التصنيفات: غير مصنف

العلاج بالجينات ( قصة الحسناء والوحش )

في مقال سابق تكلمنا عن الخلية السرطانية ( الخلية المتوحشة ) ، وعن تجنيدها لكل محتويات الخلية لضمان إنتشارها وتمددها لإستعمار الجسم شيئا فشيئا و مع مقاومتها الشديدة لأي عنصر مضاد لها كالأدوية الكيماوية والإشعاعية، حيث إن الكثير من الدراسات أثبتت ذكاء هذه الخلايا بتصنع الموت والسكون من خلال التحديث الدائم في برمجتها الجينية والعمل على تطفيرها أول بأول لتبقي مجندة لصالحها فقط .

وللأسف إن عدد أنواع السرطانات المقاومة للعلاج الكيماوي في إزدياد دائم ، مما جعل العلماء يقفون دائما في صفوف التحدي لها و بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.

من ضمن هذه التحديات التي قد نجح بعضها بنسب جيدة نوعا ما ، هو التصدي للخلية السرطانية بإستخدام العلاج الجيني Gene Target Therapy ، وتعني إستخدام أدوية تحتوي على تركيبات جينية  في العلاج، من خلالها يتم إصابة الهدف من جينات تعمل لصالح انتشار الخلية السرطانية وأشهر الأمثلة على ذلك KRAS  و P53 وغيرها الكثير،  أو التحكم في عملها من خلال المتحكمات القزمة microRNA والتي ذكرنا آلية عملها في مقال آخر .

لتبسيط الفكرة للعوام وإعطاء روح أمل جديدة لمرضى السرطان بإن العلماء والباحثين يبذلون قصار جهدهم من أجلهم سأروي لكم حكاية الحسناء والوحش : ليكن هذا السرطان هو ذلك الوحش الذي سمعنا عنه في الأساطير وشاهدناه على شاشات السينما، والذي يقتل كل جميل ويعيث فساداً فيما حوله، وهو الذي كان في يوم ما أمير وسيما ولكن شاءت تلك الفوضى التي عمت على حوله بأن يتحول إلى وحش بشع، ولا يقبل إلا بالجميل  لينتقم ويشبع وحشيته القاتلة.

ولكن لا بد من إخماد ثورة هذا الوحش ، لذلك إتجه الإختيار إلى تجربة العلاج الجيني ( الحسناء ) ويتم الإختيار بعناية فائقة يتم التجربة على الخلايا السرطانية على طاولة المختبر من ثم الحيوانات وبعدها على أسرة المستشفيات بما يسمي Transnational research ، وبعدها سيقع الإختيار على الجين المميز ( الحسناء) ، ليقوم بإصابة قلب الوحش ومراقصته والتوغل في تركيبته الجينية وتثبيط عمل الجينات النشطة التي تزيد من توحشه وتمدده في الجسم، وعندها سيهدأ هذا الوحش ويقع في حب حسناءه التي قد تفلح في إعادته أميراً وسيماً ويعيشان في سعادة وهناء وهي تعني إعادة الحياة إلى كل مريض أرهقه توغل السرطان في جسمه.

وهنا ربما قد يتبادر إلى مخيلة كل منا الآلية الدقيقة التي يعمل عليها العلماء في إيجاد علاج جيني فعال من خلال مضادات الجينات المتطفرة أو من خلال المتحكمات القزمة microRNAs ، للنيل من  الخلية السرطانية وإيقاف إنتشارها في الجسم ، ومنهم من يعمل على الجينات القاتلة للخلية السرطانية من خلال تنشيط مؤشرات موت الخلية الطبيعية Apoptosis signaling و التي تعمل  الخلية السرطانية على تثبيطها  بمجرد وجودها لضمان سيادتها على النسيج ثم العضو فالجسم كله، ومن هنا يكون العلاج الجيني التطبيقي هو التقنية الأمنة التي يعمل عليها العلماء ليس فقط من على السرطانات وإنما على العديد من الأمراض الوراثية والمزمنة، كالتوحد والزهايمر وغيرها.

فهل سيأتي يوم تختفي فيه الصيدليات ويصبح علاج الأمراض هو مجرد تعديل جيني بسيط !

هذه هي ثورة العلم الحديث المليئة بالعجائب.

شارك
نشر المقال:
علياء كيوان