسجة وتسبب الأمراض. هذا الفصيل أو الصنف البكتيرى البشرى الضار لا يسبب فقط الأمراض التقليدية المتعارف عليها ولكنه يتعداها ليدمر أيضا كامل الحالة النفسية للجسم المضيف. بكتيريا بشرية متوحشة على عائلها، وضعيفة كل الضعف الحقير أمام من جاء بها وغرسها بين شرفاء القوم وسادتهم. هذه البكتيريا البشرية الضارة تعتمد فى قذارتها وفى حقارتها على ما تمتلكه من غشاء دهنى سميك ازداد سمكه غلظة من خلال الدعم المنقطع النظير من من هم أكثر حقارة وقذارة، الأمر الذى زاد من بلادة احساس هذه البكتيريا وانعدام تقديرها تجاه أى أمر بل و زاد أيضا من وزنها كونها امعه من البداية وحتى النهاية. ولأن الصفة الامعيه صديق صدوق وظل كل متردد لا يثبت على رأى ويوافق كل واحد على رأيه ، خصوصا لسيده الذى جاء به من فراغ كونه لاشئ ليشغل به مكانا يريد التحكم فيه. هذا الصنف البكتيرى المستجد لم ولن يستيقظ على الحديث القائل” اُغْدُ عالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً وَلا تَكُنْ إِمَّعَةً “، بل وبكل أسف كان أكثر انواع البكتيريا تكاثرا. حيث تتكاثر معظم أنواع البكتيريا بانقسام خلوي يسمى بالانشطار الثنائي، إذ تقوم الخلية البكتيرية بنسخ حمضها النووي ، وتنمو بالحجم إلى ضعف حجمها، ثم تنقسم الخلية الأم إلى خليتين متطابقتين. كما تتكاثر بعض الأنواع الأخرى بالتبرعم، أي ينمو برعم صغير في الخلية الأم بحجم صغير في البداية، ويستمر في النمو إلى أن يصبح بحجم الخلية الأم ثم ينفصل عنها.
ولكن هل لنا أن نقاوم البكتيريا الضارة ونتحلص منها؟. نعم يمكننا مقاومة البكتيريا والتخلص منها، فهذا هو الشئ الطبيعى الذى تفرضه الفطرة لأن لكل داء دواء، وذلك من خلال المضادات الحيوية. ولكن وبكل أسف ان استخداماتنا الخاطئة للمضادات الحيوية قد أدت إلى ظهور سلالات بكتيرية مقاومة لهذه المضادات، لأن البكتيريا دائما ما تطور من نفسها عبر الطفرات الجينية ويصبح من الصعب القضاء عليها باستخدام المضاد الحيوي. وفى هذا الصدد، لن يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للبكتيريا البشرية الضارة التى تسئ استخدام القوانين واللوائح ومن ثم يستفحل أمرها ويصبح من الصعب القضاء عليها نظرا للدعم اللامحدود من البكتيريا الأم التى هى فى الأصل منبع الفساد والافساد فى كامل البيئة الحياتية. وعلى الجانب الآخر، يمكننا القضاء والتخلص من هذه البكتيريا العفنة من خلال ما يمكن أن يعتبره البعض مستحيلا أو دربا من دروب الخيال، هذا الدرب وهذا المستحيل هو تفعيل الوعى قبل السعى، هذا التفعيل القائم على الادراك الصحيح والوعى المنشود والتنفيذ الحقيقى للقوانين وتنشيط اللوائح مع الأخذ بكل ما يتفق مع العقل والمنطق واستبعاد أى أثر لأى هوى للنفس، حيث قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات:40،41)، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعـات:37ـ 39 ).